ثقافة وفن

#ملحوظات_لغزيوي: الكحص: هذا الفيديو القديم..!

المختار لغزيوي الثلاثاء 21 مايو 2019
5cc97dfb67cfe
5cc97dfb67cfe

AHDATH.INFO

لامس، ماكتبه زميلنا امحمد حمروش في موقع "360 " عن غياب محمد الكحص في النفس، هوى خاصا ومس وترا حساسا، لأن ماكتبه حمروش كان صادقا إلى حد بعيد..

التقط زميلنا التداول الكبير لفيديو قديم لمحمد الكحص، وهو يحاور ذات يوم  الكبير عبد الله العروي على شاشة "دوزيم" (يوم كانت دوزيم تتميز بالبرامج الحوارية الكبرى وليس ببرامج "التوك-توك شو وليس التولك شو لأن الفرق هائل وشاسع وكبير )، وكتب عن هذا التداول المثير للفيسبوكيين للمقطع الذي يتحدث فيه الكحص منذ إثنتي عشر سنة عن واقعنا المغربي، الذي اتضح أنه لم يتزحزح كثيرا عن التوصيف الذي قدمه له القيادي الاتجادي السابق حينها..

تعليم يؤمن بالغش، وشباب يؤمن بأن الوظيفة العمومية هي قدره الوحيد، وفساد في الإدارات يعتبر أن لديه الحق في الفساد وكفى، وجيل ضباع أخبرنا الكبير الآخر سي محمد كسوس أنه قادم، فلم نهتم له إلي أن كان ماكان وبقية أشياء تحدث عنها بعمق في السؤال فقط وليس في الجواب سي محمد الكحص، واستعادها الناس اليوم، فوجدوها لازالت صالحة..

مع صلاحيتها طرح العديدون عبر الأنترنيت، وهو مجال تداول سريع لكل شيء حد تتفيه كل شيء السؤال : من هو هذا الصحافي ومدير الجريدة الذي يتحدث بكل هذا العمق في سؤال فقط موجه إلى مفكر كبير ؟

الكثيرون من جيل الأنترنيت والتوندانس والتريندينغ والبوزات والستوريات لا يعرفون عن السي محمد الكحص إلا الشيء القليل، منذ اختار الانزواء في الظل ومراقبة الوضع عن بعد والاكتفاء بالابتسامة الساخرة الحزينة. لذلك فوجئوا ووجدوا أنفسهم يقولون "هاهو مغربي يصلح للمرور في التلفزيون لكي يقول أشياء ذات قيمة فعلا غير لوك الكلام الذي يقدمه لنا العديدون"

أما من يعرفون الكحص عن قرب أو بعد فلم يستغربوا لأنهم يعرفون أن كلمة الرجل نفاذة منذ البدء، وأنه كان دائما من النوع الذي يحسن إلقاء القبض على مكامن الكلم ويحسن صناعة أفكاره في جمل مرتبة بعناية فائقة.

هو من النوع الذي يمتلك أفكارا نيرة، أو هذا عهدنا به على الأقل قبل الاختفاء الإرادي، وهو من النوع الذي يتقن صياغة هاته الأفكار في جمل أنيقة تشبه أناقة أسلوبه في الحياة وفي الكتابة

أناقة من النوع الرفيع لا الرقيع. هي ليست أناقة أو تأنق مظهر، بل هي أناقة جوهر تستطيع بسهولة المرور إلى دواخلك ومحادثتها.

لذلك قال الكثيرون وضمنهم مقال زملائنا في "360" الأخير للكحص "عد فإننا محتاجون لأمثالك".

هي صرخة من عمق العمق، لأن مانراه الآن قاس على قلوبنا وعقولنا. نفهم دورة الزمان، نفهم استداراته، نستوعب أن لكل زمن رجاله ونساءه. لكننا في الوقت ذاته لا نستطيع أن نبصم بالعشرة على مد الردادة الطافح هذا، وأن نستكين في الظل وأن نقول مثلما يوصونا ليل نهار "هاد الشي اللي عطا الله والسوق".

