مجتمع

كورونا والجفاف.. هل يتخلف المغاربة عن عيد الأضحى؟

طه بلحاج الأربعاء 27 مايو 2020
OUA_MOUTONS
OUA_MOUTONS

AHDATH.INFO

فعلها الراحل الحسن الثاني رحمه الله ثلاث مرات، سنوات 1963 و1981 و1996، وتحمل مسؤولية الدعوة إلى إلغاء الاحتفال بعيد الأضحى المبارك. العلة التي استند إليها الملك الراحل، بصفته أميرا للمؤمنين، هي الضرورة، وكانت علة هذا القرار في صلب الشعيرة مرتبطة بالقوة القاهرة والعسر الذي يجعل عددا كبيرا من المواطنين في ورطة الإكراه الاجتماعي أكثر من الديني، وتتحمل فيه فئة كبيرة منهم عناء البحث عن «الحولي» مكرهة، ولا تستطيع تقمص دور غير القادر أمام سلطة اجتماعية نافذة أكثر من العلة الدينية.

وزارة الفلاحة تستعد

هذه السنة، وحسب المعطيات التي قدمها عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، فإن هناك تعاونا ثنائيا بين وزارتي الداخلية والفلاحة لبحث سبل تدبير أسواق الماشية استعدادا لعيد الأضحى.

وأضاف أخنوش، الذي كان يتحدث في مجلس المستشارين، أن عيد الأضحى يحتاج إلى اللوجستيك الذي يجب أن نستعد له، موضحا أن المشكل لا يتعلق بالعيد داخل المنازل، بل بتنظيم أسواق الماشية التي تعرف الاكتظاظ، وهو ما تعمل وزارة الفلاحة عليه لضمان مرور عيد الأضحى في أحسن الظروف على حد قوله، مشيرا إلى أن المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية قام بتلقيح 2 مليون و600 ألف رأس من الأغنام.

ما قدمه أخنوش يرتبط بالسوق وليس من صلاحياته التصريح بغير ذلك، غير أن عناوين المتابعة لهذا الكلام في مواقع التواصل الاجتماعي كشفت أن عددا كبيرا من المغاربة ينتظرون إشارة ما تعفيهم من مناسبة مكلفة تضع المعسرين منهم في ورطة حقيقية.

متضررون متعددون في حاجة إلى المعطيات المرتبطة بعيد هذه السنة، والتي تجعله  أصعب عيد لأنه عيد جائحة استثنائية دفعت العالم للاختباء والتباعد، وتسببت ظروف الحجر الصحي في فقدان ملايين الفرص من الشغل، وتسببت تأثيراتها الاقتصادية على مدخول أغلب الأسر، ووضعت الأغلبية الغالبة في زاوية العسر المعمم، والأرقام التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط عن تراجع مداخيل الأسر المغربية والأرقام المهولة التي كشفتها لوائح المستفيدين من دعم صندوق كورونا، تؤكد أن الوضعية صعبة.

وزير الفلاحة عزيز أخنوش بمجلس المستشارين

خسائر وتدابير وقائية

وإذا كانت الأرقام التي قدمها وزير الفلاحة عن القطيع مطمئنة، فإن ما وصفها بالجوانب اللوجيستيكية تزيد من علامات استفهام حول الظروف المتاحة لهذا الاحتفال في شقه المادي.

حالات الاكتظاظ والازدحام التي تعرفها هذه المناسبة، وهي الوضعية المناسبة لانتعاش فيروس كورونا، جعلت عددا من المسؤولين بالإدارة الترابية يتخوفون من إمكانيات حدوث مأساة ما دام الفيروس يتربص بالناس لحد الآن. تعدد المتضررين، بدءا من اليد العاملة، التي وجدت نفسها في وضعية عطالة منذ بداية الحجر الصحي، واستمرار العديد من الحرف في التوقف، ولا يبدو معها أن عجلة تدوير النشاط الاقتصادي ستكون يسيرة في العديد من المهن، وستجد صعوبة في استعادة كل اليد العاملة… عوامل ستجعل ملايين الأسر التي تعاني بشكل طبيعي مع كل عيد، في مواجهة أعباء مضاعفة، إن لم تكن مستحيلة.

وهو ما أكده عزيز أخنوش نفسه عندما أشار إلى أن المشكل يتعلق بتنظيم أسواق المواشي التي تعرف اكتظاظا من طرف المغاربة. هذه الأسواق تحتاج إلى تطبيق تدابير وقائية واحترازية لضمان مرور العديد في ظروف عادية لا تتأثر بانتشار الفيروس ولا تصطدم بانتشار العدوى أو خلق بؤر وبائية.

