السياسة

الدار البيضاء.. خبراء يناقشون إشكالية العنف الزوجي

عبد العالي أورشيح (صحافي متدرب)/تصوير: بوعلو الاثنين 18 مارس 2019
0-8
0-8

 

AHDATH.INFO

إذا تزوج الشخص فقد طلق نفسه، من بين ما أجمع عليه مجموعة من خبراء علم الاجتماع والقانون في إطار مناقشتهم للعنف الزوجي الذي اعتبروه انتهاك صارخ لحقوق الإنسان ومعرقل للتنمية ومكلف للدولة، ودعوا إلى ضرورة تشخيص ظاهرة العنف الزوجي ومقاربتها من جميع الزوايا النفسية والاجتماعية والقانونية.

وجاء ذلك خلال أشغال الندوة التي نظمتها جمعية حقوق وعدالة بدعم مشترك من الاتحاد الأوربي وسفارة المملكة النرويجية بالمغرب، مساء الجمعة 15 مارس الجاري، بمدينة الدار البيضاء، تحت عنوان: "حماية المرأة من العنف الزوجي في ظل التحولات الاجتماعية والقانونية"، في إطار مشروع ’’ تعزيز نظام المساواة بالنظام القضائي بالمغرب‘‘، المعتمد من قبل الجمعية منذ سنة 2016.

وتمت خلال الندوة مناقشة إشكالية العنف الزوجي مع تحديد أسبابه وآثاره على الأسرة والمجتمع، بالإضافة إلى اقتراح حلول قانونية واجتماعية ونفسية لتجاوز الوضع، كما تم تسليط الضوء على الاغتصاب الزوجي باعتباره ظاهرة مسكوت عنها وغير معرفة قانونيا ولا ثقافيا، مع عرض شهادات حية لنساء وافدات على مركز الاستماع التابع لجمعية حقوق وعدالة، تكشفن أشكال العنف الزوجي الذي تعرضن له، وآثاره النفسية والجسدية عليهن وعلى الأسرة ككل.

وأكد الدكتور عبد الرحيم العطري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، في مداخلته، أن العنف الذي يسري في المجتمع هو عنف مبني على سوء تقدير علاقتنا بالنوع الاجتماعي، مبني أيضا على اللاعدالة الاجتماعية، فأن تكون امرأة في المجتمع المغربي معناه أن تكون مفتوحا على الإقصاء والتهميش.

وأضاف العطري أنه حينما ننتقل إلى جغرافية العنف الزوجي علينا أن نعترف أننا أمام موضوع علائقي، لا يفهم من زاوية واحدة، ولكن من علاقات متعددة، وهو يكتسي صعوبة لاشتغاله بين ثنائيتين هما المعلن والمضمر، بحيث إنه عنف صامت يسري وراء الأبواب والأسوار، ويخضع كثيرا للتبرير الاجتماعي، مشيرا إلى أن الثقافة الشعبية تبرر هذا العنف وتحتفي به أحيانا من خلال بعض المسكوكات اللغوية المرتبطة بالثقافة الشعبية، لهذا نجد المرأة غالبا ما تواجه هذا العنف بالصبر والصمت، وتقبل به اجتماعيا بالنظر إلى الثقافة الاجتماعية التي تؤطره قبلا.

واعتبر المتدخل ذاته أن المعركة أكبر من أن تكون قانونية مع تغيير القوانين، لأن الأمر يرتبط بمعركة ثقافية، يجب أن نفتحها، تستند إلى تغيير الصور النمطية والأساليب الثقافية التي تبرر هذا العنف، لأن صورة المرأة في الثقافة الشعبية تنبني على أنها موضوع شرير، وصورة المرأة في الإعلام تنبني على أنها شيء، كما أن التنشئة الاجتماعية تنبني على اللامساواة، مما يجعلنا اليوم أمام إخفاق وإفلاس اجتماعيين.

وفي السياق ذاته، قدمت الأستاذة فتيحة أشتاتو، رئيسة رابطة إنجاد ضد عنف النوع ومحامية بهيئة الرباط، قراءة في القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الذي يبقى حسب اشتاتو، بالرغم من التحفظات التي سجلت عليه خطوة إيجابية، ويجب الاستفادة من مقتضياته الجديدة لحماية المرأة، والمتمثلة في تعاريف العنف وأشكاله.

وأضافت اشتاتو أن من مستجداته أنه جاء بمقتضيات زجرية وشدد عقوبات على أفعال كانت لها عقوبات خفيفة، كارتكاب الجرم من قبل الوصي على المرأة أو زميلها في العمل، علاوة على أنه جرم أفعالا لم تكن مجرمة فيما قبل كسب المرأة بسبب جنسها وتجريم الطرد من بيت الزوجية.