نحن من نوع آخر يؤمن بهذا البلد حقا وفعلا، لا قولا وإنشاءا فقط. ولأننا نؤمن بالمغرب وبالنبوغ المغربي نعرف أن هذا البلد ليس ولادا فقط وقادراعلى الإنجاب الدائم، لكنه حضانة حقيقية ومشتل فعلي لإبداع النوابغ في كل المجالات

أي نعم، أُريدَ له ولنا في لحظة من اللحظات أن يكتفي بالمتوسطين، وأحانا بمن هم دون المتوسط، وأحايين عديدة بالراسبين دوما وأبدا والمجرورين قسرا نحو الأعلى دون إرادة منهم لأنهم استوطنوا الأسفل وعشقوه وأحبوا عوالمه. لكن هذه المسألة لها حدود ولها نهاية بكل تأكيد

وأولى علامات نهايتها، أن يخرج لك عبر الأنترنيت أناس لم يعرفوا أناسا مثل الكحص، ولم يروه يوم تحدث في المباشر منذ 12 سنة مع الكبير العروي ذلك الحديث العميق، ويفاجئوك بهاته الجملة السؤال : "فين كاين هاد السيد؟ وعلاش مابقاش يبان؟ حشومة بحال هذا يغبر ويبقاو يبانو شي وحدين…."

سؤال مثل هذا يعيد لك الإيمان بالبلد كله، ويفرض عليك أن تقتنع بأن أجل الرداءة قصير وإن طال زمن مقاومتها وأمد إظهارها باعتبارها البديل الوحيد...

اخترع الكحص ذات يوم وهو مسؤول عن الشبيبة والرياضة مخيمات للجميع، واخترع قراءة للجميع، وأعاد للفقراء قدرتهم على الحلم بأن يكون الصغار ذات يوم أفضل من الكبار مسارا ومصيرا، وأعاد للسياسة كثيرا من ألقها الذي فقدته على يد الرديئين. أتذكره يوما يتحدث في الجزيرة عن "غبار بن لادن"، وأتذكر عبورنا مرات عديدة لوزارته يوم كان مسؤولا عنها، حيث كنت أخرج من هناك كل مرة بكتاب جديد، وبلقاءات غاية في المتعة مع أناس لم يكونوا يتصورون يوما أن يشغلوا مناصب قيادية في ديوان وزير

انتهى عهد الكحص بألم شديد وبمخيم لإسمه في ذاكرة كل من عبر العمل الجمعوي يوما رنين خاص هو "راس الما"، يوم احترقت مع نيران المخيم أحلام كثيرة حكمت على الرجل أن ينزوي في الظل وأن يقول لكل من يتحدث معه "ماشي دابا، عافاكم"، كلما طالبه أحد بالعودة والظهور...

أمثال سي محمد الكحص في المغرب كثر. هم لا ينهزمون. هم يحزنون، والحزن أسوأ بكثير من الغضب والصراخ.

ذلك الألم الذي يستوطن تلافيف فؤادك، ويختار له مكانا أثيرا في الدفة اليسرى من صدرك اللعين، أقسى بكثير من كل عبارات التأفف والشكوى وكل محاولات السياسيين الآخرين العاديين في إثارة الانتباه دون جدوى..

ذلك الألم، إذ يصبح عاما وجماعيا، ويحقق حول نفسه الإجماع أمر يرعب فعلا كل من يحب هذا البلد، وكل من لايريد ألما لهذا المكان الأمين..

لاأعرف متى سيعود الكحص بالتحديد. لا أعرف أساسا إن كان راغبا في هاته العودة أو قادرا عليها. أعرف بالمقابل أنه لم يختف أبدا. هو موجود مثل غيره من أبناء هذا الوطن الصادقين وإن اختفى…

بالمقابل غيره كثر يظهرون يوميا في كل مكان، لكن لا وجود لهم في النفس، وفي باطن الأشياء، ولاوجود لهم أساسا في العمق، هذا النادر العزيز اليوم بعد أن أصبحت التفاهة عنوان كل العابرات والعابرين في هذا المكان الذي لم يكن أبدا عابرا…

وهذا التناقض هو مكمن كل الخلل اليوم.