ثقافة وفن

دافقير يكتب..ديمقراطية القطار عند ابن كيران

أحمد بلحميدي الأربعاء 24 يوليو 2019
دافقير
دافقير

AHDATH.INFO

لم يعد لديه ما يخسره. وعكس لما كان في موقع المسؤولية، صار عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، يطلق العنان للسانه ولعنفه اللفظي، إنه مثل جريح لم تندمل جراحه بعد منذ أن أعفي من مهمة تشكيل الحكومة، وهو قادر على فعل أي شيء للإنتقام من إخوانه قبل خصومه.

هو الآن ينهج سياسة الأرض المحروقة، لقد خسر الكثير من رصيده الرمزي منذ حكاية المعاش الاستثنائي، وضاعت منه أيضا مصداقية القائد لما صار غير مقنع في خرجاته للكثير من مريديه السابقين، بالنسبة لهؤلاء، وحتى إن اختلفوا مع العثماني، يرون ابن كيران ظالم، لقد حلل لنفسه وهو متقاعد، ما حرمه على غيره لما كان أمينا عاما ورئيسا للحكومة.

كثيرون يتذكرون ما كان يسميه «توجيه»، وفيه إلزام للأعضاء و«الصكوعة» بعدم التعليق أو التدخل فيما يخوضه من تدبير للمواقف والوضعيات المعقدة، ومن تجرأ وتمرد على ذلك، كما كان يفعل عبد العزيز أفتاتي، الذي ظل يسميه «المجدوب»، فيكون مصيره البهدلة أمام الملأ.

ودار الزمان حتى صار ابن كيران مجدوبا، وأفتاتي أعقل منه بكثير.

لقد استنزف ابن كيران خطته الكلاسيكية، للبقاء تحت الأضواء، واستهلكها كاملة : الهجوم على الوتر الحساس في الأغلبية بالنسبة لسعد الدين العثماني، بين الفينة والأخرى، وكلما تناسته الأحداث، كان يجد في التجمع الوطني للأحرار ورئيسه عزيز أخنوش، وسيلته المميزة لخلق الضجيج من حول العثماني واستنزاف طاقاته في إطفاء الحرائق التي يشعلها المجدوب الجديد، بمتعة مثيرة للريبة والدهشة..

لكن الخطة فشلت، العثماني وأخنوش وباقي قادة الائتلاف الحكومي انتبهوا لمقلب الرجل، ولم يعودوا يمنحونه فرصة العودة إلى الفضاء العمومي ممتطيا جواد السباب والشتم المغلف بمواقف الغيرة على المعنى في السياسة.

ولم تعد حكاية «التحكم» و«التماسيح والعفاريت» تجدي نفعا. فكان لابد له من سلاح آخر. وبالفعل وجد فرصته الذهبية فيما يتقنه ويتفنن فيه: لغة القرآن، المرجعية الإسلامية، الاستعمار الجديد، مرجعية الحزب … إنه يعرف أنه سلاح الدمار الشامل بالنسبة لحزب إسلامي، رأسماله الرمزي في السياسة، كما يفهمه ابن كيران أو يدعي فهمه، دفاع عن الشريعة والهوية المنغلقة.

ويبدو أنه نجح نسبيا حتى الآن : لقد أحدث زلزالا في بيت البيجيدي، وأظهر أن من بين مسؤولي الحزب في مؤسسات الدولة، من يرتبط بشيخ الزاوية وليس بمساطر التشريع ووضع القوانين وتوافقاتها السياسية. ويبدو أن الرجل، وقد ضاع منه الحزب وفقد السيطرة على مؤسساته، صار يبحث عن خلق مشيخة وزاوية في القطاع غير المهيكل من السياسة.

ويبقى ذلك شأنا خاصا بالبيجيدي والعدالة والتنمية، وأنا أستعملهما معا، لأننا نكاد نكون أمام حزبين في حزب شبه واحد.

لكن ثمة شيء خطير للغاية يهمنا جميعا.

الرجل يضع نفسه، ويريد أن يجر حزبه إلى أن يكونا معا فوق مؤسسات الدستور، وفوق الحلفاء، وفوق باقي المغاربة، بل وفوق الدولة.

وكأنه يشن حزب عصابات بمنطق الزاوية والشريعة.

من ذاك الركن القصي في بيته، يريد أن يسقط اجتهادات المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وقرارات المجلس الوزاري، وتوافقات المجلس الحكومي، وعشرات الاجتماعات التوافقية تحت قبة البرلمان…

وهذا هو الأخطر، أن ترى نفسك أهم وأكبر من كل تلك المؤسسات، وأن تكون فوق منتخبي الأمة الذين منحتهم صناديق الإقتراع وحدهم حق اتخاذ القرارات واستصدار القوانين باسمهم.

وخطير أيضا أن تتجرأ على رمي كل هذه المؤسسات بالتواطئ في «جريمة» اغتيال الهوية الوطنية والانتماء الإسلامي.

هناك مقارنة تبدو لي معبرة: كان نزار البركة الأمين العام لحزب الاستقلال أول من انتقد «فرنسة» تدريس المواد العلمية، وقال عنه ابن كيران حينها إنه يتفق معه ويدعمه، لكن البركة رجل مؤسسات وثقافة دولة، حين انتهت مرحلة الرأي الحر ودخلنا في توافقات المؤسسات، لا يعود هناك مجال للثورة على الدولة وعلى مؤسساتها.

لكن ابن كيران عقيدته السياسية مرضية : «أنا وحدي نضوي البلاد».

قبل أن أنهي أود أن أعيد نشر جملتين دالتين قرأتهما أمس عند الصحفي طلحة جبزيل.

في الجملة الأولى يقول نقلا عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان : «الديمقراطية مثل القطار، تركبه لتصل إلى هدفك وبعدها تنزل منه». ونقل أيضا عن عبد القادر حشاني، الذي كان يفترض أن يتولى رئاسة الحكومة في الجزائر بعد انتخابات جرت في مطلع التسعينيات وأسفرت عن فوز «جبهة الإنقاذ الوطني»، قوله : «الديمقراطية هي صوت واحد لشخص واحد ولمرة واحدة».

هذا هو تفكير ابن كيران : الفوز بالانتخابات والحكومة يعني النزول من قطار الديمقراطية. وبالنسبة إليه أيضا ومنذ سابع أكتوبر 2016 : الديمقراطية صوت واحد لشخص واحد إسمه ابن كيران ولمرة واحدة فقط وما دونهعا انقلاب على ديمقراطية القطار.

مؤسف حقا. لكنه وضوح كان ضروريا أن يصدر عنه لو في لحظة هستيريا ايديولوجية. في حين أن السؤال الجوهري هو التالي: هل يريد البيجيدي أن يسير في مسار شيخ الزاوية هذا؟