مجتمع

#ملحوظات_لغزيوي: غاديين للعسكر !

المختار لغزيوي الخميس 11 أبريل 2019
Capture d’écran 2019-04-11 à 13.28.55
Capture d’écran 2019-04-11 à 13.28.55

AHDATH.INFO

أذهب إلى الملاعب المغربية باستمرار، وأسمع أغاني الشباب وأهازيجهم في مجموعات الألترا وهم يتغنون بقدراتهم الحربية دوما وأبدا ويعلنون كل مباراة فرصة « للكيرا » و « الحرب تنوض»، وغيرها من الشعارات الحماسية، لذلك لا أشك إطلاقا في أن التجنيد الإجباري سيكون مرحبا به وسط الشباب المغاربة

الشاب المغربي والشابة المغربية شجاعان للغاية، وليسا جبانين. وإذا كانت ظروف معينة قد حكمت على أجيال منهما أن تكون « بنت دارهم أكثر من القياس » وأن تصبح عالة على الوقت وعلى الأسرة بعد الانقطاع عن الدراسة، أو بعد عدم التوفق في الحصول على عمل، فإن هذه الأجيال تشكل نسبة ضئيلة جدا بين أوساط هؤلاء الشباب  وهي النسبة التي اختارت عن طيب خاطر وعن « قلة نفس » حالة التعطل والعيش تحت ظل الوالدين إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

الأغلبية بالنسبة لي تحيا هاته البطالة بشكل سيء، ولا تتقبلها وتكره نفسها، وتكره محيطها إذ يفرض عليها الوقت هذه العطالة، وتتمنى يوما تكون فيه قادرة على حمل نفسها وعلى رد بعض من الدين الكبير للأسر تجاهها

لذلك يغامر الشاب والشابة المغربيان حين اليأس التام في البحر، ويلقيان بنفسيهما بين الأمواج العاتية بحثا عن النجاة التي كانت عنوان أكبر مقلب تجرعه عدد كبير من هؤلاء الشباب وفهموا به أن المعركة لأجل هاته النجاة ستكون صعبة للغاية، وشاقة للغاية، ومكلفة للغاية، ولكن لابد منها على كل حال…

شباب يلقي بنفسه في البحر لأجل إنقاذ نفسه لن يرفض هدية التجنيد الإجباري هاته، وهي هدية ثمينة للغاية ويعرف قيمتها الجيل الأقدم منا، والجيل الوسط الذي خبر معنى المرور من العسكرية، ومعنى تعلم الاعتماد على الذات، ومعنى ترك منزل الوالدين واكتشاف الحياة وصعوباتها، وفي الوقت ذاته تعلم مبادئ الانضباط وخدمة الوطن، والانتساب للعلم أو الراية، والاشتغال ضمن طاقم جماعي وتغليب روح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، والخروج من حالة « الخناث » أو « الفشوش » التي تقدمها لك العائلة، والتي تنزوي في ظلها وتستكين وتعتقد أنها دائمة إلى أن تفاجئك الحياة اللعينة بصروفها المتغيرة وتجد نفسك عاجزا عن مواجهتها بالقوة والشجاعة اللازمين

هي هدية أيضا لأنها ستبرز لنا معادن الناس. ونتمناها، مثلما عبر عنها الكثيرون منذ بدأت فكرة التجنيد الإجباري تجول بين الرأي العام،  شاملة لا تستثني أحدا ولا طبقة ولا إبن غني ولا إبن مسؤول ولا إبن مشهور، بل تعني الشعب كله وأبناء الشعب كله، وهذا هو سر نجاح هاته التجربة إن تم ذلك فعلا.

أيضا هي هدية لأن دولا أكثر تقدما منا تفرضها، وترى فيها الحل لتكوين النشء على حب وطنه، وعلى تقديم جزء ولو بسيط من الدين الأكبر لهذا الوطن. وهاته الدول التي زرعت في الوقت المبكر من الحياة في قلب ووجدان شبانها هاته الخدمة العسكرية، تجني مع تقدم الأيام ثمار هذا الزرع من خلال مواطنين يعرفون معنى الوطن، ومعنى العلم ومعنى حمل السلاح للدفاع عن هذا الوطن حين الحاجة إلى ذلك، لكن أيضا يعرفون السلوكات المواطنة الأخرى الضرورية لأجل النسبة للمكان ولأجل جعل هاته النسبة أمرا حقيقيا لا شعارا يقال وأوراقا ثبوتية نضعها في درج ما ونمضي..

أعترف بها : كنت أصاب برعب كبير حين أرى بعض الفيديوهات على الأنترنيت وأسمع خلالها شبابا في سن السادسة عشرة أو الثامنة عشرة يقولون لنا « هاد البلاد ماعطاتنا والو، صراحة آخويا بغينا نحركو ». وكنت دائما أطرح على نفسي السؤال « شنو بغيتي تعطيك البلاد ونتا حتى قرايتك مازال ماكملتيهاش آبوراس؟ »

العبارة أو الجملة هي مجرد تقليد غير مفكر فيه لمايقوله الشباب لبعضهم البعض في ظل حالة الفراغ القاتلة التي يعانونها، وفي ظل استقالة الأسر أو أغلبية الأسر التي لا تجد الوقت الكافي لرتق ثقوب الحياة، وترتاح من ضجيج الصغار والأقل صغرا بنسيانهم أو بوضعهم علي الرف وتوفير المأكل والملبس لهم والاعتقاد بأن الحكاية انتهت.

بالعكس، الحكاية تبدأ عند هذه النقطة بالتحديد، ومثلما تراقب عن قرب صغيرك وهو في السن الأول للحياة، وتخاف عليه من هبة النسيم، تكون هاته المراقبة أدعى بكثير وأكثر أهمية في سن المراهقة وفي السنوات الأولى للشباب، وتكون أفضل طريقة لها هي المرافقة الذكية التربوية نحو الأسلم لهذا الكائن الذي سيصبح راشدا في أشهر وسيخرج إلى المجتمع لكي يواجهه وإلى الحياة لكي يكتشف مقالبها المختلفة.

لذلك يأتي هذا التجنيد الإجباري أو هاته الخدمة العسكرية هدية فعلية في الوقت المناسب لنا جميعا: للكبار الذين فاتهم زمنها ولم يقوموا بها، وتعلموا كثير السلوكات السلبية التي لقنوها للصغار فيما بعده، ولهذا الجيل الجديد الذي يجب أن يرى فيها فرصة ثمينة للتخلص من الأخطاء التي وقع فيها من سبقوه، وهي أخطاء كثيرة وبلا عد، ويمكن التقاطها بالعين المجردة ودون كثير عناء، ثم للمستقبل القادم بعدنا أي للأكثر صغرا الذين يجب أن يفتحوا أعينهم وعقولهم وقلوبهم على الوطن وهو يقدم لهم هذا الدرس منذ البدء لئلا يجدوا الأمر مدهشا أو باعثا على الريبة أو مرعبا حد التهرب منه واختلاق الأعذار حين يكبرون.

نطالب بها باستمرار ونرى فيها حل عديد الكوارث التي أصبنا بها: إعادة دور الأسرة في التربية الأولى، واليوم نصدح بها ونرى بها استمرارا للحل الأول: أن تتحمل الدولة جزءا من مسار التربية العام هذا. ذلك أنه من غير المقبول أن نستمر في إنتاج تضبيع شامل وتعطيل كامل لطاقاتنا الوافدة، وأن نختار مواجهة هذا الأمر بالتباكي الكاذب وبكثير العويل…