رياضة

الرجاء والحياحة والإعلام المتشرد !

بقلم: المختار لغزيوي الأربعاء 29 يناير 2020
sur-le-studio-de-radio-d-air-horizontal-14990047
sur-le-studio-de-radio-d-air-horizontal-14990047

AHDATH.INFO

ماتفعله بعض المواقع، وبعض الإذاعات، وبعض الجرائد في المجال الكروي أمر سيء للغاية.

يجب أن نقول هذا الكلام لبعضنا البعض على سبيل النقد الذاتي الضروري، عوض أن تقوله لنا جماهير هذا الفريق أو جماهير الفريق الآخر.

ويستحسن أن نقول لأنفسنا هذا الكلام بطريقة حضارية، وعبر وسائلنا الإعلامية عوض أن يقال لنا بطريقة أخرى غير سلمية بسبب التجييش الذي تتورط فيه هاته المواقع وهاته الإذاعات وهاته الجرائد.

ويستحسن ثالثا ألا نقلد النعامة، وألا ندفن رؤوسنا في الرمال لكي نمثل دور من لا يعرف شيئا، ودور من لا يرى شيئا، ودور من لا يحس بشيء.

نعم هناك حياحة تسللوا إلى ميدان الإعلام وأتوا بأساليب "تحياحت" القديمة التي كانوا يمتهنونها في الملاعب، ودخلوا بها إلى ميدان الصحافة، ووجدوا من يوظفهم ومن يشغلهم ومن يستفيد معهم من هاته المهنة غير المشرفة كثيرا..

في السابق من الأوقات، وقبل أن يصبح الكل صحافيا - أعز الله قدر الجميع - ويصبح الميكروفون مستباحا ويمكن لأي شخص هب من فراشه ودب على الأرض أن يحمله، كان الحياحة يتسللون إلى مقاعدهم بين الجمهور، وكانت لديهم وظيفة يعرفها جيدا من يدخل الملاعب دوما، هي أن يصرخوا ضد اللاعب الذي تقاضوا المال لكي يجيشوا الناس ضده، أو لكي يسبوا المدرب الذي قيل لهم "يجب أن يرحل"، أو لكي يعظموا بالمقابل من دور لاعب أو مدرب قيل لهم أن يجعلوه بطلا في أنظار الحاضرين في الملعب.

عدد من الجماهير حينها كان ينساق عن حسن نية وراءهم، وعدد آخر كان يعرف "ملعوبهم" جيدا فكان يكتفي بالنظر إليهم بشفقة وازدراء قبل أن يخبر الناس عن ماهيتهم، وقبل أن يطلب منهم إما الصمت أو الخروج من الملعب أصلا.

هاته البلية السيئة انتقلت إلى المجال الإعلامي، وتسللت إلى بعض قنواتنا التلفزيونية والإذاعية، وإلى بعض جرائدنا وإلى بعض مواقعنا، وأصبح الخلط المعيب بين السمسرة وبين الوصف الرياضي أمرا عاديا جدا، وأصبح الخلط الآخر الأكثر عيبا بين تحياحت وبين الميل العادي والمقبول لهذا الفريق أو لذاك، مسألة لا تثير استغراب أحد.

أكثر من هذا، ولأننا لا نعرف قيمة عديد من الأشياء، تصور عدد من مسؤولي هاته الوسائل الإعلامية أن الرياضة أمر تافه وغير مهم، ويمكن أن تشغل فيه أي شخص دون اهتمام بمستواه المعرفي أو الثقافي ولا بتكوينه السياسي والاجتماعي والإنساني، علما أن الرياضة أهم ميدان يمكن أن تشتغل عليه في الصحافة، وهي تتطلب علماء حقيقييين، لا علماء العناوين الكاذبة لكي يتحدثوا عنها.

وإئا ماجلت بناظريك في العالم الفسيح، وفي قنوات الدول المتحضرة، ستجد أن كبار المعلقين والمذيعين والمنشطين السياسيين ومقدمي برامج الترفيه الأكثر شهرة شرعوا في عملهم الإعلامي انطلاقا من الرياضة، وجودوا أداءهم في التعليق على المباريات أو في التغطيات الخاصة بالمنافسات الرياضية، وتكونوا في الملاعب وبين أحضان هاته المنافسات وصنعوا في المدرجات أولى خطوات مجدهم الإعلامي الكبير.

