رياضة

أغاني الرجاء: الإرث الغيواني/الملحوني

بقلم: المختار لغزيوي الأربعاء 25 سبتمبر 2019
maxresdefault
maxresdefault

AHDATH.INFO

سألني صديق عربي يعد أطروحة حول ظاهرة أغاني « الألترات » في جامعة فرنسية عن ظاهرة أغاني الرجاء، وبالتحديد عن البعد السياسي في هاته الأغاني. الصديق توقف طويلا عند أغنيتين هما « فبلادي ظلموني »، و »رجاوي فلسطيني »، وقال إنه نادرا ما عرف بجمهور كرة يستطيعع بلورة تصور فكري وسياسي راقي بهذا الشكل، عبر مقطوعات مكتوبة بعناية، وملحنة بعناية ومؤداة بعناية، ومحفوظة من طرف الجميع بعناية

الصديق قال أيضا إنه يرغب في فهم كيفية « دوران عجلة » هاته الأغاني، أي كيف تبدأ ومتى تكتب ومن يكتبها ومن يلحنها ولماذا انفرد بها الرجاويون عن غيرهم، ولماذا ظهرت في هاته السنوات بالتحديد، قبل أن يضيف لكي يفهمني مقصوده جيدا « أي بعد الربيع العربي بالذات؟ »

ابتسمت وأنا أتحدث للصديق، وقلت إنني أفهم إنبهاره، هو وجزء كبير من العالم العربي بهاته الأغاني، طالما أنني واحد من المنبهرين بها، ومن المهتمين بكمية الشغف التي تحبل بها، وطالما أنني أتردد على الملعب دوما وبالتحديد في مباريات الرجاء منذ سنوات عديدة (لنقل منذ فرضت علي المهنة الاستقرار بالبيضاء) ورأيت تطور هاته الأغنية الرجاوية، وعايشت كثيرا من المبدعين لها وطبعا عشت أجواء أدائها في الملعب، وكيفية تلقي الناس هنا لها.

شيء واحد اختلفت مع الصديق إياه حوله هو ظهور هاته الأغاني بعد الربيع العربي الكاذب، الذي لازلت مصرا على وصفه بالكاذب إلى أن يثبت صدقه أي العكس.

شرحت لهذا الصديق أن هاته الأغاني لدينا قديمة، وأن الرجاوي هو الوريث الأصلي للغيواني، وأن الأغنية الغيوانية في المغرب استطاعت أن تتغنى بما لم تستطع أبدا الأغنية العصرية أن تقوله.

جبن العصريون في الستينيات والسبعينيات، الذين كانوا يجهدون أنفسهم - دون نجاح يذكر - في تقليد عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم، أن يقولوا للشعب كلماته الأولى الصريحة، فتولت الأغنية الغيوانية الأمر، وقالت الأشياء بدارجة المغاربة أي بلغتهم الأم، وذهبت مباشرة إلى صلب الموضوع.

تغنى الغيوانيون بالوضعية الاجتماعية وقالوا إنها « مهمومة ». أدانوا عيش الناس وفقرهم، فتحدثوا عن « عيشة الذبانة فالبطانة »، عرفوا قيمة الأهم فالمهم فالأقل أهمية لذلك صاحوا « ماهموني غير الرجال يلا ضاعو »، وطبعا لم ينسوا فلسطين التي ظلت دوما وأبدا حاضرة في الوجدان الشعبي المغربي، لذلك أبدعوا « صبرا وشاتيلا » وغيرها من أغاني التشبث بذلك الحلم الفلسطيني الشرعي في العثور ذات يوم على وطن حقيقي، والذي يتولى اليوم الأحفاد الدفاع عنه والترنم به وهم يصرخون « مانسمح فيك ياغزة ».

الرجاوي الذي يصف نفسه بنفسه في الأغنية الأخرى أنه « رجاوي غيواني »، تسلم المشعل، وجعل من ميادين الكرة ميادين إبداعه لهذا النوع من الأغاني الذي لم يعد، رغم أن الحاجة إليه كانت ولازالت وستظل دوما قائمة، لأن ماكان يسمى الأغنية الملتزمة في زمن من الأزمنة انقرض أو كاد أو على الأقل لم يعد له نفس الألق، فكان التعويض الشعبي البسيط والمباشر عبر هذا النوع من الإبداع…

ذكرت أيضا صديقنا أن لدينا في المغرب فنا ننفرد به عمن سوانا يسمى الملحون، هو ديوان الشعب الأول، وهو الأكثر جرأة في كل فنون بلادنا على قول الأشياء بدارجتنا أي بلغتنا وعلى الانتقال بين كل المواضيع الحساسة بكل سلاسة ودون أن يهتم برأي الآخرين فيه، من الصوفية إلى الحب بل الغزل، بل الغزل الفاحش إلى الخمريات، مرورا بمدح النبي صلى الله عليه وسلم، ثم التطرق للمواضيع السياسية الساخنة، والحديث مباشرة مع المسؤولين عن دورهم في رعاية المسؤولية التي تحملوها، معطيا المثال بأشهر الموجود وأكثره تداولا بين الناس أي بأغنية « النحلة شامة »، وهي مجرد نموذج، ماذا وإلا فإن ديوان المغاربة وكتاب قولهم المفتوح، كان الأقدر على هذا البوح الشعبي بكل مايعتمل في الذات دون أن ينتظر إذنا من أحد، ودون أن يهتم بكيفية تلقي الكل لهذا الذي سيقوله

ابتسم الصديق المصري وسألني « طيب لماذا لا تتحدثون عن هاته الأشياء في تلفزيوناتكم وإعلامكم؟ لماذا لا تقولون هاته الأمور للآخرين؟ »

ابتسمت في وجه ابتسامته وقلت له إن « البعض القليل يحاول قدر المستطاع، لكن الأغلبية لا تشغل بالها كثيرا بالاهتمام بفنونها وتراثها وكنوزها المحلية وهي كثيرة وتفضل الانبهار بالمنتوج الأجنبي، ثم إن الحقيقة الأخرى هي أن أغلبيتنا تجهل عديد الأشياء عن هاته الفنون ولا تكلف نفسها عناء البحث فيها، وأولئك النادرون الذين يشغلون بالهم بهذا الأمر يظلون معدودين فععلا على رؤوس الأصابع، أو مختفين في عزلتهم الاختيارية ينتظرون أمرا كان مفعولا ».

فقدنا معا ابتساميتنا، وذهب كل واحد منا إلى عوالمه يفكر في الكلام الذي تبادلناه، قبل أن أقرر نقله مثلما دار إلى القراء عسانا نجد من يجيبنا على السؤال المؤرق الحارق: « لماذا نحتقر هذا المنتوج المحلي الذي ينبهر به الآخرون أيما انبهار؟ »، أو لكي نقولها بدارجتنا ولغتنا المغربية الأكثر قدرة على البوح الصريح « علاش حاكرين راسنا بهاد الشكل الخطير؟ علاش؟ »