ثقافة وفن

لحسيكة:صعود مناضلات الفكر المحافظ إلى السلطة زعزع نضال الحركة النسائية

احداث انفو الاحد 01 سبتمبر 2019
Capture
Capture

AHDATH.INFO - حاورته حليمةعامر

يبرز خالد لحسيكة، أستاذ باحث في علم الاجتماع بالمعهد الجامعي للبحث العلمي، جامعة محمد الخامس، والباحث في علم الاجتماع الاسرة والنوع الاجتماعي،في هذا الجزء الثاني من الحوار الذي أجراه معه الموقع، أن  ارتباط المجتمع المغربي اليوم بتحقيق العدالة الاجتماعية و الديموقراطية جعل الحركة النسائية لاتجد لنفسها موضع قدم داخل هذه المطالب، حيث أن المجتمع يعيش أزمة بعد التحولات التي وقعت سنة 2011.

ويرى لحسيكة، في هذا الصدد، أن الساحة العمومية مليئة بعدد من المطالب الاجتماعية التي ينبغي تحقيقها،وفي نفس الوقت نعيش وضعية احتباس في ميكانزمات التدبيرالسياسي لهذه المطالب،ومن ضمنها مطالب النوع،يفسر ذلك بذكورية الفاعل العمومي، حيث يعتبر بأن "المجتمع يعد ضحية لاحتباس لدولة في قدرتهاعلى تدبير هذه المشكلات الاجتماعية وكيفية امتصاص هذه المشاكل". فيما يلي نص الحوار

 

نلاحظ أن المجتمع المغربي مبني على الستر وثقافة إخفاء الفضيخة، حيث أن الجرائم الاغتصاب التي يتم ارتكابها  في حق النساء يتم اخفاءها، رغم وجود قانون يعاقب على هذه الجرائم،في نظرك مع ظهور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي كيف تم كسر هذه القاعدة وكيف جعلت هذه الأخيرة ظواهر العنف تبدوا بارزة للعموم؟

نعم إنه مجتمع تخترقه آليات الستر في كل نواحي الحياة الفردية والجماعية. إنه مجتمع يحل المشكلات بحجبها، وينتج على الدوام ما يجب ان يظل مستورا، وما يجب ان يعلن للعموم. إنها آلية موروثة من البنيات التقليدية، حيث كان اعتماد اسطورة "الراقد" لإخفاء وتبرير الإنجاب خارج الزواج. وحيث كان الزواج ببنت العم المفتضة بكارتها فعلا مثمنا لسترها. وحيث كنا نقول على المرأة التي تزوجت "تسترات". فأكبر أذى يمكن ان يمس الفرد هو تعرضه للفضيحة. لهذا بلورت المجتمعات المحلية آلياتها لتدبير الزيغ عن القواعد والمعايير. ورثنا هاته الآلية دون ان نمتلك مقومات تنزيلها في زمن الحياة الحضرية والاختلاط الشديد والتواصل المكثف. فكيف لمجتمع انبنى على قاعدة التمييز بين البراني والداخلاني، بين ن المستور والفضيحة، ان يتعلم طرق مواجهة الصورة الواقعية لممارسات أفراده وجماعاته وممارساتهم الزائغة عن المقبول والمشروع؟

هذا هو ما أسميه، أننا في زمن يجب على المجتمع أن يتحمل مسؤولية حداثته. لأن الحداثة أصبحت مند عقود واقعا عمليا، لا تخلق فقط القيم والمعايير الجديدة كما يحلو للمحافظين أن ينعتوا به السلوكات والممارسات التي تبدو لهم مستحدثة. بل هي أنماط من العيش فرضتها طبيعة الحياة الحضرية التي انتجت فردانية الاختيارات وميول متزايد لدى الأفراد والوحدات الاسرية نحو الاستقلال والاختيار المستقل والتفاعلية التعاقدية بين الجنسين ومع الروابط المختلفة.

