آراء وأعمدة

أيوب العياسي يكتب: كيف حالك؟

طه بلحاج الجمعة 05 يونيو 2020
Ayoub_EL_AIASSI 2019
Ayoub_EL_AIASSI 2019

AHDATH.INFO

كل خميس صباحا تدعونا الفيلسوفة البروكسيلية باسكال سايس على إذاعة «موزيك 3» أن نتقاسم معها على مدى ثلاث دقائق، السؤال الفلسفي، الذي يوقف الزمن، يجمع بيننا منتجا المعنى وبالتالي يساعدنا على العيش... ولقد أصدرت الجزء الثاني من مؤلفها الذي يجمع نصوص حلقات البرنامج الإذاعي، تحت عنوان «الفلسفة المتسكعة». وكرونيك هذه الفيلسوفة يتقاسمها عبر العالم عدد هائل من المعجبين على صفحات الأنتيرنيت.

شخصيا، سرت مدمنا على هذا البرنامج منذ مدة وتلهمني الكثير من الأسئلة التي يطرحها إلى إنتاج تحليلات شخصية مرتبطة بالمجتمع الذي أعيش فيه. كما يمكنني البرنامج في كثير من الأحيان من اكتساب معلومة جديدة أو تعميق بعض المكتسبات والمعارف المتعلقة بمجموعة من المفاهيم التي يطرحها للنقاش.

وآخر معلومة استفدتها من خلال البرنامج هي أن سؤال الفرنسيين الذي معناه: «كيف حالك» ومنطوقه إذا ترجمناه حرفيا هو: «كيف تذهب؟»، ينحدر من هذا المنطوق و مفاده: «كيف تذهب إلى المرحاض». وذلك اعتبارا لكون صحة الجسم في صحة البطن وما يخرج منها شاهد على حالها. وكل عسر في الهضم أو إسهال هو دليل على مشاكل صحية. وهذا يعني أن الأمور ليست على ما يرام.

بعد هذه المعلومة تنطلق باسكال سايس من خلال نظرية للفيلسوف سلافوج جيجيك في تحليل ثلاث أنواع للمراحيض: الألمانية التي تتعامل بشكل محافظ مع الخراج وتحتاج لوقت في تحليله والتمعن فيه بدقة وهو ما تعكسه هندستها. والفرنسية التي تتعامل بسرعة في التخلص من هذا الخراج بشكل ثوري وحاسم. والأنجلوساكسونية التي، بين النموذجين، تتعامل ببرغماتية مع هذا الخراج كمادة يمكنها أن تطفو على السطح أمام العيان.

هذه النظرية تجعل من هندسة المراحيض حمالة لإيديولوجيات متباينة: الميتافيزيقا الألمانية، السياسة الفرنسية والإقتصاد الإنجليزي. هكذا بالنسبة لجيجاك لا يمكن فصل هندسة المراحيض عن الإيديولوجيا وهو ما جعله ونظريته يشتهران في العالم.

وتستدل باسكال سايس عن استحالة هذا الفصل، بكون مقاول مشهور في زمن النيوليبرالية قد صمم مرحاض يميل إلى الأمام، مما يقلص من راحة الجالسين عليه من موظفيه وينقص من مدة جلوسهم في المرحاض، وفي المقابل تزداد مردوديتهم في العمل. وتتساءل سايس عن علاقة هندسة المراحيض والإيديولوجيات التي تتضمنها بالطريقة التي دبر بها كل نموذج من النماذج الثلاث المذكورة تعامله مع جائحة مرض الكوفيد19.

بدورنا نتذكر أنه قبل اكتساح المراحيض الفرنسية «الرومية»، على منوال المستعمر، كانت المراحيض المغربية المنتشرة في المنازل، مراحيض تقليدية يجلس فيها المغربي القرفصاء ليقضى حاجته. وهذا في حد ذاته فعل متحضر، لأن البدو يقضون حاجتهم في الخلاء...

لقد بدا جليا أن المغرب قرر أن يخرج من تبعيته للغرب وقرر النظر نحو عمقه الإفريقي، بدل النظر دوما نحو النموذج الأوروبي. وإذا كانت المراحيض التقليدية انقرضت تقريبا، فإن ذاكرة الأجساد لازالت تتذكر جلوس القرفصاء. وهذا الجلوس وإن كان يمكن المواطن من التطهر التام بعد قضاء حاجته فإنه يستدعي ربما وقتا أطول في النهوض من المرحاض.

لأسباب صحية وربما لبعض الإستهتار من بعض المواطنين، تم تمديد الحجر الصحي لمرة ثانية، وذلك لغاية 10 يونيو. أي أن الخروج من الحجر لم يكن سهلا بقدر ما كان الدخول إليه مدبرا بعناية وحكمة. وفي أخذ وقتنا للخروج منه كذلك تبصر وروية لعدم المخاطرة بحياة المواطنين، الذين كان يمكن لتحايا العيد وعناقه المتبادل أن يكون كافيا لنسخ كل المجهودات الوقائية السالفة.

بعد الحجر والشهر الفضيل والعدد الهائل من الندوات عن بعد والتحليلات المتكاثرة هنا وهناك، هل سنتمكن في زمن ما بعد فيروس كورونا المستجد أن نلج عالم التقدم، اعتمادا على إمكانياتنا الخاصة و بإفراز نموذج ينهل من خصوصيتنا؟ هل سننهض نحو مغرب جديد تسمو فيه قيم الأحقية والكفاءة وتكافؤ الفرص. فالدرس الكبير الذي قدمه الفيروس أنه ذكرنا بأن الطبيعة ديموقراطية في توزيعها للجائجة والأمراض والكل سواء أمام الإصابة إذا كتبت وقدرت.

لذلك التطبيب للجميع والتعليم للجميع ستظل مطالب أساسية. لماذا التعليم؟ لكي يطبق المواطنون كلهم بشكل سلس ومسؤول التدابير الوقائية اللازمة ويلتزموا بالمكوث في بيوتهم خلال فترة الحجر الصحي. بدل أن تضطر الوصلة التحسيسة لتبرير الحجر الصحي من خلال عبارة: «اللي داروها النهار الأول، راهم عارفين علاش».

علينا أن نمنح للمواطنين مفاتيح الإدراك وإنتاج المعنى وأن يطور المسؤولون في خطابهم، قبل أن يصير سؤال علاش ملحا، وإن لم تتوفر له إيجابات.