لكن المقاربة الزجرية وحدها لا تكفي حسب فتيحة أشتاتو، وإنما وجب العمل على تكريس ثقافة المساواة من خلال التربية الأسرية والمدرسية، وتضافر جميع القطاعات لأجل تجاوز هذه الظاهرة.

ومن جهة أخرى دعا الدكتور المصطفى الشكدالي، الباحث في علم النفس الاجتماعي، إلى الانتباه لهذه العلاقة قبل أن تصل إلى العنف. ففي نظره جميع العلاقات في البداية تبدأ بأريد أن أروق للآخر، ويجب أن نرى العلاقة الزوجية داخل هذه الدينامية. ولنستحضر أن العلاقات الأولية كلها تكون كلاما معسولا وعشقا، لكن حينما تنتقل هذه العلاقة من مرحلة العاشق المتيم إلى مرحلة الخطوبة تتغير. لأن الآخر بنيته وفق احساسي واستيهاماتي.

لكن حينما يدخل المجتمع على الخط، فإن الإشكالية تصبح إشكالية الآخر، فيتغير الحال من الحبيب إلى الخطيب والخطيبة ليتحول بعد ذلك إلى زوج وزوجة، وفي كل مرحلة من المراحل تتغير مجموعة من الأشياء، ولذلك نسمع أن الآخر تغير ولم يكن كذلك، لكن الذي تغير هو التصور الذي نحمله عليه.

فحسب الشكدالي هذه العلاقة التي نتحدث عنها في إطار العنف الرمزي هي علاقة ديناميكية، وتنبني على التمركز حول الذات، وهو أمر خطير في مجتمعنا لأن هناك تعزيز ثقافي للذكر، فهو القائد ورب الأسرة، وفي حالات عديدة عندما تنقلب الآية وتصبح المرأة معيل الأسرة، يصبح الزوج يحس بالنقص الذي ينبع من ثقافة المجتمع التي جذرت فيه التمركز حول الذات، التي تتمحور في أنك لا ترى الآخر إلا إذا تملكته، فهي علاقة تملكية تشيئية.

والحل في نظر الشكدالي رهين بالتوصيف والتشخيص، خاصة التشخيص السيكولوجي، والخروج من التمركز حول الذات، فإذا تزوج الشخص فقد طلق نفسه، أي خرج من التمركز حول الذات، والمشكل في المجتمع المغربي أننا نتزوج دون أن نخرج من هذا التمركز.

وفي سياق آخر ذهب محمد الباكير عضو جمعية حقوق وعدالة، وأستاذ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، إلى أن المشرع لم يعتبر الاغتصاب الزوجي اعتداء جسديا وإنما عده اعتداء على الأسرة وعلى نظام الشرف والآداب، وليس اعتداء على جسد المرأة.

ويضيف محمد الباكير أنه إذا كان العنف يشدد نظرا لنتائجه، فإن الاغتصاب يجب أن يشدد لنتائجه، إلا أن النتيجة التي أخذت بعين الاعتبار في الاغتصاب الزوجي، هي نتيجة الافتضاض حصرا، وليس نتائج أخرى، ومعنى ذلك أن أقصى ما يلحق المغتصب من عقوبة  يكون في حالة الافتضاض.

وبالتالي فإن هذا يرمز أن للافتضاض قيمة اجتماعية، والمتمثلة في أن المرأة شيء اجتماعي، وأن السلامة الجنسية لها مصلحة اجتماعية وليست مصلحة ذاتية فردية، لذلك تم تشديد عقوبة الافتضاض، لأن المجتمع الذكوري يفقد في هذه الحالة امرأة قابلة للاستهلاك الجنسي. بالتالي العنف الجنسي ضد المرأة لا يعني أنه عنف ضد الذات، وإنما عنف يجرد المجتمع الذكوري من بعض مصالحه.

وتجدر الإشارة إلى إن الندوة اختتمت بمجموعة من التوصيات التي تروم دعوة جميع الأطراف الاجتماعية والسياسية والتربوية، إلى التضافر لأجل تجاوز ظاهرة العنف الزوجي، مع ضرورة إخراج نصوص قانونية تجرم صراحة الاغتصاب الزوجي، وكذا القيام بتأويل متنور للنصوص الدينية، التي تتخذ في أحايين كثيرة كغطاء لتبرير الاغتصاب الزوجي والسكوت عنه.