مجتمع

بين إيفانكا والكتاني: معركة المرأة في المغرب...معركة المستقبل !

بقلم: المختار لغزيوي الجمعة 23 أغسطس 2019
Ivanka-Trump-e1539176684662-730x410
Ivanka-Trump-e1539176684662-730x410

AHDATH.INFO

لم يرق كثيرا للمتطرفين، أن تنوه إيفانكا ترامب بقرار تمليك النساء السلاليات أراضيهن، وسعوا إلى الخلط السريع المعيب بين هذا القرار وبين ادعائهم أن المغرب ساوى في الإرث بين المرأة وبين الرجل، معتبرين أن في الأمر تطاولا على الدين، واستهدافا لثابت قطعي من ثوابت الإسلام.

سارعت الجموع المتطرفة، التي لا تفهم ماتكتبه إلى مصب الحقد المتوفر اليوم عبر الأنترنيت، أي إلى مواقع التواصل الاجتماعي لكي تخبرنا أن هناك مساسا بديننا وجب أن نتصدي له جميعا، ولكي يقول لنا أحد  المتنطعين الناطقين باسمها إن إقرار هذا التعديل (الخاص بالسلاليات واللاعلاقة له بالإرث) تهديد للشريعة الإسلامية.

الرجل هداه الله وأصلحه (آمين)، واسمه حسن الكتاني، ذهب بعيدا في التلويح بالكلام الذي لا معنى له وهو يذكرنا عبر تصريحات صحافية إن القانون الجنائي من بقايا الاستعمار، وأن "قبائل بربرية" حسب تعبير هي التي قبلت به يوم تم وضعه وتطبيقه وألا علاقة له بالشريعة الإسلامية، بل إن هذا الفتى - لا فض فوه - ذهب أبعد بكثير وهو يقول لنا بالحرف تصريحا لا تلميحا إنه لم يعد هناك إسلام في المغرب إذا تم إقرار هذا التعديل الخاص بالسلاليات في البلد.

العودة إلى الهدوء في مثيل مواقف الحمق المضحكة هاته أمر لا مفر منه، والتحلي بقليل اطلاع على الأشياء قبل الحديث مسألة لا مندوحة عنها، لئلا ننشر في الناس كلاما لا صحة له، المراد منه فقط التهييج الفارغ، واللعب الكاذب على الوتر المقدس لدى أهلنا أي الدين.

لا أحد في المغرب - إلى حدود اللحظة- تحدث عن مساواة المرأة والرجل في الإرث. الذي وقع هو أن قانونا أقر بتمليك النساء السلاليات  أراضيهن أسوة بشقائقهن الرجال إذ نص على إدخال تعديلات على الظهير الشريف الصادر في 27 أبريل 1919 المتعلق بالجماعات السلالية، من أجل تقييد اللجوء إلى العادات في تدبير شؤون الجماعات السلالية واستغلال أراضيها واعتمادها في الحدود التي لا تتعرض مع النصوص القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل، وأيضا تكريس المساواة بين النساء والرجال أعضاء الجماعة السلالية في الحقوق والواجبات.

‎المشروع رقم  62.17 اقترح أيضا تحديد كيفية اختيار نواب الجماعة السلالية والالتزامات التي يتحملونها وكذا الالتزامات التي يتحملها أعضاء الجماعة والجزاءات المترتبة عن الإخلال بهذه الالتزامات، وكذا إعادة تنظيم الوصاية على الجماعة السلالية من خلال إحداث مجلس الوصاية على الصعيد الإقليمي، يتكلف بمواكبة الجماعات السلالية في التدبير العملياتي وحماية الأملاك الجماعية وتصفية وضعيتها القانونية، إلى جانب مجلس وصاية مركزي الذي يختص أساسا بتحديد المبادئ العامة لتدبير الأراضي الجماعية والبرمجة والتتبع والمراقبة.

