واستغل البعض المناسبة للهجوم على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية , مع أن وزير العدل احتراما منه لواجب التحفظ الذي خرقه البعض, رفض الرد على الأسئلة التي وضعها عليه صحفيو جريدة الاتحاد الاشتراكي حول الموضوع. وفق ما نشرته جريدة الاتحاد الاشتراكي تحت عنوان “رسالة الاتحاد” في عددها الصادر بتاريخ 29/4/2020. والذي حددت موقف الحزب ما يروج ضده. مما يضع أكثر من سؤال حول أسباب حشر حزب الاتحاد الاشتراكي فيما يروج اليوم.
في الوقت الذي يهتم كل المغاربة بإشادة العالم بحكمة المغرب في تدبير حالة الطوارئ الصحية والإجراءات التي اتخذها لمواجهة وباء CODIV 19 ومنها الإشادة التي عبر عليها رئيس حزب La France Insoumise السيد Jean Luc Mélenchon في البرلمان الفرنسي أخيرا.
وفي الوقت الذي ينشغل المواطن البسيط يوميا بالآثار المالية والاجتماعية لتلك التدابير أمام عجز واضح لبعض أعضاء الحكومة في المبادرة للتخفيف من تلك الآثار المترتبة عنها.
وفي الوقت الذي لا زال نساء ورجال القطاع الصحي من أطباء وممرضين ورجال الإسعاف وكذا نساء ورجال الأمن بكل فئاتهم يرابطون في الخط الأمامي لهذه الحرب غير المسبوقة.
وفي الوقت الذي عاين الجميع الدرس القوي الذي قدمه مواطن من الراشيدية بعد أن توصل بالدعم المالي ب400.00 درهم فأبى أن لا يغادر الوكالة إلا بعد ان يساهم ب100.00 من ذلك المبلغ في الصندوق الذي أسس لمواجهة هذا الوباء.
في هذه الظروف، وبدل تعزيز وضع التضامن الوطني، فضل البعض خلق حالة من التشويش و التشكيك غير مفهومة المقاصد , بالقيام بتسريب مذكرة للوزير المكلفة بحقوق الإنسان. بالموازاة مع تسريب المادة 14 وحدها من مسودة مشروع 20-22 التي تتكلم على معاقبة الدعوة الى مقاطعة البضائع والخدمات. مع ان ذلك القانون يتكون من 25 مادة.
-فهل ذلك التسريب مشروع ام غير مشروع.
-وهل صادق الوزير المكلف بحقوق الإنسان عليه ذلك القانون ام لا.
-وهل مشروع قانون 20-22 يمس بالحق في التعبير المكفول دستوريا ام لا.بخصوص عدم مشروعية تسريب مسودة مشروع القانون.
من غير الضروري التذكير أن من أهم ما أتي به دستور 2011 هو تعريفه للنظام السياسي في المغرب بأن أضفى عليه طابع الديمقراطية التشاركية. كما يتبين ذلك من الفصل الأول منه. والتي تعني من جملة ما تعنيه ان تسعى الحكومة الى مشاركة المواطنات والمواطنين في التشريعات التي تريد تطبيقها عليهم.
لذلك فإن من الصائب بل من الواجب ان يقوم الوزراء , كل في مجال اختصاصه وليس بتطاول وزير على اختصاصات وزير آخر, . بنشر مسودات مشاريع القوانين من أجل استمزاج الرأي العام بخصوصها ومشاركته في إنتاجها لكي يكون مستعدا للقبول بتطبيقها عليه. وهنا نكون أمام تسريب مشروع.
وكمثال على التسريب المشروع يمكن أن نأخذ التداول الذي قام به وزير العدل حول مسودة مشروع التعديلات التي يراد إدخالها على قانون المسطرة المدنية والجنائية من اجل استعمال الآليات الرقمية في تدبير تلك المساطر القضائية. اذ توصل به رسميا كل الفاعلين في المؤسسات القضائية والمؤسسات التمثيلية للمحامين. بل تم تداوله حتى خارج تلك المؤسسات ليكون الإشراك موسعا.
بينما المثال على التسريب غير المشروع نجد نموذج له في تداول مذكرة باسم الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان مرفقة مع رسالة من رئيس الحكومة موجهة الى الأمين العام للحكومة.
