السياسة

بقايا حكومة كانت سياسية

دافقير يونس الخميس 28 مايو 2020
Le Chef du gouvernement, M. Sa‚d Eddine El Otmani tient par vidÈoconfÈrence, une rÈunion consultative avec les chefs de partis politiques-KA
Le Chef du gouvernement, M. Sa‚d Eddine El Otmani tient par vidÈoconfÈrence, une rÈunion consultative avec les chefs de partis politiques-KA

AHDATH.INFO

بتاريخ 17 مارس 2017 عين الملك محمد السادس سعد الدين العثماني رئيسا مكلفا بتشكيل الحكومة بناء على نتائج انتخابات سابع أكتوبر 2016. أسبوعان بعد ذلك سيعين الملك باقي أعضاء الحكومة، الحكومة الجديدة ضمت في عضويتها 38 وزيرا بما فيهم الرئيس.

في هذه التشكيلة نجد ستة أحزاب هي العدالة والتنمية، التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية، الاتحاد الاشتراكي، الاتحاد الدستوري، التقدم والاشتراكية، هؤلاء هيمنوا على 31 عضوا، بينما ضمت الحكومة سبعة وزراء تقنقراط فقط.

نطرح الآن السؤال: ما الذي تبقى من هذه الحكومة؟ وهل حافظت على توازنها الأول بين الوزراء الحزبيين والوزراء التقنقراط؟

زلزال سياسي يسقط أربعة وزراء

عند تعيين الحكومة بلغت احتجاجات بعض التعبيرات الاجتماعية أوجها، الغضب يتسرب إلى علاقة الملك بحكومته وبالسياسيين عموما، أربعة أشهر بعد تعيين الحكومة، سيلقي الملك خطاب العرش الشهير يوم 29 يوليوز 2017، في هذا الخطاب يعلن ملك المغرب فقدانه الثقة في السياسيين.

المهم أن الخطاب ستعقبه انتظارات وتوقعات في أوساط الرأي العام، الكثير من التحليلات ذهبت إلى توقع أن يتم حل البرلمان وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، آخرون توقعوا إعلان حالة الحصار أو حالة الاستثناء، «سقف العقاب» المتوقع أظهر أن الجميع لم يعد يرغب في الحكومة وينتظر أن تنزل بها أقصى العقوبات. وفي تلك الفترة

ستنطلق تحقيقات المجلس الأعلى للحسابات في اختلالات برنامج «الحسيمة منارة المتوسط».

ظلت الأجواء مكهربة شهر غشت، وفي شتنبر من سنة 2017 سيجمع العثماني أغلبيته لتوقيع ميثاق التحالف بين الأحزاب الستة، في أجواء حماسية، سيعلن العثماني أن حكومته لن تتعرض لأي عقاب، وأن أيا من وزرائه لن تتم إقالته.

لكن حسابات العثماني لم تكن دقيقة، أو أنه لم يكن على اطلاع بما يجري تحضيره، الملك سيستقبل إدريس جطو، الذي سيسلمه تقرير الحسيمة، خلاصات التقرير تشير إلى أن وزراء يتحملون المسؤولية فيما وقع. مباشرة بعد التقرير ستتلقى حكومة العثماني صفعة مدوية.

لاغ للديوان الملكي يعلن زلزالا سياسيا، الملك محمد السادس يعفي أربعة وزراء من حكومة العثماني دفعة واحدة، المعفيون ذوو وزن ثقيل، محمد حصاد وزير التربية الوطنية وزير الداخلية السابق وابن دار المخزن، نبيل بنعبد الله أمين عام حزب التقدم والاشتراكية بصفته وزيرا للسكنى، الحسين الوردي، الذي ظل ابن كيران يقدمه كأحسن وزير للصحة واعتبره العثماني حصانا رابحا احتفظ به في حكومته، بالإضافة إلى كاتب الدولة في التكوين المهني الطيب بن الشيخ…

انضبط العثماني لهذا القرار الذي لم يتوقعه وأحرجه أمام حزبه وحلفائه وأمام الرأي العام، وبينما انطلق في مشاورات جديدة لإجراء تعديل حكومي إجباري، ستدخل حكومته في متاهات انتظار دام قرابة أربعة أشهر، ومن شتنبر تاريخ الإعفاءات لن يتم تعيين الوزراء الجدد إلا شهر يناير من سنة 2018.

في التعديل الحكومي سينخفض الوزن السياسي للحكومة بعد أن غادرها وزراء حزبيون، على رأسهم أمين عام التقدم والاشتراكية، في المقابل سيعزز التقنقراط حضورهم في هذه الحكومة بعد أن دخل إليها محسن الجزولي في وزارة الخارجية، وسعيد أمزازي، الذي سيتم استوزاره باسم الحركة الشعبية…

 

حكومة العثماني بعد تقليص عدد أعضائها

تعديل حكومي يعصف بنصف الوزراء السياسيين

بدأت الحكومة في الاشتغال، لكن الأجواء داخلها ليست مستقرة، بين الفينة والأخرى تشتعل المواجهة بين التجمع الوطن للأحرار وبين العدالة والتنمية أو بين الأخير والاتحاد الاشتراكي، لكن مواجهة أخرى ستندلع بين أقرب حلفاء الأمس، في الحكومة سيتقرر إلغاء منصب كتابة الدولة في الماء الذي يشغله التقدم والاشتراكية، الحدث سحب وزيرا سياسيا آخر من الحكومة، وأشعل مواجهة حادة بين رفاق بنعبد الله وإخوان العثماني، أسابيع أخرى من الخلل في الانسجام والاستقرار بين مكونات الحكومة.

