ثقافة وفن

أين اختفى حزب الأصالة والمعاصرة؟

أحداث أنفو الخميس 21 فبراير 2019
501
501

 AHDATH.INFO

بقلم: هشام الطرشي، كاتب رأي

[email protected]

بالرغم من أن « الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة »، وسواء اعتبرنا أن هذا السؤال ذو طابع اشكالي أو جذري، إلا أن الغاية من طرحه تظل، وفي المقام الأول، الوصول إلى جواب واضح وحقيقي ومعلِّل لكل العبث الذي نعيشه اليوم.

وباستثناء عدد محدود جدا من الرفيقات والرفاق الذين أتجاذب معهم أطراف الحديث ونتبادل الأفكار ووجهات النظر بخصوص واقع حزب بُني بسواعد الرفاق ونضالاتهم، سواء كان هذا التواصل في لقاءات مباشرة أو عبر وسائل التواصل المتعددة، فإنني أحاول قدر الإمكان البقاء على مسافة معقولة من كل النقاش المسترسل الآتي من غياهب اللامعنى واللاتنظيم، وذلك لإيماني أن النقاش المسؤول وذي المصداقية ينبغي أن تحتضنه مؤسسات ومقرات الحزب لا الفضاءات العامة والخاصة هنا وهناك.

سؤال: « أين اختفى حزب الأصالة والمعاصرة؟ » أجده مختصَرا ومختزِلا لأزمة ضاربة في عمق التنظيم حتى أصبحت تهدد طبيعة المشروع المجتمعي المتوافق عليه منذ التأسيس. وأعتقد أن عدد المستشعرين لحاجة وضرورة طرح هذا السؤال في تزايد خصوصا بعد كل إخفاق لمؤسسات الحزب الوطنية في تدبير المرحلة أو مجرد تبرير هذا الكم الكبير من الاخفاق.

إن هذا السؤال يستمد راهنية طرحه من توالي القصاصات الاخبارية المستفيضة في سرد تفاصيل الصراعات « الفوقية » التي أصبحت واقعا نعيش على ايقاعه اليومي، وكل ما ارتبط بها من تسريبات من هذا الطرف أو ذاك، غايتها ضرب بعض « القيادة الوطنية » لبعض « القيادة الوطنية» الآخر، واتفاقهم على الحرص عن وعي أو عن غير وعي على تدمير الحزب بكل السبل والوسائل المتاحة وفي أسرع وقت ممكن، وهو ما يعكسه بوضوح ما بلغته « القيادة الوطنية » المتناحرة من حضيض في مسار تدبيرها لشؤون الحزب وطنيا.

وأركز هنا عن « التدبير الوطني »، لأن البعدين الجهوي والمحلي غائبين عن أجندة « القيادة الوطنية »، اللهم من ترتيبات لعقد لقاءات جهوية هنا وهناك لضبط « القواعد » وضمان عدم انفلاتها خلال المحطات التنظيمية المقبلة.

وحين يطرح سؤال: « أين اختفى حزب الأصالة والمعاصرة ؟ »، لا يكون الغرض دائما وبالضرورة البحث عن جواب مباشر بقدر ما يكمن الغرض بالأساس في البحث عن مكامن قوة هذا الحزب منذ التأسيس، وتميزه في مشهد سياسي متعدد. كما أن طرح ذات السؤال ليس ترفا في نقاش عقيم، وإنما لحاجة ملحة في استحضار ما حققه الحزب من تراكم وسابقة في عدد من القضايا وعلى مستويات عدة.

أتذكر عددا لا بأس به من هذه المواقف والقرارات والقناعات والمبادرات التي اتخذها الحزب منذ تأسيسه والتي أجدها مصدر فخر الانتماء لهذا التنظيم السياسي الفتي.

أتذكر القانون الأساسي للحزب لحظة التأسيس حيث تم التأكيد، ولا يزال، بكل قناعة وتطلع إلى المستقبل على الاختيار الطوعي للتنظيم الجهوي/الفيدرالي، وقد كان سابقة لم يستسغها الفاعل السياسي آنذاك، فسار البعض يضربون أخماسا في أسداس متسائلين عن الغاية من « بدعة » التنظيم الحزبي الجهوي في بلد موغل في المركزية ويشد عليها بالنواجذ.

كما أتذكر أن الحزب قام بمبادرة نبيلة تمثلت في السعي لوساطة بين الفصائل الفلسطينية لتعزيز الحوار بينها رأبا للصدع وتقوية للجبهة الفلسطينية الداخلية وإنهاءاً لحالة الانقسام على أرض الواقع. وهي المبادرة التي سجلت نجاحا كبيرا ودعما مهمة للحوار الفلسطيني-الفلسطيني وتقريب وجهات النظر بين مختلف الفاعلين.

أتذكر أيضا الندوة التي نظمها فريقا الحزب بالبرلمان سنة 2014 حول موضوع: « الاقتصاد الوطني والحاجة إلى نموذج تنموي جديد »، حيث تمت الدعوة فيها إلى التفكير الجماعي في نموذج تنموي جديد قادر على مواجهة التحديات التي تعرفها المرحلة، من خلال خلق الثروة، وتوفير فرص الشغل، والعدالة الاجتماعية والمجالية.