من جهتهم الكسابة، الذين واجهوا صعوبات في توفير العلف للماشية التي تتهيأ لهذه المناسبة، سيعانون، طبعا، مع هذا العيد، ففي حال فتح الأسواق سيجدون أنفسهم أمام طلب غير متحمس ومتضرر، وإن استمرت عادة تحكم الوسطاء في الأسواق فستكون محنتهم مضاعفة، ولذلك تنبه الفلاحون لذلك ودعت الجمعية المغربية للتنمية الفلاحية، على لسان رئيسها، السلطات الفلاحية بالمغرب إلى «التدخل لتأمين تسويق الكسابة لماشيتهم بشكل مباشر ومن دون وسطاء لتحقيق هامش ربح متحكم فيه كفيل بتعويض الخسائر الفادحة التي تكبدوها في الإنتاج من جراء أزمة كورونا».

ويرى الفلاحون الكسابة أنه بات من الآن على السلطات المختصة التفكير في السبل الناجعة لتدبير عملية عيد الأضحى بالشكل الذي يوازن تعويضهم عن الأضرار، التي تعرضوا لها في هذه المرحلة الحرجة ويراعي القدرة الشرائية الضعيفة للمستهلك المغربي.

ذكرى هذه السنة تذكر المغاربة بإلغاء احتفالهم بـ«العيد الكبير» بشكل رسمي ثلاث مرات من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، وذلك لأسباب مختلفة، على الرغم من أنها سنة مؤكدة في الشريعة الإسلامية.

حرب الرمال

في أكتوبر من عام 1963 بسبب مشاكل حدودية، وذلك بعد عدة شهور من المناوشات بين البلدين، اندلعت الحرب المفتوحة في ضواحي منطقة تندوف وحاسي بيضة، ثم انتشرت إلى فكيك واستمرت لأيام معدودة.

وسميت هذه الحرب بـ«حرب الرمال» التي استنزفت المغرب اقتصاديا، ما أدى إلى أزمة مالية خانقة أرخت بظلالها على جل المغاربة، حينها صدر قرار ملكي من قبل الراحل الحسن الثاني يمنع بموجبه المغاربة من ممارسة هذه الشعيرة رأفة بالعباد والضعفاء منهم على الخصوص.

جفاف غير مسبوق

في العام 1981، اتخذ العاهل الراحل القرار نفسه، ولكن هذه المرة بسبب الجفاف الذي ضرب البلاد، والذي تسبب في نفوق الكثير من الأنعام، يضاف إلى ذلك الوضعية الاقتصادية الصعبة التي كان يعيشها المغاربة مع التقويم الهيكلي، ناهيك عن ارتفاع الديون الخارجية.

وخلال هذه السنة كان هناك توتر اجتماعي كبير وتداخل الديني والاجتماعي والسياسي، وتحول العيد إلى ساحة لتصفية المواقف، ولم تكن العلة من الإلغاء نافدة بالرغم من وجاهتها المرتبطة بالعسر الذي كانت تعيشه الأسر المغربية حينها، ولذلك كانت الدعوة لإلغاء عيد هذه السنة مثار تجاذب سياسي كبير.

الجفاف مرة أخرى

كانت السنوات الأخيرة من حكم الراحل الحسن الثاني كبدايتها، في سنة 1996 سيتلو الراحل عبد الكبير العلوي المدغري، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، حينها رسالة الحسن الثاني رحمه الله، التي يقول فيها «نهيب بشعبنا العزيز ألا يقيم شعيرة ذبح أضحية العيد في هذه السنة للضرورة».

وستكون هذه هي المرة الثالثة، التي يلغى فيها عيد الأضحى، وذلك بعد أن توالت موجات الجفاف خلال الأعوام اللاحقة بدرجات متفاوتة، إلا أن حدتها زادت أكثر خلال سنة 1995 ليتم الإعلان حينها عن مرور المغرب من «سنة كارثة وطنية» بسبب ندرة التساقطات المطرية.

وتحدثت الرسالة الملكية حينها عن كون «ذبح الأضحية سنة مؤكدة لكن إقامتها في هذه الظروف الصعبة من شأنه أن يتسبب في ضرر محقق». وتابع الملك الراحل رحمة الله عليه أن ذبح الأضاحي سيؤثر على مخزون المغرب منها، زيادة على ما سيطرأ على أسعارها من ارتفاع «يضر بالغالبية العظمى من أبناء الشعب المغربي، لا سيما ذوي الدخل المحدود».

وقرر الملك ذبح كبش العيد نيابة عن المغاربة الذين التزمت غالبيتهم بهذا المنع، رغم  أن وسائل إعلام مغربية تحدثت عن انتشار بعض العمليات السرية للذبح.

عبد الكبير اخشيشن