تدور عجلة الزمن قليلا، وفجأة وفي أقل من سبعة أشهر على استكمال الحكومة، سيعصف تعديل حكومي مباغت بوزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، الحقيبة الوزارية ستعود إلى التجمع الوطني للأحرار، لكن الحكومة ستفقد سياسيا آخر: بوسعيد الذي سيحل محله تقنوقراطي آخر هو محمد بنشعبون، الذي سيدخل الحكومة بقميص التجمعيين.

من جديد تبدأ آلة الحكومة في الدوران، لكن الخلافات بين أعضائها ستتفاقم، في خطاب العرش لسنة 2019 أي سنتين فقط عقب خطاب الزلزال السياسي ،الذي سيعصف لاحقا بخمسة وزراء، سيدعو الملك محمد السادس إلى تعديل حكومي جديد يراعي الكفاءة، كانت الكفاءة تعني نقدا لتضخم السياسيين ونقص الخبرات، وهذا باب آخر فتح لخفض الوزن السياسي داخل الحكومة، لكن وقبل الوصول إلى التعديل الحكومي، ستعيش الحكومة انفجارا سياسيا آخر.

رفاق نبيل بنعبد الله سيجتمعون لإعلان انسحابهم من الحكومة، التحالف الحكومي يفقد أحد مكوناته السياسية ويتقلص عدده إلى خمسة أحزاب، ورغم أن حقائب التقدم والاشتراكية ستؤول إلى الحركة الشعبية، إلا أن هذا الانسحاب كان يعني أن النزيف السياسي في الحكومة لم يتوقف، وأن الأزمة فيه بين البيجيدي والتجمع ما هي إلا وجه ظاهر.

وزراء عوضوا أعضاء الحكومة الذين تم إعفاؤهم بعد الزلزال السياسي

شهر أكتوبر من سنة 2019 ستتلقى حكومة العثماني، التي تم تشكيلها سنة 2017، الضربة الأقوى، التعديل الحكومي سيعصف بنصف أعضاء الحكومة، ومن 38 وزيرا سينخفض العدد إلى 24 وزيرا فقط، التقليص تم تبريره بمنطق الكفاءة وتشكيل فريق عمل وأقطاب وزارية، كانت هذه الحكومة نواة صلبة للفعل التقنقراطي.

وبالفعل في هذه الحكومة حافظ الوزراء التقنقراط على سبعة مقاعد من أصل 24 وزيرا، أي أن عددهم مقارنة بحكومة 2017 لم يتراجع، وفي المقابل فقد السياسيون قرابة نصف حصتهم في الحكومة، ومن 31 وزيرا سينخفض عددهم إلى 18 وزيرا فقط.

وحتى هذا التعديل لم يكن الأخير، شهر أبريل من سنة 2020 أي بعد أقل من سنة على آخر تعديل حكومي، ستتعرض الحكومة لتعديل جديد، سيغادرها وزير الثقافة والرياضة الناطق الرسمي باسم الحكومة، وسيلتحق بها عثمان الفردوس من نفس الحزب، الحقيبة الوزارية سيتم تقسيمها بين مهمة الناطق الرسمي التي ستؤول إلى وزير التربية الوطنية سعيد أمزازي، وبين الثقافة والشباب والرياضة التي سيتسلمها الفردوس.

لقد كانت حكوم سعد الدين العثماني محطة لتعزيز الحضور التقنقراطي، وطيلة هذه الفترة كان الوزراء التقنقراط هم الذين يمسكون بالملفات الوزارية الأساسية، أما الأحزاب فانحصرت وظيفتها في توفير الغطاء السياسي لتدبير حكومي تقنقراطي. وتكفي العودة إلى تفاصيل الخطب الملكية منذ 2017 إلى اليوم في مجالات التعليم والتكوين المهني والصحة والتشغيل والمقاولات وتمويل الاقتصاد… لنعرف أننا أمام حكومة أنيطت بها وظائف تقنية وتنفيذية وليس إنتاج مشاريع سياسية كبرى.

وفي النتيجة لم يبق من الحكومة السياسية سوى ثلث حكومي شبه سياسي، ومع ذلك، مازال هناك من يعتبر الدعوة إلى حكومة إنقاذ تقنقراطي انقلابا على السياسة وعلى الخيار الديمقراطي، وكأن الديمقراطية والدستور يختزلان في بضعة وزراء في الحكومة، وكما لو أننا نعيش اليوم في جنة الحكومة السياسية وليس في ترقيع حكومي تقنقراطي.