أولا: أنه تم تسريب تلك المذكرة في تزامن مع تسريب نص المادة 14 وحدها , وهي المادة التي تجرم وتعاقب على الدعوة لمقاطعة البضائع والمنتجات والخدمات. مما أثار رد فعل قوي من قبل شبكات التواصل الاجتماعي. وكأن القانون 20-22 يتكون فقط من تلك المادة. بينما تم إخفاء 24 مادة الأخرى التي يتكون منها القانون المذكور.
ثانيا: نشر بعض المواقع تلك المذكرة ووصفها ب " مرافعة ضد قانون 20-22 ". أي أن ذلك الموقع أراد أن يبلغ رسالة للقارئ مفادها ان الوزير المكلف بحقوق الإنسان غير موافق على ذلك القانون لهذا رافع ضده وهذه هي مذكرة مرافعته.لكن بالرجوع الى تلك المذكرة نجدها تدفع الى ابداء الملاحظات التالية بخصوصها:
علما أن عدم المشروعية هنا تتجلى في خرق مبدأ التحفظ لأن النقاش بين الوزراء في مجلس الحكومة هو نقاش داخلي مشمول ومحمي بقواعد واعراف التحفظ الجاري بها العمل بها في كل دول العالم وفي كل العصور. ولم تجد لها استثناء , مع الأسف , إلا في تسريب مذكرة الوزير المكلف بحقوق الإنسان في تزامن مع تسريب المادة 14 التي تمنع وتعاقب الدعوة للمقاطعة.
علما ان من مهام الوزير المكلف بحقوق الإنسان هو ضمان حماية حرمة المجالس التي هي حق من حقوق الانسان.
فهل باقي وزراء الحكومة لا يعلمون ما ينص عليه دستور في بلادهم وهل لا يعلمون بالاتفاقيات التي صادق عليها بلدهم.
من الأكيد انهم يعلمون حق العلم بكل بذلك. فما هي ادن الضرورة لملء مذكرة وزير المكلف بحقوق الإنسان ل6 صفحات بما يعلمه الجميع.
اذ ان المجلس انعقد يوم 19/3/202 والمذكرة المسربة بعث بها الوزير المكلف بحقوق الإنسان الى رئيس الحكومة يوم 27/3/2020 أي 8 أيام بعد انعقاد مجلس الحكومة والمصادقة على مشروع القانون.
"يلاحظ (يقول الوزير المكلف بحقوق الإنسان) إن المادة 17 (بينما في المسودة المسربة "المادة تحمل رقم 14) عاقبت على الدعوة الى مقاطعة المنتجات و السلع بعقوبة تتراوح "بين ستة أشهر و ثلاثة سنوات الى آخره...
" وفي هذا الشأن نقترح (يقول الوزير المكلف بحقوق الإنسان) مراجعة العقوبة بتقليصها " "كما نقترح على مستوى التجريم أن نبقى في حدود إعاقة الممارسة للنشاط الاقتصادي "تماشيا مع فلسفة القانون رقم 12-104 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة ولا سيما ما "ورد في المواد 6 و75 و76
لأنه اقترح فقط أن تستبدل صيغة " الدعوة للمقاطعة " بصيغة " إعاقة الممارسة للنشاط الاقتصادي " واعتبر أن هذه الصيغة تتماشى مع قانون 12-104 أي القانون المتعلق بحرية الأسعار.
لكن اقتراح الوزير المكلف بحقوق الإنسان ذاك يطرح اشكالين لهما معا طابعا قانونيا صرفا لا يغيب على أي أحد.
لكن بالرجوع الى القانون 12-104 نجد:
2-ان المادة 75 تعاقب على إعاقة المنافسة. كما ان المادة 76 تعاقب على افتعال رفع او خفض الأسعار. ولا تعاقب ولا تتكلم على الدعوة للمقاطعة.
أي أن القانون 12-104 الذي يطالب الوزير المكلف بحقوق الإنسان باعتماده , هو قانون لا علاقة له بموضوع تنظيم شبكات التواصل الاجتماعي.
