ثقافة وفن

#ملحوظات_لغزيوي: اللعب بالإسلام.. إلى متى؟

المختار لغزيوي الاثنين 13 مايو 2019
musulman-priere-mosquee_0_729_486
musulman-priere-mosquee_0_729_486

AHDATH.INFO

ليلة دخول الشهر الفضيل، وجه السراج إلى أنصاره في ليبيا رسالة يحثهم فيها على استحضار روح رمضان الكريم لأجل مواصلة «الجهاد» ضد خليفة حفتر وجيشه، وتذكر غزوات المسلمين الكبرى إبان هذا الشهر الأكرم، لكي تزرع فيهم القدرة على الانتصار على «أعداء الله» الموجودين في الضفة الأخرى...

في الليلة ذاتها، أي ليلة دخول رمضان الكريم وجه حفتر رسالة مماثلة تقريبا إلى أنصاره، يذكرهم فيها بما فعله المسلمون العظام إبان شهر رمضان، ويحثهم هو الآخر على استحضار روح الشهر الفضيل لأجل الانتصار على «أعداء الله» الموجودين في المكان الآخر من نفس القطر، أي من ليبيا التي كانت ذات يوم.

بعد دخول الشهر الفضيل، خرج على الناس الداعية الإسلامي عائض القرني يقول لهم إن كل ما كان يفعله ويقوله في السابق، هو «تجديف في تجديف»، وأن «الإخوان لا يدعون للتوحيد، وأنهم إنما نجحوا في التنغيص على الناس وحرمانهم الفرح».

البعض قال إن عائض قال ما قاله خوفا من ولي الأمر هناك في بلاده، لكن هذا لا ينفي عن الرجل شيئين: أولهما شجاعة مراجعة ما كان يملأ به عقول صغار العقول سابقا من خرافات الإسلام السياسي، وثانيهما أنه هو الآخر انخرط في اللعب بالدين سابقا لصالح الإخوان، والآن لصالح ولي الأمر في بلاده.

لندع المثالين السابقين، ولنعرج على «الفقيه» المغربي الريسوني، وقد أوردته مواقع سعودية في مقدمة دعاة الإرهاب المطلوبين عالميا. البعض سيقول «تجنى عليه القوم بعد أن انتصر لطرف خليجي على حساب طرف آخر»، لكن خصوم الرجل الذين يعرفون أنه كان مقيما في السعودية لسنوات، وأنه اغتنى من هناك وعاد من الديار المقدسة بغير قليل من المال والعتاد، سيقولون إن السعودية تعرف الريسوني أحسن مما يعرفه المغرب والمغاربة، بل ربما هي تعرفه أحسن مما يعرف نفسه، وتعرف أنه إنما غير كتف البندقية، أو لنقل منبر الصلاة من مكانه الأثير سابقا في جدة إلى مسجده الجديد في الدوحة وكفى.

لنترك الريسوني في رحلاته الموفقة ماديا، والله أعلم بها دينيا مما نختصم به عند ربنا يوم نلتقي بين يديه، ولنبحث عن مثال آخر لهذا اللعب المفضوح بالإسلام من طرف السياسة والسياسيين.

خذ لك مثالا نموذج الأزمة الخليجية الدائرة أطوارها منذ أشهر عديدة بين عدة بلدان: تنصت لفقهاء هذا البلد وعلمائه، يخبرونك بشكل قطعي ويقيني أن الدخول إلى الجنة لن يكون إلا بكسر الحصار. تتحدث إلى علماء وفقهاء البلد الآخر، يقسمون لك بأغلظ الأيمان أن باب الريان لن يفتح لك إلا إذا انخرطت أيضا في مقاطعة ذلك البلد الذي يريد كسر شوكة الإسلام والمسلمين.

تمسك رأسك بين يديك إذا كنت تعتقد أن الدين هو دين، وهو مسألة شخصية لا علاقة لأحد بها، وهو أساسا طريقة من بين أخر كثيرة اخترعتها الإنسانية للوصول إلى سلامها الروحي، وفق الاستكانة لقوى غير مرئية يجد فيها كل واحد منا راحته حسب تصوراته للأشياء، ثم تكتشف أن الإسلام الذي تعرفه لم يعد هو نفس الإسلام الذي نتحدث عنه الآن، ومنذ ظهور هاته التيارات السياسية التي تلعب بالدين لعبتها، وتعرف أن صغار العقول يسهل الوصول إليهم عبر اللعب على الوتر الحساس الموجود لدى شعوبنا.

خذ لك مثالا أخيرا وليس آخرا لما يفعله أردوغان في تركيا. حتى انتخابات إسطنبول المعادة وجدت طريقة ما لكي تقدم هاته الإعادة، باعتبارها نصرا للمؤمنين على حساب الشياطين وحلفائهم. وطبعا لا يمكنك أن تنسى التجربة الحكومية المغربية التي بناها رئيس الحكومة السابق لمدة خمس سنوات وقليل على هاته التفرقة الدينية الخطيرة، وإن كان يقولها في ثنايا الكلام ولا يصرح بها إلا نادرا حين الغضب الشديد، بين أناس الصلاح الذين لا يريدون إلا وجه الله سبحانه وتعالى من وراء كل ما يفعلونه، وبين المفسدين في الأرض الفاسدين، أي الآخرين كل الآخرين، الذين يختلفون مع تصوره السياسي وليس الديني، الذين لا يريدون بالبلاد والعباد - حسب فهمه أو حسب ادعائه-  إلا شرورا..

في نهاية المطاف، وكلما سقط واحد من هؤلاء الأدعياء في تناقض ما، وأساء إلى الإسلام الذي يلعب به في المليئة والفارغة نحس - نحن المسلمون العاديون، الذين نعتبر الدين أمرا شخصيا يهمنا في علاقتنا بخالقنا ولا يهم أي مخلوق سواه - بألم كبير، لأننا نعرف أن ديننا هو الذي يتلقى الضربات القاتلة تلو الضربات المميتة، سواء من هؤلاء الكذبة اللاعبين على كل الحبال، أو من طرف الإرهابيين الذين يقتلون الناس باسم الدين وهو من هذا الإجرام براء أو من طرف بقية الشلة المنافقة التي تتاجر بالشريعة والدين.

الآخرون، هؤلاء اللاعبون الملاعين، لا يهتمون لأمر الدين ولا يحسون بشيء إطلاقا، هم يواصلون الحكاية غير المرحة كثيرا ولا يكتفون. تجدهم في مكان ما يعدون أرباحهم والمداخيل ويبتسمون لرؤية وجوههم الكالحة في المرايا ويواصلون…

هذا كل ما في الأمر، لا أقل ولا أكثر...