رياضة

من المحروسة: "شوهة" الصحافة إلى جانب "شوهة" الكرة !

بقلم: المختار لغزيوي الجمعة 12 يوليو 2019
E9DFA0DB-C01A-48A5-96F6-CF349430CD67
E9DFA0DB-C01A-48A5-96F6-CF349430CD67

AHDATH.INFO

كل الذين عادوا من المشاركة المخيبة للمغرب في الكان المصرية، حكوا لنا عن جانب آخر من خيبتنا المحلية لاعلاقة له بالكرة، هو جانب الخيبة الصحافية والإعلامية المغربية هناك..

أحاديث مخجلة عما جرى، وحكايات تسمعها تتمنى لو أن المهنة النبيلة والمسكينة المسماة الصحافة توقفت عند جبل طارق ولم تدخل إلى هاته الديار في يوم من الأيام. 

ومثلما كنا قساة مع "مفششي" المنتخب ومدلليه من الأشباه، الذين يحملون وصف المحترفين ولا نرى لاحترافهم أثرا على أرضية الملعب، لابد أن نكون أقسى مع مهنتنا أو مع ماتبقى من مهنتنا، أو مع هؤلاء المحسوبين على مهنتنا، أو على أنفسنا في نهاية المطاف طالما أن عملية انتحال الصفة هاته أصبحت تطالنا جميعا "من الطرف حتى للطرف" ودون أي استثناء.. 

العائدون من بر المحروسة العامر بأهله، حكوا لنا الكثير عن الذين وقفوا بالساعات ينتظرون نصيبهم من صدقة الجامعة، وعندما لم ينالوها بكوا وأرغدوا وأزبدوا وصاحوا بالويل والثبور وعظائم الأمر. القادمون من أرض الكنانة قالوا لنا أشياء مخجلة يختلط في طياتها المالي بالكروي بالمنطق المافيوزي وبالصغائر التي اعتقدنا في سنة 2019 أن المهنة، وقد صار لها مجلس وطني يحرسها قد تخلصت منها، أو على الأقل قد نقصت من نسبة الحموضة القاتلة فيها..

لا شيء من كل هذا وقع. ذهب نصابون لاعلاقة لهم بالصحافة وهم يحملون "بادجات" الإعلاميين، واندسوا وسط الصحافيين الحقيقيين، وشوشوا على عمل هؤلاء الأخيرين، وقدموا عن المغرب صورة سيئة للغاية تشبه الصورة الكئيبة التي قدمها أشباهنا الكرويون الذين نسميهم بالمحترفين، والاحتراف "مسكين" منهم بريء.

ولكم كانت حسرة العديدين كبيرة وهم يطالعون عبر التلفزيونات المصرية، التي استضافت الصحافيين الأفارقة القادمين مع منتخبات بلادهم، ويقفون على المستوى المتبيان بين من أتوا للحديث باسم الجزائر وتونس ومالي وموريتانيا وطبعا مصر وبقية الدول، وبين من امتلكوا مايكفي من "تخراج العينين" لكي يأتوا للحديث باسم الصحافة المغربية، وهذه الملعونة المسكينة منهم براء، نظرا لضعف المستوى وللابتعاد الكلي عن أي مؤشر يجعل الانتماء لهذه المهنة حقيقيا. 

وأنت تنصت للحكايات الكثيرة التي لاتستطيع أن تسردها على أسماع القراء حفاظا على ماتبقى من ماء الوجه، تسأل نفسك "إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ ومتى سنخلص هاته المهنة من الصورة المشوهة التي يقدمها عنها البعض حد دفع الشرفاء إلى التنصل من النسبة إليها والخجل من الادعاء أنهم صحافيون في المحافل العامة؟" 

ودون أي رابط موضوعي، أعتقد بل أؤمن بأن مستوى الكرة في المغرب (منتخبا وبطولة) يدين في جزء كبير من تواضعه وتراجعه إلى الوراء إلى هاته الصحافة الرياضية العليلة.

ورحم الله الكبار الذين عبروا، وأطال أعمار بقية الرواد الذين أسسوا لتجارب حقيقية كانوا يريدون منها فقط أن يقيموا توازنا بين من يسيرون الرياضة ومن يمارسونها، وبين الآخرين الذين يواكبون هاته الرياضة، أي الصحافيين خصوصا الرياضة الشعبية الأولى في البلد. 

الهدف من هذا التوازن كان جعل هاته الصحافة سلطة رابعة حقا تشرف على هذا الميدان بعين أخرى لا تريد منه مصلحة، ولا تدخل طرفا، ولا تأكل مع الملتهمين كل الفتات المتساقط من الموائد. 

كان الهدف في لحظة من اللحظات أن تسمو هاته المهنة بأناسها، أن تكونهم التكوين المستمر الضروري، أن تحميهم ماديا بأن تجعلهم مستغنين عن مد اليد، أن تجعلهم أول الناطقين بكل اللغات الحية، وأول المطلعين على كل التجارب العالمية في الرياضة، وأول القادرين على الحديث بلغة الفهم، لا هرطقة الجهل، عن الميدان الذي يتابعونه 

طبعا كان للفاعل الرياضي/السياسي رأي آخر، فهو لا يريد قطعا صحافة عالمة تخاطبه عن معرفة في ميدان يريد احتكار تسييره لنفسه.

