مجتمع

#ملحوظات_لغزيوي : سؤال لنا جميعا !

AHDATH.INFO الجمعة 18 يناير 2019
stolen-phones-640x410
stolen-phones-640x410

AHDATH.INFO

لسبب شخصي وجدتني الأربعاء صباحا داخل إدارة من إدارات الأمن بالدارالبيضاء، بعد أن استعاد رجال الأمن بالعاصمة الاقتصادية هاتفا نقالا سرق من أحد أفراد عائلتي، وتمكن أهلنا في الأمن الوطني من استرجاعه والوصول إلى مختلسه مما يستحقون عليه ثناء كبيرا وشكرا أكبر

لن أحادثكم عن ظروف سرقة هذا الهاتف، فالكل يعرف كيف هو شارعنا المغربي في هذا المجال، لكنني سأتحدث عن مشاهد رأيتها بعيني لم تفارق مخيلتي منذ صبيحة ذلك اليوم وجعلتني داخل دوامة من الأسئلة المؤرقة اللاتنتهي فعلا

يتعلق الأمر بصغيرين من مواليد 2002 ضبطا متلبسين ضمن عصابة لرفاق في سنهما، تهاجم العابرين والمارة تحت تهديد السلاح، وتختار الأماكن المعزولة لكي تنفذ إجرامها هذا..

عينا الصغيرين الملقى عليهما القبض لا تحملان رعبا أو هلعا أو خوفا أكثر من اللازم مما ينتظرهما. بالعكس، رأيت في العينين نوعا من الاطمئنان المبالغ فيه وغير المبرر، وشكلا من أشكال عدم فهم مايقع وعدم استيعاب خطورة ماقاما به وعدم توقع ماينتظرهما من أحكام بالسجن، ومن ضياع مستقبل ومن ترويع لعائلتيهما وعائلات بقية الضالعين معهما في هذا العمل.

عن الأسئلة التي كان رجال الأمن يلقونها عليهما، والتي كانت تصل إلى مسمعي من مكتب آخر، كانت إجابات الصغيرين غير مكترثة، وتتحدث عن الإجرام بشكل جد عادي بل وشبه بديهي، لكأنهما قاما بواجب ما وينتظران أن يقول لهما أحد "شكرا" لكي يجيبا بكل هدوء الكون "لا شكر على واجب".

السؤال الذي طرح نفسه بين الحاضرين يومها هو سؤال : ما العمل مع هذا الجيل الصاعد من المجرمين، القاصر سنا وعقلا، وغير المستوعب لخطورة مايقترفه وغير القادر على اتخاذ قرار التوقف عما يقترفه؟

مع السؤال سؤال آخر عن المسؤول فينا ومن بيننا عما يقع، وهل هي الأسرة أم المدرسة أم المجتمع أم الدولة أم هو خليط كل هاته الأطراف، ونتاج تفريط كل واحد منها في  جزء من مسؤوليته إلى أن وجدنا أنفسنا اليوم نواجه هاته "الوحوش" الصغيرة غير المقدرة لهول ماتزرعه في المجتمع العادي من رعب ومن هلع أصبحا يوميين..

إجابة العقوبة الزجرية أي السجن والغرامة وما إليه هي إجابة مفروغ منها، لأن القانون يقول ذلك، لكنها قطعا غير كافية، خصوصا عندما يخرج هؤلا الصغار من السجن أكثر تجربة وأكثر اقتناعا بأن المسار الإجرامي الذي انخرطوا فيه هو الحل. كما أن إجابة الفقر والظروف الاجتماعية الهشة لم تعد مقبولة، لأن عددا كبيرا من أبناء الفقراء لا يمارسون الإجرام لكي ينالوا مايريدونه، بل أغلبيتهم تفهم أن عليها أن تدرس وأن تكافح وأن تبحث عن عمل في حال عدم إتمام الدراسة لكي تعيش من عرق جبينها ومن الحلال ودون أن تتورط في تصرفات شر الخلق من المجرمين

أيضا عندما تسمع من هؤلاء المنحرفين الصغار مايصنعونه بالمال المترتب عن هاته العمليات الإجرامية، يدهشك أنهم لا يحاولون حتى الكذب أو الادعاء أنهم يفعلون ذلك لأجل أن يعيشوا، أو لأجل مساعدة والديهم الفقراء، أو لأجل إطعام أخت غير قادرة على الحياة، أو مريض في العائلة يعاني في صمت ولا يجد الدواء.

لا، هم يفاخرون بعضهم البعض أنهم يسرقون لأجل "القصارة والذهاب إلى محلات الليل أو لاشتراء الأحذية الرياضية الغالية الثمن ولأجل التوفر على آخر صرعة من الملابس ومن الهواتف النقالة" وبقية الأشياء التي لاتتطلب أن يتحول الإنسان إلى مجرم لأجلها إلا إذا كان أصلا مجرما ولا ينتظر إلا المبرر.

السرقة لأجل العيش الضروري لم تعد الهدف، بل السرقة وممارسة كافة أنواع الانحراف أصبحت اليوم لأجل الكماليات، وهؤلاء الصغار لم يعودوا يخفون هذا الأمر حتى، بل هم يقولونه وينصرفون، ويتركون لنا - معشر الراشدين إن كنا راشدين فعلا- أن نحملق في بعضنا طويلا بحثا عن محاولة فهم تبدو فاشلة للغاية

أعترف أن الأسئلة الكثيرة المترتبة عن رؤية ابتسامة تَحَدي ساخرة تعلو وجهي المجرمين الصغيرين لم تفارقني، وهي أسئلة أعرف أنها تعيش اليوم مع الأسر المغربية ، حتى تلك التي تربي أبناءها جيدا وتحرص على مرافقتهم باستمرار، لأنها تعرف أنهم سيخرجون في لحظة من اللحظات إلى هذا المجتمع المليء بهاته النماذج، وأن تأثيرا ما سيقع..

هل سيكون إيجابيا أم سيكون سلبيا ؟ الله أعلم. المهم أنه واقع لا يرتفع، وأن الحل ليس في التغاضي عنه وإشاحة النظر إلى الجهة الأخرى، بل الحل الحقيقي هو مواجهته بشجاعة مثلما يفعل أمنيونا الأبطال في مجال اشتغالهم اليومي لأجل تأمين شوارعنا من هذا المد الإجرامي الخطير، لكن أيضا من خلال مواجهته بشجاعة مماثلة في مدارسنا وداخل أسرنا وداخل منظومتنا التربوية التي يجب أن تشعر أنها المعنية الأولى والأهم بتشوهات المجتمع هاته التي تقع أمامنا وبيننا، ونكاد قول لأنفسنا على سبيل العزاء الكاذب فيها "هاد الشي كيطرا وصافي".