ثقافة وفن

حكيم وردي يكتب عن: الحكومة والمحاكم

بقلم: حكيم وردي/ باحث في القانون الاثنين 20 أبريل 2020
A654F1AB-4482-44BB-B968-E1F2C23B2BF5
A654F1AB-4482-44BB-B968-E1F2C23B2BF5

Ahdath.info

 

اعتاد مجموع المشتغلين في حقل العدالة ( قضاة ومحامون وكتاب ضبط ) على التعايش مع البنى التحتية المتواضعة التي توفرها السلطة الحكومية المكلفة بالعدل ، فضيق القاعات وضعف التهوية في مكاتب التقديم، واستمرار الجلسات إلى ساعات متأخرة دونما تعويضات، وإغراق القضاة بآلاف الملفات، وغيرها من الإكراهات، لم تحل يوما دون سماع المغاربة لصوت العدالة. ليس لأن إنكارها جريمة ولكن لإحساس جسيم بالمسؤولية يلقح به القضاة بمجرد ولوجهم المعهد ويتعهد المسؤولون والمفتشون بمراقبة منسوبه طيلة مسارهم المهني.

وللأسف يحتفظ التاريخ القريب بذكريات أليمة عن جلسات عقدت في كاراجات وعن مكاتب أشبه بالأقبية المشبعة بالرطوبة والظلام. حينما كان القاضي مستعد لعقد الجلسة ولو تحت خيمة ولسان حاله يردد بواقعية مريرة " هادشي لي عطات الوزارة "، وحتى عندما لم يجد أحدهم مكتبا للاطلاع على ملفاته قبيل الجلسة ورضي أن يقوم بذلك في بهو المحكمة التقطت له صورة نشرت في جريدة لم يستسغها من كان يمسك بعصا التأديب فعجل بعرضه على المقصلة.

اليوم زمن استئساد الجائحة لم يعد ممكنا لشجاعة أسرة العدالة ولا لجلد القضاة على الشدائد أن ينهض صمام أمان يقيهم شر الوباء الذي لا يبدو أن النفوس ستهدأ إزاءه إلا بإعلان منظمة الصحة العالمية عن اعتماد لقاح مجرب يخفف من سطوته. وهو أمر أجمع العلماء أنه يحتاج إلى شهور.

لقد استلزمت حماية النظام العام من المتدخلين في إقراره (شرطة ونيابة عامة وقضاة التحقيق وحكم) الاستمرار في تدبير تطبيق القانون الجنائي في مجموع التراب الوطني، ولم تتوقف الملفات الزجرية الخضراء بل وخلقت كورونا جرائم مستجدة قدم بسببها الآلاف من العصاة أمام النيابة العامة. ولم يشتك أحد من غياب للكمامات أو مواد التعقيم أو عدم انسجام المعاقل مع التزامات التباعد الاجتماعي. وظل مفهوم الواجب حاضرا بقناعة صوفية لدى العديد من المسؤولين والقضاة.

ولنا أن نتساءل عن حجم الإمكانيات المادية التي وضعتها أو تعتزم وضعها السلطة الحكومية رهن إشارة المحاكم لمساعدة القضاة على القيام بواجبهم. دعك من الملفات المدنية والتجارية والاجتماعية والإدارية والشرعية والأحوال الشخصية التي يستدعي تدبيرها الكترونيا تعديلا تشريعيا يقر إمكانية إيداع المقالات وأداء الرسوم وتبادل المذكرات والمداولة وإصدار الأحكام رقميا، وإرساء تطبيقات معلوماتية آمنة ومشتركة مع زملائنا المحامين والمفوضين والخبراء وغيرهم من المشتركين في صناعة الأحكام، ولكن لنكتف بالتفكير بصوت مرتفع في قضايا المعتقلين التي لا يمكن تأخير البت فيها على الحالة لتعلقها بالحرية أثمن ما في الوجود.

وبكل استعجال تحتاج مكاتب قضاة التحقيق والجلسات التلبيسة والجنائية إلى ربط بالكاميرا مع المؤسسات السجنية في تعميم لبادرة تختص بها بعض قاعات الجلسات الجنائية حيث أبانت عن فعالية في التواصل مع المعتقلين تفاديا لإخراجهم من السجن لاسيما في جلسة المثول الأولي، بحيث لا يتم إحضار إلا من كان ملفه جاهزا للحكم. بحيث سيسعف التنسيق المسبق بين هيأة المحكمة ( نيابة ورآسة) و هيأة الدفاع وعندما يكون الجميع جاهز على البت في مجموعة من الملفات في الجلسة الواحدة في سلاسة ودنما تأخير.

كما تحتاج المعاقل ومكاتب الاستنطاق إلى إعادة تهيئة بما يسمح بتوفير ممكنات التباعد الاجتماعي المحدد على الأقل في متر، ويوفر تهوية كافية، وإلى ربط بالكاميرا على الأقل مع مكتب مستقل، وإلى إرساء بريد الكتروني آمن مع الشرطة القضائية للتداول الالكتروني للمحاضر والتقارير دونما حاجة إلى المخاطرة بإيفاد عدد كبير من الضباط لتقديم المساطر.

كما يتعين ربط كتابة النيابة العامة وقضاة التحقيق وكتابة الضبط الكترونيا مع المؤسسة السجنية قصد تسهيل تداول الأوامر بالإحضار والبطائق الجنائية وتمديدات الاعتقال الاحتياطي وملخصات الأحكام والقرارات والكتب الإدارية غيرها من الإجراءات التي كانت تحال يدويا أو عبر الفاكس.

إن عدم التعجيل بتمكين المسؤولين القضائيين من سلطة الآمر بالصرف لاعتمادات مالية واستثنائية في الميزانية، و ترك أسرة العدالة تدبر الأقضية الزجرية بإمكانيات ما قبل اجتياح كرونا، والمراهنة على تأخير البت في الملفات أو تصريفها كيفما اتفق في إطار ما يعرف بـ système D لا يسيء فقط للعدالة المستقلة ولكن يعرض حماتها لخطر خفي نسأل الله أن يلطف بنا منه في خفي خفيه الخفي.