‎ويتضمن القانون "فتح إمكانية تفويت الأراضي الجماعية للفاعلين الاقتصاديين الخواص إلى جانب الفاعلين العموميين لإنجاز مشاريع الاستثمار، الشيء الذي سيمكن من إدماج الرصيد العقاري الجماعي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، بالإضافة إلى إعادة النظر في كيفية إكراء العقارات الجماعية، من أجل تشجيع الاستثمار، وخاصة في الميدان الفلاحي، وتحديد مدة الكراء، حسب نوعية المشروع الاستثماري.

‎هذا كل ما في الأمر، يكاد يقول المتتبع الحصيف الذي لايرغب في الكذب على الناس‫.‬ لكن المتتبع الآخر الذي يبحث عن سبب ما لإثارة القلاقل وإن بالافتراء لا تهمه الحقيقة‫، ولا يهمه أن يقوم بلي عنقها وتقديمها مشوهة إلى الناس. مايهمه هو أن يوقف هذا المد الطامح نحو تحرير المرأة من ربقة العادات  المتخلفة، وليس الدين، ومن قبضة التقاليد الجاهلة، وليس الشريعة‬

‎مايخيف هؤلاء المتطرفين اليوم هو أن يأتي يوم على المرأة المغربية تكون فيه ندا كاملا لهم في القانون مثلما هي في الواقع اليوم. يخشى الرجل الشرقي المهووس بحريمه المتخيل، وبمشاعر الرجولة التي لا يتصورها مكتملة إلا إذا تحدث عن عودة الشيخ إلى صباه وبقية الاستيهامات المرضية، أن تشرق عليه شمس يوم يجد فيه المرأة وقد تسلمت قياده، وقررت أن تذهب به إلى حيث تريد...

‎يصبح الأمر كابوسا بالنسبة إليه، هو الذي صنع كل مرض القرون لديه على أسطورة أنه أفضل من المرأة حتى وإن كان أميا، جاهلا، عاطلا، غير قادر على شيئ، عالة على الجميع. يشعر بالرعب الشديد أن ننضم يوما إلى العالم المتحضر، وأن نفتح أبواب الاجتهاد على مصراعيها، وإن نسأل أنفسنا عن القوامة بين النساء والرجال وعن معانيها، وأن نضع الواقع أمامنا وووفقه نقرر الصالح لنا من الطالح. يطير النوم من عينيه وهو يتصور هذا الواقع قادما إلينا بسرعة أكبر من تلك التي يتخيلها لأن تطور الأشياء يفرض ذلك، ولأن صيرورة الزمن تفرض ذلك، ولأن العقل السليم القادر على قراءة الدين القراءة السوية يفرض ذلك‫.‬

‎الجميل في الحكاية كلها، هو أن العركة محسومة سلفا لصالح التقدم على حساب التخلف، لأن هاته العجلة الماكرة المسماة عجلة التاريخ لايمكن لهذا الفكر المتخلف أن يقف أمامها‫.‬

‎ لذلك لنتركهم في صراخهم يعمهون‫.‬ ولنبتهج بهذا القانون، ولنبتهج أيضا بتنويه إيفانكا ترامب وغير إيفانكا ترامب بتطور وضع المرأة المغربية، ولنأمل خيرا في المستقبل، ولنطالب بالمزيد من الحقوق لأمهاتنا وبناتنا وأخواتنا وقريباتنا وصديقاتنا، فهن الأمل الوحيد أن ننتقل من حال إلى حال إذا مااستفقنا يوما ولم نعد نعتبرهن من ضلع أعوج، أو ناقصات عقل ودين، أو من مستوى ثاني أقل من مستوى الذكور، وليس الرجال، والفرق شاسع بين الكلمتين‫…‬

‎المستقبل لك سيدتي، فاستعدي لاحتضانه، واتركي جاهلية الماضي للقابعين في سجن التخلف لا يريدون منها فرارا‫...‬