آراء وأعمدة

في حاجة إلى هبة المسلمين ضد الظلامية؟

طه بلحاج الثلاثاء 13 يناير 2015
no image

كلما اقترف الإرهابيون جريمة من جرائمهم، كان المسلمون هم الضحية الأولى، سواء تمت الجريمة في بلد أروبي وأمريكي أو وقعت في بلد مسلم. الإرهابي «يجاهد» ضد الأسلام والمسلمين في أوطانهم، و«يجاهد» ضدهم عندما يقترف عمليات قتل في أوطان غير إسلامية. في البلدان الإسلامية يكون المستهدف المباشر هم المواطنون المسلمون. وللتذكير، فإنه لم يسلم أي بلد إسلامي من التعرض لأذى الإرهاب باسم الدين. في البلدان غير الإسلامية، يوفر الإرهابي، بعد كل عملية قتل أو تخريب، المزيد من الأرض الخصبة لإنبات العداء للإسلام، ويمدهم بكل التوابل التي تساعدهم على تشويه رسالته وصورته، ومن ثمة يصبح كل مسلم مشتبه فيه، ينظر إليه على أنه إرهابي إلى أن يثبت العكس.

يستحيل على الهجومات الإرهابية، مثل تلك التي ضربت أسبوعية «شارلي إيبدو» في باريس، أن تحدث ما يتمناه مقترفوها، ويرومون إليه. لن يقتلوا الديمقراطية، ولن يقتلوا الحرية حيثما تصبح الهواء الذي يتنفسه المواطنون. مجزرة باريس، لن تزعزع كيان دولة فرنسا، رغم الصدمة القوية التي أصابت شعبها، لأن مؤسساتها عريقة ومتجذرة، ولأن ديمقراطيتها أقوى من أن يهددها إرهابيون مهما كان حجم الخسائر التي تحدثها  اعتداءاتهم. رأينا جميعا كيف انتفض الشعب الفرنسي، بكل فئاته وتوجهاته السياسية والثقافية والأيديولوجية، وكيف نزل، تلقائيا، إلى الشوارع والساحات، رافعا الأقلام، رمز الكتابة الحرة، وشعار «أنا شارلي»، وكيف وقف دقيقة صمت كرجل واحد في نفس الساعة وفي جميع الأماكن والمرافق، دفاعا عن حرياته، وفي مقدمة تلك الحريات حرية الصحافة والتعبير،  التي اكتسبها عبر قرون من الكفاع. كيف يعقل أن يتوهم الإهابيون أن في مقدورهم الإنتصار على مثل هذه الإرادة؟ لن تتردد البلدان الديمقراطية، في أي مكان من العالم، في الدفاع عن قيمها، ولن تستسلم للترهيب. لكن الذي سوف يؤدي ثمن مجزرة باريس الهمجية، وما سبقها من أعمال إرهابية في فرنسا وغيرها من البلدان الأخرى، هو صورة الدين الإسلامي، والجاليات المسلمة.

ما نجح فيه الإرهابيون هو خلق مناخ من العداء والكراهية ضد الإسلام والمسلمين. ومن المحقق أن هذا المناخ سوف يتقوى ويتسع، وينتج عنه المزيد من الأحداث الإنقامية ضد كل ما يرمز للإسلام. هذا المناخ، لم تسلم منه حتى البلدان التي كانت مثالا للإنفتاح والإعتدال وحسن الضيافة؛ تلك التي احتضنت ملايين المسلمين، ومنحتهم الجنسية، ووفرت لهم العيش الكريم، وحرية ممارسة معتقداتهم، وفتحت لهم أبواب العلم والمعرفة، والترقي الإجتماعي... واستقبلت المضطهيدين منهم، وتظاهرت جماهير شعوبها، في مناسبات متعددة، لمساندة الشعب الفلسطيني...فهاهو تنظيم «تيغيدا» العنصري، في ألمانيا، يستطيع حشد 18000 شخص في مظاهرة بمدينة واحدة، رفعت خلالها شعارات معادية للإسلام والمسلمين. وها هي المساجد تتعرض للأعتداء في السويد، منذ أيام، وفي فرنسا بعد الهجوم الإرهابي. وها هي مؤلفات كتاب عنصريين، مثل إريك زمور ومشيل ويلبيك، في فرنسا تلقى صدا وشعبية واسعتين. وها هو اليمين يكتسب المزيد من التأييد الانتخابي في كثير من دول أروبا، إلى حد احتلال بعض تنظيماته مراتب متقدمة في المشهد السياسي: المرتبة الثالثة في السويد، وانتزاع مقاعد في البرلمان في دول أخرى، وفي فرنسا، تتصاعد شعبية حزب ماري لوبين الذي تتوقع استطلاعات الرأي بلوغه الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة...الخ. صحيح أن أصواتا ما زالت ترتفع، هنا وهناك، لمواجهة هذا المد الإسلاموفوبي، مثل صوت أنغيلا مركيل، ونداء رئيسين سابقين للحكومة في برلين، وصحيح أن تظاهرات مضادة للعنصرية نظمت في مدن ألمانية متعددة، وصحيح أن أصوات العقل لم تتوقف عن الدعوة إلى عدم الخلط بين الإسلام وبين الإرهابيين، لكن الإنصات إلى هذه الأصوات أصبح يتضاءل وسط الرأي العام. هذه حقيقة وجب الوعي بها. وعليه لا يمكن أن يظل المسلمون يعتمدون، فقط، على الآخرين للدفاع عنهم.

المؤمل، أن ترتفع أصواتهم، وأصوات علمائهم من كل مكان، لتدافع عن الإسلام الحقيقي، ولتتبرأ من هؤلاء الظلاميين، ومن فكرهم الماضوي المنغلق، وتندد بأعمالهم، وتشهد العالم على أن الإسلام يدينهم، وأنهم ليسوا سوى مجرمين يستحقون ما يستحقه كل مجرم قتال. كانت قيادات الجالية المسلمة في فرنسا على صواب لما بادرت، منذ اللحظات الأولى، بإدانة المذبحة النكراء التي اقترفت ضد أسبوعية «شارلي إيبدو» وطاقمها الصحفي ورجال الأمن الذين تصدوا للعدوان. وكان رد فعل الأزهر الشريف برفض الهجوم الإرهابي ضروريا. لكن هذا لم يعد يكفي. المسلمون مستهدفون من طرف أقليات تزعم انتماءها لدينهم، فإلى متى يظلون ينتظرون مزيدا من الانتظار قبل القيام بهبة حقيقية واسعة تعيد الإعتبار لدينهم وتحصن مستقبلهم؟