السياسة

حكومة التقنقراط ممكنة دستوريا

دافقير يونس الثلاثاء 26 مايو 2020
constitution-marocaine
constitution-marocaine

AHDATH.INFO

لاشيء في الدستور يمنع تشكيل حكومة غير حزبية، وحكومة التقنقراط لا توجد فوق الدستور ولا خارجه، إنها في صميم الشرعية والمشروعية الدستورية.

صحيح أن الفصل 47 من الدستور ينص على أنه «يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها». لكن الواضح أيضا، أن هذا الفصل ينظم كيفية على تشكيل الحكومة مباشرة بعد إجراء الانتخابات، غير أنه يترك فراغات دستورية بالنسبة لحالات حكومية أخرى.

وإذا كان المشرع الدستوري، قد سحب من الملك سلطة إقالة رئيس الحكومة، كما كانت لديه في دستور 1996، ولم يترك إلا إمكانية واحدة هي تقديم الرئيس لاستقالته، فإنه وفي المقابل نص في نفس الفصل على أنه «يترتب عن استقالة رئيس الحكومة، إعفاء الحكومة بكاملها من لدن الملك».

ولا ينظم الدستور، كيفية تشكيل الحكومة في حال إعفائها من طرف الملك بعد استقالة رئيس الحكومة، عكس الوضوح الذي ينظم به الحالة التي يتم فيها حل البرلمان أو أحد مجلسيه وبالتالي انتهاء مدة اللاحية الدستورية والسياسية للحكومة.

وقد نص الفصل 96 من الدستور على أنه «للملك، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، أن يحل بظهير المجلسين معا أو أحدهما» ويترتب عن ذلك إجراء انتخابات سابقة لأوانها بناء على الفصل 97 الذي ينص على أنه «يتم انتخاب البرلمان الجديد أو المجلس الجيد في ظرف شهرين على الأكثر بعد تاريخ الحل».

ومن الواضح هنا، أن سيناريو الإنتخابات السابقة لأوانها لا يسمح دستوريا بتشكيل حكومة تقنقراط، لأن تطبيق الفصل 97 من الدستور سيقود مباشرة إلى الفصل 47 الذي يفرض أن يتم تعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائر في الانتخابات.

لكن الأمر ليس كذلك في حال تقديم رئيس الحكومة لاستقالته، وبالتالي إعفاء الحكومة. ففي هذه الحالة هناك خياران أحدهما ممكن واقعيا والآخر غير ممكن سياسيا.

في سيناريو التأويل السياسي، سيقول البعض إن قراءة مستجدة للفصل 47 من الدستور تفرض على الملك أن يعود إلى الحزب الأول في مجلس النواب لتكليفه بتشكيل الحكومة، وقد يكلف رئيس الحكومة الذي أعفيت حكومته أو يكلف شخصية أخرى من نفس الحزب.

لكن هذا السيناريو، وفضلا عن أنه غير إلزامي دستوريا مادامت الإلزامية تنصب على تشكيل الحكومة الأولى بعد الانتخابات مباشرة، هو مدخل لاجترار نفس الأجواء السياسية ونفس الأسباب التي أدت إلى استقالة رئيس الحكومة وإعفاء حكومته.

وبطبيعة الحال، لا يسمح الدستور باللجوء إلى الحزب الثاني في الانتخابات ولا الثالث، وإلا سيصبح الفصل 47 من دون معنى.

والسيناريو الواقعي، المتحرر من قيود الفصل 47 ومن التزامات الفصل 97، بعد استقالة رئيس الحكومة وإعفاء حكومته، هو تكليف شخصية وطنية بتشكيل حكومة كفاءات غير حزبية، تكون وظيفتها التحضير لإجراء الانتخابات داخل أجل تتوافق حوله الأمة، مادام أن الدستور لا يحدد أجلا لتشكيل الحكومة في حالة إعفائها إثر استقالة رئيسها.

وبهذا نكون في قلب الدستور وليس في خارجه، وتكون حكومة التقنقراط عودة إلى الدستور ومساعدة له وليست انقلابا عليه. والظاهر والحالة هذه، أن خطاب «احترام الدستور» مردود على أصحابه، وينم عن تهافت سياسي يجعل الدستور غاية انتهازية وليس وثيقة سامية.