الحركة النسائية أعطتنا درسا في قدرة المجتمع عبر حركاته المنظمة على تأمين الانتقال القيمي حين تعجز الدولة والنخب السياسية على تأمينه.فكل الظواهر الموجودة في الواقع المعاش، والتي ظلت محجوبة ومنبوذة عن مساحات الاعتراف الاجتماعي والمعياري، أصبحت عبر الفعل النسائي بمختلف مستويات تدخله، موضوعات للنقاش العمومي والتقاطب القيمي،والتفاوض السياسي.  وعندما يصبح أي موضوع سجالا سياسيا يجب على المجتمع أن يتحمل مسؤوليته تجاهه، عن طريق قوانين جديدة، فمثلا قضية تزويج المغتصبة بمغتصبها، بعدما تحولت إلى موضوع إعلامي، تغير هذا القانون.

إذن، فرغم درامية ومرارة الأحداث المنقولة والمكشوفة عن طريق وسائل الاتصال الحديثة، ورغم صدمة المجتمع من عنفها، أرى أنه من المهم أن يرى المجتمع نفسه بواقعية وليس كما تريد ان ترسم التمثلات المتخيلة لمجتمع لم يعد موجودا، ولم يكن موجودا قط، فقط هي آليات الحجب كانت تمنعه من البروز واختراق مساحات الاعتراف الاجتماعي والمعياري.، فالبربرية المنتشرة في الواقع، والتي كانت دائما موجودة ومنتشرة بسبب عجز الدولة وأجهزتها على حماية كل الأفراد.وكان ضحاياها الأفراد في وضعية هشاشة وعلى رأسهم النساء، وهذا الموضوع لم يكن يخص قضية العنف المباشر، فمثلا النساء كانت تشتغل داخل الحقول وكانت تتعرض للاغتصاب لكن لم يكن يتحدث عن ذلك أي أحد، لكن بعد فضح ذلك سيتغير الأمر، إذن هذا الوضع فهو في صالح المجتمع، لأنه على المجتمع أن يختار إما أن ينتقل إلى مجتمع فيه المساواة وفيه احترام حقوق الأفراد وفيه نوع من العدالة في ولوج الفضاء العمومي والتعبير عن الذات.

منذ زمن طويل كنا دائما نحل المشاكل بإنكارها، لأنهمع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد هذا الإنكار ممكنا.

وفي نظرك كيف ساعدت القوانين التي ينبني عليها المجتمع المغربي في تقليص نسبة العنف ضد النساء؟

نقاش القوانين الحامية سيظل موضوع سجال لا ينتهي، رغم انتزاع الحركة النسائية لقانون يجرم العنف، ستظل عملية التفعيل مرتبكة وبطيئة لان الحكومات المحافظة ليست مقتنعة بأهمية تنزيل هاته القوانين، بل هي فقط مضطرة لإبراز بعض التفاعل الإيجابي مع الضغوطات الداخلية والخارجية. لكن أهمية القوانين تتجلى في حسم موضوعات الاعتراف المعياري والسجال القيمي. وقد تتحقق بعض الاختراقات حتى في وضع الاحتباس المعياري والسياسي الحالي.

بما أنك تطرقت إلى قضية الصراع حول المصالح، في نظرك إلى أي حد مازالت الحركة النسائية تناضل من أجل تغيير الواقع الفعلي للمرأة سواء تعلق الأمر بالفقر الذي تعانيه والجهل الذي يحيطها من قبل المجتمع، وتناضل من أجل أن تكون للمرأة المغربية ظروفاشتغال أحسن، ألا ترى معي أن الحركة النسائية إبتعدت عن هذه المسائل وأصبحت تدافع عن "مطالب نخبوية"؟

هي في الأصل نخبوية، فأي حركة اجتماعية تعد نخبوية، يمكن أن تكون جماهرية في لحظة من لحظات تحركاتها فقط.إذا عدنا إلى التاريخ، كانت الحركة تناضل من أجل المساواة في اللحظة التي خرجت فيها المرأة للعمل ووصلنا لنسبة مهمة من النساء المتعلمات والقادرات على امتلاك قيم وثقافة جديدة، من تم ستظهر نساء متعلمات وستمتلكن أدوات ولوج السلطة، وستظهر الجمعيات والحركات النسائية، التي كانت شبه إيديولوجية خلال مرحلة الثمانينات، حين كان المجتمع لا يؤمن بوجود الديموقراطية داخل المجتمع، وبعدها كان ينبغي أن ننتظر حتى تصل الحركة النسائية إلى الاستقلالية لتشتغل على موضوع المساواة، وهذه الحركات النسائية الجديدة ستشتغل على موضوع العنف ضد النساء ظنا منها، أن الاشتغال على العنف سيفتتح للنساء باب المشاركة في القرار السياسي، باعتبار أن النساء في جميع الطبقات الاجتماعية تتعرضن للعنف، وستفرز لنا نساء قيادات سيخترقن البرلمان وبالتالي سيأتين بقوانين جديدة.