لكن بالرجوع الى مسودة القانون 20-22 المتداولة , وفي انتظار صدور المشروع القانون الرسمي , نجد أن ذلك القانون يتكون من 25 مادة وليس مادة واحدة تتعلق بمنع المقاطعة التي تم تسريبها للأغراض المشار اليها اعلاه. انها تلك المواد تتعلق بما يلي:
-المواد من 1 الى 4 تتعلق بالتعريف بالأشخاص المعنيين بالقانون.
-المواد من 5 الى 7 تتعلق بجهة الإشراف والمراقبة على تطبيق ذلك القانون.
-المواد من 8 الى 9 تحث المعنيين بهذا القانون على وضع نظام داخلي خاص بهم لهم له غرض وقائي وحمائي.
-المواد من 10 الى 12 تحدد الجزاءات الإدارية لبعض المخالفات بدون حاجة الى عرضها على المحكمة.
بينما المواد التي تتعلق بالمنع والتجريم والعقوبات فهي:
-المادة 13 تعاقب على نشر كيفية تصنيع معدات التدمير المعدة من مساحيق او مواد متفجرة او مواد نووية او بيولوجية او كيماوية.
المادة 14 وهي موضوع الاعتراض المجتمعي , تعاقب على الدعوى الى مقاطعة منتوجات او بضائع او خدمات او التحريض على ذلك. سأعود لها فيما بعد.
المادة 15 تتعلق بمعاقبة التحريض على سحب الأموال من البنوك.
المادة 16 تتعلق بمعاقبة الترويج لخبر زائف.
المادة 17 تتعلق بمعاقبة الترويج لخبر زائف من شانه المس بالنظام العام وبأمن الدولة واستقرارها والسير العادي للمؤسسات.
المادة 18 تتعلق بمعاقبة الترويج لخبر زائف قصد التشكيك في جودة وسلامة بعص المتوجات.
المادة 19 تتعلق بمعاقبة الخبر الزائف الذي من شأنه الحاق الضرر بشخص ذاتي او اعتباري.
المادة 20 تتعلق بمعاقبة انتحال الهوية الالكترونية للغير واستعمال معطيات من شانها التعرف عليه بقصد تهديد طمأنينة المعني بها او طمأنينة الغير
المادة 21 تتعلق بمعاقبة ابتزاز أي شخص عن طريق التهديد بنشر أي تسجيل او صورة او حوار ذو طابع جنسي او غيره.
المادة 22 تتعلق بمعاقبة نشر العنف والاعتداء على اشخاص.
المادة 23 تتعلق بمعاقبة نشر محتوى عنيف من شانه المس بالسلامة النفسية او الجسدية للقاصرين او ذوي العاهات العقلية.
المادة 24 تتعلق بمعاقبة نشر محتوى اباحي موجه للقاصرين.
المادة 25 تتعلق بمعاقبة نشر محتوى يحرض القاصرين على المشاركة في العاب خطيرة.وأنه يتبين من 24 مادة من القانون 20-22 أنها كلها يتعلق بمعاقبة أفعال لها طابع اجرامي خطير لا يختلف أي أحد على ضرورة إصدار قانون يحمي المجتمع وافراده من تلك الجرائم.
ولكن الغضب انصب على المادة 14 التي تتكلم على المعاقبة على الدعوة لمقاطعة المنتجات او البضائع او الخدمات. فهذه المادة أمام رفضها المعلن:
إن الإرادة في تنظيم مجال معين لم يكن سابقا خاضعا لأي تنظيم, ومنها مجال شبكات التواصل الاجتماعي, يجب أن تستحضر أن تقنين حق سبق للمواطن ان مارسه بدون أي رقابة أو تنظيم, يستوجب على الدولة أن تحدث بالموازاة مع ذلك, آليات تشجيع المعنيين به للدخول في المنظومة القانونية الجديدة التي ستنظم ذلك القطاع وذلك:
وذلك مقابل الالتزامات الجديدة التي سيدخلها القانون على طريقة اشتغال شبكات التواصل الاجتماعي من أجل الإسراع بإدماج هذا القطاع الواعد في النسيج الاقتصادي المغربي بالنظر لما يختزنه من طاقات شابة وخلاقة وموهوبة في مجال المعلوميات , حتى لا يقع ضحية لاستغلال من أنواع مختلفة ضدا على المصلحة العامة لكل المواطنين و المواطنات.