AHDATH.INFO - طنجة - خاص
الذين شاهدوا حصة الأفلام الوثائقية الثلاثة الحديثة التي قدمتها القناة الألمانية الفرنسية Arte في أمسية يوم الثلاثاء 10 فبراير الجاري سيفهمون جيدا لماذا أصبحت المؤسسات التلفزيونية القوية واعية بكونها لا يمكن أن تستمر في جذب الجمهور إليها، في مناخ سمعي بصري دولي ينوء تحت ثقل المنافسة الهائلة، دون أن تتوفر على شبكة برامج وثائقية مؤثرة ومصنوعة بحرفية عالية، تستمد مادتها الإعلامية من أحداث وقضايا الراهن، واستنادا على تقنيات وطرائق صحافة التحقيق والتقصي. فبالرغم من التحفظ الذي قد يبديه بعض المشاهدين الفطنين حول بعض أوجه البروباغندا التي يمكن أن تكون قد حاولت ممارستها القناة على المتلقي من خلال هذه الأعمال الوثائقية الثلاثة التي تناولت ما يحدث حاليا في سوريا والعراق وعلاقة تركيا بذلك، فإن لا أحد يمكن أن يجادل بأن هذه الأعمال تشكل وثائق علمية قابلة للقراءة والدراسة بعمق وتمحيص من أجل التعرف على بعض الجوانب الخفية التي يمكن أن تُفهم من خلالها خلفيات الصراع الدامي في سوريا والعراق بين الطوائف والجماعات التي تغذيها الإيديولوجيات والنزاعات العرقية والدينية. الفيلم الوثائقي الأول تحت عنوان "داعش - ميلاد دولة إرهابية" تم تصويره في شهر نوفمبر الماضي، وقالت القناة في تقديمها له بأنه "تطلب شهرا من التحقيق الميداني للكشف للمرة الأولى عن الوجه الكامل والمرعب لمنظمة جهادية في مثل ثراء دولة إفريقية، أصبحت مقاولة متعددة الجنسيات للإرهاب". هذا الفيلم الذي يتضمن مشاهد قتل فظيعة، تم تصويره في شكل "رود موڤي" بين العراق وسوريا والحدود مع الأكراد، وتم خلاله استجواب مجموعة من الشهود والخبراء والدبلوماسيين والسياسيين، وفي نهايته تم إجراء حوار مع مخرجه الفرنسي جيروم فريطيل الذي أبان في حواره عن إدراك شديد لملابسات هذه الأزمة التي يزيد في تعقيداتها تدخل قوى خارجية لها مصالحها في المنطقة.
الفيلم الوثائقي الثاني تحت عنوان "محاصرون بالدولة الإسلامية" وهو من إخراج كزافيي مونتز الذي قضى شهر ديسمبر الماضي في جبال سنجار بالعراق، غرب مدينة الموصل، حيث توجد ساكنة من الأكراد اليزيديين، مسلمين ومسيحيين، مُحاصرة داخل قرى بمقاتلي داعش. هذا الفيلم الاستثنائي يتعرف المشاهد من خلاله على الكيفية التي يقاوم بها الأكراد قوات داعش، في حيز ضيق، لا يتوفرون فيه على أية وسيلة للتموين ما عدا مروحية وحيدة تجلب لهم بين الفينة والأخرى مواد غذائية للاستمرار في المقاومة. هذا الفيلم الذي يُتابع الحياة اليومية للمقاومين الأكراد المؤطرين من قبل قادة الحزب العمالي الكردستاني يسلط الضوء أيضا على ثقافة هذه الفئة من الأكراد التي تخضع فيها المرأة لتربية صارمة تتحول من خلالها إلى مُقاتلة شرسة تحمل السلاح وتشن الغارات على قوات داعش من أجل تحقيق حلم التحرر.
أما الفيلم الثالث فهو من إخراج لويس ميراندا ويحمل عنوان "أوجلان والمسألة الكردية"، ويتناول الصراع الدائر في الشرق الأوسط من زاوية الأراضي الكردستانية الموزعة بين إيران والعراق وسوريا وتركيا، محاولا التعريف بالأكراد، وبتأثيرهم على المنطقة، وملقيا الضوء على تاريخ زعيم الحزب العمالي التركي عبد الله أوجلان الذي يوجد رهن الاعتقال في تركيا منذ سنة 1999.
ثلاثة دروس في القوة التلفزيونية، تنبغي الاستفادة منها.
أحمد الدافري