ثقافة وفن

إقرأ..اطلق مني...ماقاريش !

بقلم: المختار لغزيوي الثلاثاء 28 يناير 2020
Capture d’écran 2020-01-28 à 11.15.44
Capture d’écran 2020-01-28 à 11.15.44

AHDATH.INFO

تكرم علينا اتحاد الناشرين العرب، وأخبرنا مشكورا للغاية أننا نحن العرب العاربة نقرأ بمعدل ست دقائق في السنة.

الاتحاد، وبكرم غير غريب عن القوم الذين خلقوا على هاته الأرض أسطورة حاتم الطائي المشهورة بإيثارها للآخرين، تفضل علينا بهاته الدقائق الست، مع أن أغلبيتنا تشكك في الرقم وتعتبره مبالغا فيه لأن قلبنا الصغير، وعقلنا الأصغر لا يتحملانه، وقال في ندوة احتضنها معرض الكتاب بالقاهرة  أن نصيب المواطن العربي من الكتب هو كتاب واحد فقط في السنة، وأن هذا المواطن المجيد والصنديد لا يقرأ سوى بمعدل 6 دقائق  في السنة، مقابل 200 ساعة للمواطن الأوروبي اللعين.

الاتحاد اكتشف أيضا قلة الإصدارات الثقافية في الوطن العربي، وأشار إلى أن إصدارات الكتب الثقافية تبلغ نحو 5 آلاف نسخة، بمتوسط ألف طبعة للنسخة، مؤكدا أن ما يترجم في الوطن العربي كله لا يصل لخمس ما يترجم في اليونان مثلا، حيث أن نصيب المواطن العربي في5 سنوات هو 4 ترجمات. وطبعا لكي يضع على الكعكة كلها حبة الكرز الشهيرة قال الاتحاد الكريم إن

. الوطن العربي لا يمثل سوى 1 بالمائة من حجم مبيعات الكتب عالميا.

بعض علماء الكلام "المنشورين" في كل مكان من اللسانيين والمتحدثين، ومن ظواهرنا الصوتية التي لا نتوفر على غيرها بفضل الله الواحد الأحد، سيقولون إن هذه الأرقام مغرضة وتستهدف النيل من أمة "إقرأ"، وإظهارها باعتبارها أمة أصبحت تأكل فقط، ثم تذهب إلى المكان الذي تضع فيه أكلها - أعز الله قدر الجميع - قبل أن تعود إلى طاولة الطعام مجددا. كما أن بعض أهلنا من عشاق المؤامرات ومن متوهمي الاستهدافات، سيقولون إن اتحاد الناشرين وقع لعبة في يد العدو الصهيوني، أو العدو الإمبريالي، أو العدو الشيوعي - ولو أنه لم يعد موجودا - أو في يد عدو ما دون تحديده لأنه لا حاجة لتحديد أي شيء مع قومنا، لكي يشيع عنا هاته الصورة السيئة. وربما يندرج الأمر في إطار المؤامرة الكبرى المعروفة ضد لغتنا وهويتنا وقوميتنا وديننا وبقية أشيائنا التي يتفنن الأعداء من كل الجنسيات والأعراق في حياكتها لنا يوميا لكي يتخلصوا من نبوغنا ومن كم عبقريتنا المبالغ فيه ومن كل الأشياء..

طبعا لن نحسم في شيء اليوم، ولن نقول إن المؤامرة "ماكايناش" ولا أي هراء من هذا القبيل. فقط سنشير إلى أن الدقائق الست من القراءة في السنة، إذا كانت دقائق تركيز كامل، وإذا ما حبلت ببعض من التدقيق في المعاني، واستغرقها الإنسان كاملة غير ناقصة، أو قسمها على دفعات شريطة الاحتفاظ دوما وأبدا بالتركيز الكامل دوما، فإنها تكفي وزيادة.

ست دقائق في السنة، بمعدل ستين دقيقة في العشرية أي ساعة كاملة من الزمن من القراءة المركزة والذكية والعارفة إلى أين تريد الذهاب بما تتلوه عيناها ويصل إلى عقلها إن كان لها عقل طبعا، هي مدة محترمة وتستحق انحناءة رأس ورفع قبعة ووقوف سلام وتحية تعظيم لهاته الأمة التي فهمت قبل الأمم الأخرى أن "العلم في الرأس وليس في الكراس"، وأن "اللي كيقرا بزاف كيحماق"، وأن "القراية ماكتوكلش طرف دلخبز"، وأن "الأمية ماشي عيب المهم بنادم يكون برزقو"، والتي تطرح السؤال بكل أنفة واحترام جيلا وراء جيل لكي تنهي أي جدال بيزنطي حول هذا الموضوع التافه "ودوك اللي قراو زعما طفروه؟"

ثم دعونا من الكلام السريع غير المتكئ على تدقيق علمي رصين، ولنتأمل حالة العالم المحيط بنا والذي أصبح يستغني عن الكتب يوما بعد الآخر، ويعوضها بالتواصل الرقمي وغيره من أدوات العصر الحديث. نحن كنا سباقين إلى هذا الأمر قبل الوقت بكثير، واستطعنا أن ننتقل من مرحلة الكتابة إلى مرحلة ترجمة مايكتبه الآخرون، ثم مرحلة استنساخ ونقل مايكتبه نفس هؤلاء الآخرين، قبل أن نمر إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن هاته المكتوبات، لأنها مجرد كلمات سوداء تملأ صفحات بيضاء، يكتبها في العادة أناس غير أسوياء، ويرعبون في سلوكهم ومظهرهم وطريقة تفكيرهم. لذلك أسقطنا هاته "الأوبسيون" نهائيا قبل الجميع، وأقنعنا صغارنا بعد أن انتهينا من الكبار أن العلم لم يكن أبدا نورا، وأن الجهل قد لا يكون عارا إذا أضفنا إليه قليلا من التوابل والمساحيق التجميلية، وأن العمر قصير في نهاية المطاف لكي نضيع لحيظاته الثمينة داخل المكتبات، نبهدل أعيننا مع أن النظر عزيز وغالي، أو منفردين مثل الحمقى مع مؤلفات لا نعرف حتى ظروف كتابتها ولا شعور من كتبوها أثناء اختراعهم لذلك العجب العجاب الذي يسمونه كتبهم.

للأمانة بالغ أصدقاؤنا في اتجاد الناشرين العرب وهم يدعون أننا نقرأ ست دقائق في السنة. أنا أعتقد أننا نقرأ أقل من ذلك بكثير، أو أننا لانقرأ والسلام. ثم بالغ من رأوا في الدراسة علامة ردة أو تخلف أو نكوص أو عودة إلى الوراء أو ماشابه هذا الهراء.

الحق الذي لا حق بعدها هو أن هاته الدراسة فخر لنا جميعا، لأنها تدل على أننا أكبر من الكتب بكثير، تماما مثلما نحن أفضل من الآخرين بكثير، وأروع من كل شيء على هاته الأرض وحتى تحتها بكثير لكثير.

نحن الأصل والبقية، كل البقية تقليد، ففيم العناء؟ ولم الحاجة لقراءة شيء جديد ونحن نعرف كل الأشياء؟

جاوبوا آلمتعلمين: فيم العناء؟ ولماذا تجشم كل هذا العذاب؟