وعلى مستوى قضيتنا الوطنية الأولى، الكل يتذكر أن الحزب كان سباقا ومبادرا لمراسلة جميع الأحزاب السياسية أغلبية ومعارضة في يوليوز 2014 مقترِحا عليها التفكير الجدي  وبشكل تشاركي في تشكيل هيئة وطنية تعنى بتوحيد الجهود ونهج ديبلوماسية استبقاية باستراتيجية واضحة، وآليات متطورة.

كما أن البام وبمجهود رموزه آنذاك، وفي استثمار مواطِن لشبكة علاقات القيادة الوطنية بعدد من التنظيمات السياسية بدول أمريكا اللاتينية وآسيا وافريقيا، عمل في إطار تجسيده العملي للديبلوماسية الحزبية على إعادة تموقع المغرب بعدد من الدول، بل إن الحزب آنذاك استطاع إقناع بعض الدول بإعادة النظر في مواقفها الرسمية من قضيتنا الوطنية حتى أن بعضها سحبت رسميا اعترافها بما يسمى بالبوليساريو.

وعلى المستوى البرلماني وبالاضافة إلى العدد الكبير من مقترحات القوانين التي تعاقبت الفرق البرلمانية للحزب على اقتراحها، ومعها عشرات التعديلات التي فرضتها بقوة الإنتصار للصالح العام ولمغرب التعدد والحقوق والعدالة الاجتماعية في مختلف مشاريع ومقترحات القوانين، فإن الكثير منا يتذكر قرار الحزب بإعادة تعويضات البرلمانيات والبرلمانيين عن المدة التي كان فيها البرلمان في حالة عطالة إلى خزينة الدولة، حيث فعَّل الحزب وبكل جرأة مبدأ ربط التعويض بالمهمة الانتدابية للبرلمانيين.

أما على المستوى السياسي، فأتذكر، موقف الحزب من المفاوضات الحكومية غداة استحقاقات السابع من أكتور 2016، حيث أعلن وبالوضوح اللازم خلال اجتماع مكتبه السياسي صبيحة السبت 08 أكتوبر في بلاغ رسمي أنه غير معني بالمشاركة في الحكومة وأنه اختار المعارضة، وهو ذات البلاغ الذي تمت الدعوة من خلاله إلى ضرورة التعجيل بإجراء تعديل دستوري لتجاوز البياضات التي تتضمنها الوثيقة  الدستورية المصادق عليها في استفتاء فاتح يوليوز 2011.

وبين كل هذه المحطات البارزة والمفصلية في تاريخ الحزب، يمكن أن نستحضر مئات المواقف والمبادرات اليومية وفي مختلف القضايا والمجالات، وفي تفاعل ايجابي ومسؤول مع مطالب كل الإطارات السياسية والمدنية التي يتقاسم معها الحزب أفكارا مبدئية في عدد من القضايا، والتي كانت في كل مرة تؤكد محورية الحزب في المشهد السياسي المغربي.

وأنا أتذكر هذه الأحداث البارزة التي عايشناها بكل الانخراط النضالي فينا، استحضر الدينامية التواصلية للحزب، وكيف أنه كان حاضرا بشكل يومي وبقوة في المشهد الاعلامي، حيث كان الحزب حريصا على إعلام الرأي العام بكل مبادراته السياسية وقراراته التظيمية عن طريق تواصله الدائم مع وسائل الإعلام، كما استحضر التفاعل الحي للحزب مع الأحداث الوطنية والدولية والتعبير في حينه عن مواقفه بخصوصها والمعبر عنها عبر البلاغات والتصريحات الرسمية.

وأنا استحضر كل هذا وذاك، أجدد طرح السؤال: « أين اختفى حزب الأصالة والمعاصرة؟ »، لا لرغبة شخصية في معرفة الجواب، وإنما لإيماني أن حزبا بكل هذه المواقف المتقدمة وهذه الرؤية الاستباقية وهذا التطلع نحو المستقبل في مشهد سياسي عُرِف بركوده وعدم قدرته على الإبداع، حزب كانت له قيادة وطنية وقفت ببأس وصلابة وجرأة في وجه أعتى الهجمات والحروب السياسية، ليصير هيكلا خائر القوى بناؤه أوهن من بيت العنكبوت، لا نسمع عنه إلا تفاصيل صراعات وتطاحنات بين "قيادييه" الذين فرقتهم المصالح الشخصية والسعي الى تحصين مكتسباتهم فصاروا شيعا وجبهات همهم القضاء على بعضهم البعض.

لهؤلاء أقول: إن لم تراعوا أسماءكم ومواقعكم وتاريخكم، فرجاء راعوا كل الذي ذكرته وغيره كثير، فمن العار أن يصير الحزب الذي تأسس بأصالة المغاربة ومعاصرتهم هذا مآله ؟