آراء وأعمدة

كورونا والقضاء.. مجابهة مسطرية

طه بلحاج الأربعاء 27 مايو 2020
TRIBUNAL
TRIBUNAL

مما لا شك فيه أن وباء كورونا المستجد على الساحة الوطنية والدولية أرخى بظلاله على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين ولدول أجمعين، حيث عطل مجموعة من الاستحقاقات العلمية والخدمات الإدارية والمعاملات الاقتصادية الدولية والداخلية، كما أثر بشكل مباشر على حرية التنقل والتجوال وطنياً ودولياً بسبب إجراءات الحجر الصحي التي سلكتها مختلف دول العالم التي انتشر بها الوباء من أجل تطويق المرض والحد من سرعة انتشاره بعد إعلان منظمة الصحة العالمية أن وباء كوفيد-19-  بات وباء عالمي، داعية بذلك مختلف الدول اتخاد التدابير الاحترازية والوقائية للحد من تفاقمه.

لا ريب فيه أن القضاء المغربي والمقارن والتشريع كذلك في ظل هذه المستجدات سيكونان حاليا وفي المستقبل القريب أمام محك حقيقي مع قضايا ومنازعات قانونية ذات الصلة بفيروس كورونا، سواء كانت ذات طبيعة مدنية، اجتماعية واقتصادية وإدارية،  منصبة على القواعد الموضوعية أو المسطرية لحماية حقوق الأشخاص من جهة، ومن جهة أخرى لحماية الصحة العامة التي تعتبر من مقومات النظام العام، الأمر الذي يبرز أهمية الدور الذي سوف يلعبه الاجتهاد القضائي في التوفيق بين حماية الصحة العامة للجماعة وحماية حقوق الأفراد.

واستناداً إلى مقولة أن الحقوق تحمى بالإجراءات لا بالموضوع، كان لزاما الالتفات إلى ما لهذا الوباء العالمي من آثار قانونية على الإجراءات المدنية، خاصة منها ما يرتبط بآجال الطعون، لارتباطها الوثيق من جهة أولى، بحقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة، ومن جهة ثانية، على ما يرتبه انصرام مددها من وقع بليغ على تلك الحقوق.

وعليه ماهي أهم آثار انتشار وباء كورونا على الزمن في قانون المسطرة المدنية؟

أعلنت مؤخراً العديد من الدول ومن ضمنهم المغرب، جملة من الإجراءات والتدابير التي من شأنها تقليص العمل بالمحاكم بغية الحد من انتشار وتفشي جائحة فيروس كورونا، ومن المتوقع ربما أن تتزايد حدة هذه الإجراءات، بما يؤدي إلى تعطيل جزئي أو كلي لعمل المحاكم.

وأمام هذا الوضع يطرح الكثيرون جملة من التساؤلات حول تأثير هذا الفيروس العالمي، على مواعيد الطعون استئنافا ونقضا سيما إن هذه المدد، مدد إسقاط، من متعلقات نظام العام. لكن الاجتهادات القضائية العليا في بعض الدول العربية، جرت على إيجاد حلول لهذه المسألة، بأن فتحت الباب لسلطة التقديرية للهيئات القضائية فمحكمة النقض المصرية أكدت على وجوب وقف ميعاد الطعن أثناء القوة القاهرة، وقياسا في الحالة التي يكون فيها انتشار فيروس كوفيد-19- حائلا دون ممارسة المتقاضين لحقوقهم في الطعن داخل مواعيد المقررة قانوناً، وذلك من خلال تخويل المحاكم في ضوء ما تراه من وقائع وظروف أن تعمد و تحقيقا للعدالة إلى دراسة واقع كل قضية على حدة، لتقرر ما إذا كان تعطل عمل المحاكم بسبب انتشار هذا الفيروس، في منطقة معينة، سبباً لاعتبار هذا الفيروس وما يترتب على منع انتشاره قوة قاهرة تحول دون تمكين الطاعنين من القيام بإجراءات الطعن، والتقرير بوقف سريان الميعاد تبعاً لذلك، مع ترتيب آثار الوقف، بأن لا تحسب المدة التي وقف سير الميعاد خلالها ضمن مدة السقوط، وإنما تعتبر المدة السابقة على الوقف معلقة حتى يزول سببه، فإذا زال يستأنف سير الميعاد وتضاف المدة السابقة على الوقف إلى المدة اللاحقة عند احتساب الطعن. (مرسوم بقانون صدر بالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 24مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، رقم 2.20.292.0)

وبموجب المادة السادسة من هذا المرسوم بقانون، فإن جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية، سواء في قوانين الشكل أو قوانين الموضوع، وكذا النصوص التنظيمية، سيتوقف احتسابها، وسيستمر هذا التوقف طيلة فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها، وإلى غاية الإعلان الرسمي عن رفع هذه الحالة، حيث سيستأنف احتساب الأجل ابتداء من اليوم الموالي لرفع الحالة المذكورة.

وبموجب الفقرة الثانية من هذه المادة، فإن آجال الطعن بالاستئناف الخاصة بالقضايا المتابع فيها أشخاص في حالة اعتقال،وكذا مدد الحراسة النظرية ومدد الاعتقال الاحتياطي المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية، لن يتوقف احتسابها خلال فترة حالة الطوارئ الصحية، وستبقى مستثناه من مقتضى الوقف المنصوص عليها في الفقرة الأولى.

أمل الأبيض