أول رهان حول العنف قد نجح.ومكننا من تحويل هذا العنف إلى موضوع قابل للمعالجة وسيبدأ الفاعل العمومي في التفكير في حماية النساء من العنف. ولو أنه فاعل عمومي مقاوم ومنتج لقوانين عاجزة في واقع الأمر على التغيير الفعلي لواقع التهميش والعنف.،

ستعرف الحركة النسائية نوعا من الانحباس في قدرتها التعبوية منذ بروز الحركات الاجتماعية المشتغلة على قضايا الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.أي أن حركة 20 فبراير رسمت مساحة نقاش عمومي من نوع جديد، لم تعد فيه موضوعات النوع الاجتماعي تحتل فيه وحدها صدارة الاستقطاب. فبين برغماتية الحركة الاجتماعية، وتراجعها على مكتسبات التحالف الديمقراطي الذي مكن من انتزاع قانون الاسرة، بدت الحركة النسائية وكأنها أصيبت بنوع من العياء والانغلاق حول المطالب المباشرة للحركة، وكان تحقيق المساواة ممكنا في انعزال عن التعاطي الشمولي مع مقاربة النوع الاجتماعي ،وعن مطالب العدالة الاجتماعية والديمقراطية. لكن السؤال الواقعي هنا، ليس هو التساؤل حول نخبوية وبورجوازية الحركة النسائية التقليدية، وتهميشها لفئات ومطالب عديدة تخص النساء الفقيرات والمنتميات لهويات جنسية مغايرة، بل يجب ان نطرح السؤال لماذا لم تنبثق أجيال جديدة من الفعل النسائي تشتغل على القضايا التي لم تشتغل عليها الحركة النسائية التقليدية؟ عوض انتقاد هاته الأخيرة. فما يحسب لهاته الحركة انها رغم كل ما يمكن ان تحاسب عليه من انعزال وافتقاد لقدرة تحويل الموضوعة النسائية الى موضوعة مجتمعية، هو حرفيتها وقدرتها الترافعية العالية. برز ذلك خصوصا في قضية السلاليات التي نجحت الحركة في تأطيرهن لانتزاع حقهن في امتلاك ارضهن والتصرف فيها.

بعد تقييم أداء الحركة النسائية في السنوات القليلة الماضية، يبرز حدوث بعض الارتباك، بعد صعود الحركة الإسلامية للحكم. حيث لم تكن هاته الحركة متعودة على الاستبعاد من آليات التفاوض والتمثيل الاجتماعي للنساء. وككل الحركات الاجتماعية والديمقراطية، وجدت في طبيعة هاته الحكومة الإسلامية نموذجا من الوزيرات أكثر ذكورية من الذكور. وتصلبا في رفض تمثيلية الحركة النسائية. وهو امر بديهي لدى تيار سياسي شيد مشروعه المجتمعي على تصور أخلاقي وقيمي مناقض لمشروع الحركة النسائية ومناوئ لها. لكن هذا الارتباك ما فتئ ان توقف مع تصاعد الديناميات الاجتماعية الجهوية والفئوية التي تحتل الحركة النسائية موقعا مميزا في حركيتها.لكن، هل الحركة النسائية لم تغير شيئا في قضية العنف؟

أنا يتضح لي أن الحركة النسائية اليوم منتشرة في جميع أنحاء المغرب، بالفعل هناك قضايا لم تشتغل عليها بشكل جيد، مثل النساء القرويات العاملات الزراعيات والفئات الفقيرة أكثر، ولكن هذا التحول وهذه الحالة من الضعف التي تعيشها الحركات النسائية إذا افترضنا أنها موجودة في الواقع، توجد في جميع الحركات المدنية التقليدية.