 لذلك فعل المستحيل - وأعترف ونعترف جميعا أنه نجح - لكي يفرق المهنة أولا بين روابط واتحادات وجمعيات وملل ونحل شتى، ثم قام بمستحيل آخر - ونعترف مجددا أنه نجح - لكي يكون الحاكم الآمر الناهي، الذي يحمل الهاتف ويأمر هذا الصحافي بكتابة هذا الخبر ولكي ينهي الصحافي الآخر عن كتابة الخبر الآخر، ولكي يحدد شكل البلاتوهات التلفزيونية، ولكي يتحكم في برمجة القنوات الإذاعية، ولكي يكون صاحب الكلمة الفصل في عدد الكلمات التي سينزل بها هذا الحوار، أو التي سترصع هذا الروبرتاج.. 

باختصار…"الشوهة"، مثلما يصرخ جمهور الكرة حين يجد نفسه أمام الباب المسدود والنتيجة السلبية الحتمية. وقد أحست جماهير الكرة بهذا الأمر واستوعبت المقلب جيدا ووصفت الصحافة، كل الصحافة دون أي استثناء في الملاعب الكروية والهتافات بأقذع الأوصاف.

 ولكم ابتسمنا بحزن شديد ونحن في مدرجات الملاعب نسمع من يسب مهنتنا ويشير إلينا بالأصبع واضعا الجميع في السلة الواحدة، ولم نكن نستطيع أن نلوم الجمهور، ولا أن نقول له بأن "أولاد عبد الواحد ماشي كلهم واحد"، لأننا كنا نعرف أضعاف مايعرفه هذا الجمهور عن الفساد المستشري في المنظومة كلها. 

هذه المنظومة الكروية التي يتحدث الجميع اليوم بكل جهل الكون عن سبل ما لإصلاحها، لن تقوم لها قائمة وهي تعيش دون حسيب أو رقيب. وأول من يفترض فيه محاسبتها، وممارسة الرقابة عليها هي هاته الصحافة المغبونة التي لاتستطيع محاسبة حتى نفسها. لذلك الحكاية أسوأ بكثير مما نعتقد، ومؤشراتها سلبية، وكل الأضواء فيها تنحو نحو الاحمرار، والمستقبل لن يكون إلا أسوأ بدخول جيل جديد من المتسرعين الذين يعتقدون أن حمل ميكروفون والطواف بهاتف نقال يحتوي على كاميرا هو قمة ماجادت به الصحافة العالمية، والذين يعرفون كلمات "البوز" "التوندانس" ويعرفون "قوالب الأنترنيت"، والذين يعتقدون أنهم سيتفوقون على زملائهم من "نجارة الإعلام التقليدي" لأنهم "نجارة إلكترونيون قافزون"، بل والذين يؤمنون بأن مشعل "التسمسير" بين الصحافة والكرة، سيمر إليهم بكل سهولة لأنهم القادمون و"بس". 

منطق "القفوزية" الفارغ هو الذي قتل هذا البلد الأمين في أكثر من مجال، لأن الجميع يعتقد نفسه أفضل من الجميع، وفي المحصلة الختامية عندما تريد جمع شتاتنا والقيام بوقفة صغيرة لمعرفة الحصيلة تجد ذلك الصفر الكبير الذي يؤكد لنا  ألا أحد فينا أفضل من أحد، بل ربما جميعنا أسوأ من جميعنا والسلام. 

قال لي صديق بعيد عن المهنة عاد من مصر وهو يحكي تفاصيل إحدى ليالي المحروسة العامرة، وماشاهده من طرف إسم إعلامي "كبير" (والكبير هو الله في نهاية المطاف)  في تلك الليلة : "سأساعدك بقليل من المال على وجه سلف الله والإحسان وحاول أن تغير المهنة في أقرب الأوقات آسميتك، بيع باولو فالساحة، ولا جرب حظك فالقهاوي، ولا ربي شي بهيمات وبيعهم فالعيد الكبير". 

ابتسمت بحزن كبير لنكتة صديقي أو طرفته غير المضحكة كثيرا، وقلت له "وايلي حتى فات الفوت".

هذا الإدمان دق فينا إسفينه، ومع البذاءات التي تمسنا منه، ومع المحيط الذي يضم عديد الميكروبات، لدينا زملاء شرفاء آخرون محترمون كثر- قد يكونون صامتين اليوم - لكن سيقررون ذات يوم أن ينتفضوا لمهنتهم ولشرفهم ولشرفها، وأن يوقفوا بشكل من الأشكال كل هذا العبث وكل هذا الافتراء…

لدي هذا الاعتقاد، أو لدي هذا الوهم وأريد الاحتفاظ به في دواخلي لئلا أفقد الأمل نهائيا وأشرع أنا أيضا في الصراخ مع الصارخين "الشوهة".