يكفي أن تذكر مثلا أن كبير التلفزيون الفرنسي ميشيل دروكير بدأ عمله صحافيا رياضيا صغيرا في التلفزيون، ثم معلقا كبيرا على مباريات المنتخب قبل أن يأخذ مساره الإعلامي الانعطافة الكبرى التي أخذها، وقس على مثال ميشيل دروكير من تشاء من كبار القوم في الدول التي تتوفر على إعلام يحترم نفسه..

في المغرب لدينا مشكل حقيقي: الصحافة ميدان بدون أبواب، وبدون بواب أو حارس، وبدون أسوار، وبدون أي شيء على الإطلاق.

هي سيدة فاضلة كانت ذات شأن كبير في سابق العهد، لكن دارت بها الدنيا دورتها الشهيرة، واعتدى عليها الزمن، وجعلها تعيش في الشارع مشردة، يستطيع أي عابر بعد أن يثمل كثيرا أن يعتدي عليها جنسيا وأن يغتصبها، وأن يضع في أحشائها بذرة "ولاد الحرام" التي تخرج من صلبه ويمضي. وهي المسكينة لا تتوفر على وسيلة مقاومة، ولا حتى على مال قليل تشتري به موانع الحمل. لذلك تحبل وتحبل وتحبل وتلد عديد الكوارث عديد المرات ولا تتوقف ولن تتوقف.

اليوم أطفال الشوارع الإعلاميون هؤلاء مشكلة حقيقية، يجب أن نتناولها تناولا إنسانيا وعاطفيا، لأن هؤلاء اللقطاء في نهاية المطاف مخلوقات لايمكن أن نقتلها ولا يمكن أن ننفيها ولا يمكن أن نبيدها. علينا فقط أن نبحث لها عن وسيلة ما للاندماج داخل المهنة التي اعتدت عليها..

التكوين هو الحل، لكن المشكلة مع عدد كبير من المصابين بالجهل المركب في هذا الميدان هو أنهم يعتبرون أنهم أكبر من أي تكوين، وأن الصحافة موهبة تجري في عروقهم جري الوحوش، وأنهم لا يحتاجون أي شيئ لإتقانها، وهم أصلا غير مستعدين للتعلم لأنهم يعتبرونه مضيعة للوقت وللجهد ولكل الأشياء.

أضف إلى كل هذا عقلية "الهوتة" و"الهمزة" و"التدبار"، و"تدوار الحركة" و"اللقيج" التي تسللت إلى أذهان الجميع، والتي تجعل هذا الجميع يريد الاغتناء في اليوم الأول للممارسة، ويتبع خطى من رآهم قبله يبيعون ويشترون بهاته المهنة المنكوبة بأهلها. كل هذا يجعلنا فعلا في موقف لا نحسد عليه "آسميتك".

ومع ذلك لن نفقد الأمل. سنقول إن هذا الميدان مستعد لاحتضان الجميع، شرط ألا يمارس هذا الجميع إلا مهنة واحدة داخل هاته المهنة، هي مهنة الصحافة.

أما أن تكون سمسارا وبائعا متجولا بين العصب ومروج علامات وصانع محتوى ومنشطا إذاعيا ثم منشطا تلفزيونيا ثم منشطا رقميا ثم منشطا مكتوبا ثم منشطا tout court فالأمر لا يستقيم اليوم، ولم يستقم بالأمس، ولن يستقيم أبدا في القادم من الأيام

تحياحت الإعلامية قتلت ميدان الصحافة الرياضية في البلد، واليوم نرى جماهير فرق تعلن العداء المباشر لمواقع وإذاعات وجرائد تعتبرها منخرطة في حملات موجهة ومؤدى عنها ضدها، ونتمنى أن يقف الأمر عند حدود الوقفات الاحتجاجية وألا يمتد لما هو  أسوأ.

هو أصلا سيمتد إذا ماواصلنا النفاق الجماعي، وتمثيل دور من لم ير، ولم يسمع أي شيء.

اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.