الكتاب

#ملحوظات_لغزيوي: هل يعلم أم لا يعلم؟؟؟

المختار لغزيوي الخميس 21 فبراير 2019
Capture d’écran 2019-02-21 à 11.27.15
Capture d’écran 2019-02-21 à 11.27.15

AHDATH.INFO

هل يعلم بوتفليقة أنه مرشح لرئاسيات الجزائر بعد أسابيع قليلة؟ قطعا لا، فالرجل يعيش في عوالم غيبية الآن تربطه بخالقه أكثر مما تربطه بنا نحن أهل هاته الأرض، والدعاء الأصح والأقرب إلى العقل السليم له ليس بالنجاح في انتخابات هو لايعرف أصلا أنه مرشح لها، بل بتعجيل الفرج ورفع الداء والمسارعة إلى العثور على مخرج ما من الحالة التي هو عليها منذ سنوات عديدة..

هل يعلم بوتفليقة أن بومدين صديقه ورفيقه وقائده السياسي قد رحل إلى ربه منذ سنوات كثيرة، وأن مطارا في العاصمة الجزائر يحمل إسمه تنزل إليه الطائرات وتقلع منه باستمرار، وغالبا طارت منه طائرة عبد العزيز نحو مستشفيات باريس غير مامرة من "الطارماك" المؤسس لأرضيته محاولة الإبقاء عليه قيد الحياة الإجبارية وقد الحكم غير الاختياري، وقيد القبضة الحديدة لمتنفذي المرادية الذين لا يريدون الإفراج عنه وترك الفرج يصل إليه

هل يعلم بوتفليقة أن الجزائريين يبكون ويسخرون من مصيرهم هاته الأيام في الوقت ذاته؟ قطعا لا فهو لا يدري شيئا، ولا يعرف أن الشعب الجزائري يتأمل صور حملته الانتخابية المبكرة والمضحكة، وهو صورة تتسلم فرسا عبارة عن هدية من مخبولين، أو وهو يتقدم في البرواز الكبير والإطار الأكبر شاحنة تقطع به الصحارى إيذانا ببدء الجولة الانتخابية لحشد أصوات الجزائريين غير المعنيين لا من قريب ولا من بعيد بهذا الاقتراع العجيب

هل يعلم بوتفليقة أنه الآن منخرط في الترويج للعهدة الخامسة لحكم الجزائر؟ لا يدري الرجل المسكين شيئا وهو القادم من ستينيات القرن الماضي مفعما بحيوية تدبير وزارة الخارجية أيام الحرب الباردة. يتصور أن خروتشوف سيناديه عبر الهاتف اليوم، أو يتخيل فديل كاسترو سيرسل له في طائرة السادسة مساء تشي غيفارا لكي يلتقط معه الصور النادرة، ولكي يتعاهدا معا على نصرة الفقراء والمظلومين في كل مكان

هل يعلم بوتفليقة أن الكرة الأرضية كلها تبتسم حين ترى خبر ترشحه للرئاسة، وأن الكرة الأرضية نفسها تقهقه وتنفجر ضحكا حين تقرأ في قصاصات الأنباء أنه اتصل برئيس أو زعيم مهنئا أو معزيا أو مستفسرا أو قائما بواحدة من أعباء الحكم الكثيرة أو ببروتوكولاته الأكثر؟ طبعا هو لايعرف، وكل مايستطيع التنبؤ به من خلف حجاب غيبوبته الدائم هو أنه عاش ذات زمن مسؤولا ساميا في بلد كان يقال له الجزائر، وأنه ظل على ذلك العيش حتى فاجأته تلك النوبة ذات يوم، وبعدها لم يعد يتذكر إلا النزر اليسير من الأشياء

هل يعلم بوتفليقة ومن يحركون بوتفليقة ومن يصرون على أن يبقوا على المصير المؤلم والمحزن لبوتفليقة أنهم يصنعون شيئا واحدا اليوم هو الإساءة لبلد عظيم ولشعب أعظم؟

طبعا يعلمون ذلك ويقولون إنهم لايملكون خيارا آخر، لأن استقرار الجزائر، لأن سنوات سلمها التي لم تصلها إلا بعد جهد جهيد، لأن لحظات الهدوء المتوتر التي تعبر منها الجارة تأتت - حسب زعمهم - عبر عبد العززيز وسياسة عبد العزيز، وهم خائفون أن يعصف الرهان على شخص آخر أو إسم آخر لا يحقق الإجماع حوله بفعل الغياب الدائم منذ سنوات بكل هذا وأن تدخل الجزائر دوامة المجهول

الشعب هناك، الجزائريون البسطاء، والآخرون الذين درسوا قليلا، والآخرون الموزعون في كل أنحاء الأرض يقولون إن المجهول الوحيد الخطير الذي يتهدد تلك الأرض الطيبة هو أن تمتد "الحكرة" لشعبها حد الإيمان أنه عقيم، غير قادر على إنجاب ولا ابتكار ولا ولادة، وأن قدره الوحيد والأوحد هو أن تحكمه المومياء وهذا إلى آخر كل الأيام.

كانت الناس قديما تعتقد أن الفراعنة المحنطين حكموا مصر ومضوا وانقضوا وبقوا عبارة عن أهرامات ومتاحف في الأرض وصورا ونقوشا يزورها السواح وينبهرون، ولم يكن أحد يتخيل أن الجزائر العفية، البهية، الفتية، الثورية، المقاومة للاستعمار، التي قدمت مايفوق المليون ونصف مليون من شهداء الحرية، ومن كتبت أفضل صفحات التاريخ وأحلاها ستصبح عاجزة عن تدبر أمر جزائري  أو جزائرية في أواسط العمر أو في مقتبله، ممتلك لكل طاقاته وقدراته الجسدية والعقلية يحكم البلد حقا ولا يحكمها من وراء صورة أو توضيب تلفزيوني أو كذبة لم تعد تنطلي على أحد هناك

أخيرا، هل نعلم نحن أننا نتدخل في شؤون بلد أجنبي وإن كان قريبا وشقيقا، وأننا نحشر الأنف في شأن لاعلاقة لنا به نظريا؟

نعلم القليل عن ذلك، لكننا نعلم أساسا أن الجزائر لم ولا ولن تكون في يوم من الأيام شأنا أجنبيا لنا، مثلما نعلم أنها لن تكون عدوة مهما حاربت وحدتنا الترابية ومهما دعمت أعداء هاته الوحدة.

هي جزء من هذا المغرب الكبير، جزء منا، ثابت في وجداننا، يكفينا أن نقطع أمتارا قليلة وليس كيلومترات لكي ندخل أراضيها، ويكفي أناسها هناك في المكان المقابل أن يقوموا بالمثل لكي يجدوا أنفسهم لدينا في السعيدية أو في مكان ما قرب وجدة أو في بقية أماكن الالتقاء…

ذلك التراب المشترك، ومعه دم كثير مشترك هو الآخر، ومعه أشياء أخرى عديدة يعجز الحساب عن عدها أو حصرها، كل ذلك يقول لنا إن هذا الشأن الجزائري يخصنا وأن الصورة المخجلة التي يروجها من يحكمون ذلك البلد عن بلدهم والتي تضحك العالم كله عليهم تضرنا نحن أولا وتضر الجزائريين قبلنا وبعدها وتضر كل من ينتمي إلى هذه الأمكنة، ومن يشبه هاته الشعوب..

عافى الله الجزائر وشعبها من هذا الداء العضال الذي لم يعد يريد الانتهاء...