ثقافة وفن

أوريد يرصد السؤال الثقافي لجائحة كورونا

تغطية: أسامة الزكاري الاثنين 01 يونيو 2020
حسن اوريد: نشكوا من مخلفات تربية دينية أو  مخلفات مدرسة فرنسية... تعليمنا نظري .
حسن اوريد: نشكوا من مخلفات تربية دينية أو مخلفات مدرسة فرنسية... تعليمنا نظري .

Ahdath.info

 

تحول اللقاء الثقافي الذي نظمته جمعية "تميز" مؤخرا، إلى منتدى ثقافي مفتوح من أجل مقاربة الارتدادات المسترسلة لجائحة كورونا على مجمل الأنساق الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية للمغرب الراهن.

ويعود التفكير في تنظيم هذا اللقاء في موضوع "السؤال الثقافي: القيم وزمن الجوائح"، إلى اعتبارات متداخلة مرتبطة بضغط السياق، وبالتباس الأفق، وبانتشار حالة من القلق المعمم الذي أضحى جاثما على واقع البشرية وعلى انتظاراتها المستقبلية.

والحقيقة، إن اللقاء الذي نظم عن بعد، شكل مناسبة للاستماع إلى مقاربة المفكر حسن أوريد، من موقعه كباحث أكاديمي، وكمثقف منشغل برصد تحولات المشهد الثقافي والقيمي ببلادنا، في علاقة ذلك بمختلف أوجه التدافع المجتمعي والسياسي التي يعرفها المغرب، ومعه مجموع دول العالم.

لذلك، فقد استطاع الأستاذ أوريد وضع تصور نظري متين، تجاوز حدود رصد تداعيات الجائحة على الواقع المغربي الراهن، إلى مستوى البحث في السياقات الدولية المؤطرة للحدث. وهي السياقات التي اكتست أبعادا متداخلة جمعت بين الهواجس المجالية والاستراتيجية والسياسية والثقافية والاقتصادية والبيئية.

وإذا كان الأستاذ حسن أوريد قد ظل وفيا لولعه بدرس التاريخ، وهو يربط الحدث بسيرورة تدفق وقائع المرحلة الراهنة، بدءا من تبعات زلزال انهيار جدار برلين وسقوط المنظومة الاشتراكية، مرورا بسياقات بروز تيار العولمة الجارف وانخراط العالم في مسار إضفاء بعد إجرائي على أدواتها المؤطرة للمواقف وللمبادرات وللسياسات، وانتهاءا بمآلات انحسار مشاريع الليبرالية المتوحشة خاصة عقب الأزمة الاقتصادية الخطيرة لسنة 2008، فإن السياق المغربي المحلي لم يكن ليبقى بعيدا عن التأثر بهذه التطورات.

لقد تحدث الأستاذ أوريد عن جائحة كورونا وهو يؤكد على دورها الكبير في إحداث انعطافة كبرى في تركيبة العلاقات الدولية، بالنظر لحجم التغيير الذي أضحت تدخله على التراتبية في علاقة القوى العظمى ببعضها البعض، في سياق انبثاق معالم اندلاع حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

لقد انتبه الأستاذ أوريد إلى أن العالم أضحى يعيش مرحلة اللايقين الناجم عن تعميم هواجس التوجس والريبة. وتأكد ذلك مع تزايد حدة الانتقادات الموجهة لمنطلقات الهيمنة واللاتوازن التي كرسها تيار العولمة على الساحة الدولية، بالنظر لارتباطه بمصالح الدول الغنية التي ازدادت غنى وتسلطا، في مقابل تزايد مخاطر الفقر والهشاشة وانحسار مشاريع التحديث في دول الجنوب.

وتأكد ذلك مع الهزات العنيفة التي حملتها ارتدادات جائحة كورونا داخل نظيمة القيم، من خلال التأكيد على عجز التطور العلمي الحديث عن مواجهة الكارثة، ومن خلال عزل منطلقات التغيير عن أسسها المعرفية والمجتمعية القيمية، بعد أن تم اختزال التحديث في بعده التقني المحض.

وبرؤية المفكر الملتفت لكل التفاصيل، ركز الأستاذ أوريد على منطلقات تجاوز انغلاق المرحلة، من خلال جرأة فكرية على إثارة قضايا مركزية في إعادة ترتيب موازين القوى على الساحة الدولية.

في هذا الإطار، كان تركيزه واضحا على الدعوة لأنسنة العولمة، وعلى الدعوة لإيجاد عقد اجتماعي جديد مع الطبيعة، وإلى إعادة الاعتبار للعلاقات القيمية بين المجتمعات البشرية من خلال بلورة قيم مشتركة ورؤى مغايرة للذات وللعالم.

وداخل هذا المسار العام، انتبه الأستاذ أوريد إلى أن المغرب والعالم أضحى في حاجة إلى فئة من المثقفين تمتلك جرأة طرح الأسئلة الحقيقية التي تقول للنظام: "كفى"، في سعيها المتواصل لمواجهة أي ردة عن الديمقراطية وفي ظل تدهور اقتصادي واضح يوفر للدولة المبررات الكافية للتسلط وللهيمنة.

وإذا كانت مداخلة الأستاذ أوريد قد قدمت تصورا نظريا متينا في مقاربة أنساق القيم الثقافية المهيمنة، فإن التعقيبات التي ساهم بها الأساتذة أمين الكوهن ومحمد جليد وأسامة الزكاري، ساهمت في إعادة تسليط الضوء على الجزئيات المتفرعة عن التصور المركزي الذي انبنت مداخلة الأستاذ أوريد عليه، وخاصة في جوانبها المرتبطة بالتفسيرات التاريخية لمرحلة القطائع الكبرى التي يقوم عليها فعل التحقيب التاريخي لماضي البشرية، وقضايا البيئة، وموقع المثقف داخل فعل التغيير، ومآل انتكاسات العولمة مع تصاعد نزوعات الانغلاق على الذات داخل الدولة القطرية، وفشل مشاريع التحديث التقاني.

هي أسئلة الراهن التي تستشرف المستقبل، من أجل تجاوز كل ردود الأفعال السريعة تجاه ما يقع الآن من ضغط رهيب، تشكل جائحة كورونا إحدى أهم عناصر تأجيج بواطنه المرتبطة بتناقضات النظام العالمي ومظاهر الخلل التي تطبع بناه.