الحركة النسائية ناضلت بأن يكون لجميع الأحزاب تمثيلية نسائية، وفي نظرك هل المرأة البرلمانية لحزب البيجيدي ستكون امرأة قوية صالحة لتناضل من أجل حقوق المرأة، مثل وزيرات البيجيدي؟

يمكن أن يكون هناك استثناءات، لكن لن تكون لديها نفس القوة التي توجد عند النساء المناضلات المتشبعات بقيم المساواة، أكثر من نساء الفكر المحافظ، حتى في أوروبا فنساء الأحزاب المحافظة لا تكون مثل نساء الحركات الحقوقية.

إذنالسؤال هو هل الاشتغال مع جميع الأحزاب لكي يكون لديهن حضور، هل هي خاصية جيدة أم خطأ للحركة النسائية.

الحركة النسائية فهمت أن التغيير لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الدولة والقوانين، وهذه الخلاصة، جعلتها معزولة عن باقي الحركات الديموقراطية. كنا نرى أن الحركة النسائية لا تتفاعل مع الكثير من الأحداث التي كانت تقع، في الوقت الذي تضامن فيه المجتمع معها، ولكن هي لم تتضامن مع الفئات الأخرى، لأنها عزلت نفسها عن باقي المطالب الاجتماعية الأخرى، في حين أن كل المطالب الاجتماعية جزء منها يعبر عن قضايا النساء.

بالفعل كان عند الحركة النسائية وهم على أنها إذا اشتغلت على قوانين المساواة يمكن أن تغير الأوضاع، ولكن نحن نعيش في دولة تقليدية، يعني سقفها الحقوقي النهائي المرتبط بالمساواة محدود، ولا يمكن أن تذهب معك إلى أبعد من ذلك، عندها توازناتها المرتبطة بشرعيتها، ولكن مازالت أقول هل ينبغي أن نطلب من تلك الحركة التقليدية أن تقوم بالنضال من أجل جميع المطالب التي تخص النساء، أو ينبغي أن نطرح سؤال لماذا لم يفرز المجتمع جيلا جديدا من الحركة النسائية، يأتي بطرق جديدة.

ربما لأن المجتمع يعيش أزمة بعد التحولات التي وقعت سنة 2011، حيث أصبح للمجتمعأولويات أخرى مرتبطة بالعدالة الاجتماعية وبالديموقراطية.

لماذا لم تجد الحركة النسائية لنفسها موضع قدم داخل هذه الدينامية، بغض النظر هل هي منفتحة عن مطالب النوع الاجتماعي، بل عكس، هناك تحولات داخل المجتمع قوية. أظن أنه ينبغي على الحركة النسائية أن تنتبه إلى تجنب الفصل مابين مطالب المساواة ومطالب الجميع حول العدالة الاجتماعية والديموقراطية، وعلى أن العدالة الاجتماعية هي ما يحتاجها المجتمع.

لا يمكن أن تكتمل مطالب العدالة الاجتماعية بدون أن تكون فيها مساحات لتحقق مطالب النساء، مثل المطالب الاقتصادية، لأن جزءا كبيرا من العنف الذي تعيشه المرأة حاليا غير مرتبط بالذكر فقط، بل مرتبط بالدولة، وبالاختيارات الاقتصادية للنساء، وبالحماية الاجتماعية لهذه النساء، إذن لا يمكن القول بأن المشاكل التي تعيشها النساء دائما هي نتيجة لعنف ذكوري، بل هي نتاج للهيمنة الذكورية للدولة وذكورية الفاعل العمومي.

فالساحة العمومية مليئة بعدد من المطالب الاجتماعية التي ينبغي تحقيقها، وفي نفس الوقت نعيش وضعية احتباس في ميكانزمات التدبير السياسي لهذه المطالب، ومن ضمنها مطالب النوع، فإذا أخدنا ورقة وقلم وقمنا بإحصاء عدد هذه المشكلات الاجتماعية سنجد أنها أصبحت غير قابلة للمعالجة، لذلك فنحن كمجتمع،نعد ضحايا احتباس الدولة في قدرتها على تدبير هذه المشكلات الاجتماعية وكيفية امتصاص هذه المشاكل.