ثقافة وفن

المصطفى شكدالي يكتب عن جائحة كورونا و البحث عن النموذج التنموي الجديد بالمغرب.. 2- الكشف عن الأعراض

أحداث انفو الثلاثاء 09 يونيو 2020
mustafa chegdali
mustafa chegdali

Ahdath.info

جاءت الجائحة، ليس فقط للفتك بالإنسان، وإنما كذلك للدفع بهذا الأخير، بطريقة غير مباشرة، إلى إعادة النظر في أسلوب حياته الموغل في الاستهلاك إلى درجة أصبح فيها معنى الوجود لديه مقرونا بمنتوجات استهلاكية.

إن إقرار الحجر المنزلي والطوارئ الصحية وإيقاف التنقل بين الدول والمدن كلها إجراءات إكراهية ملزمة، أخرجت الانسان من أسلوب حياته الاستهلاكي اليومي ودفعت به دفعا نحو العودة الى الذات والبحث في منعرجاتها عن أسلوب جديد للتكيف مع واقع الجائحة.

فإذا كانت هذه الأخيرة موضوعا للكشف الطبي الوبائي، فإنها في المقابل كشفت، بالموازاة مع ذلك، عن عيوب علاقاتنا الاجتماعية الموبوءة بفعل تشييئها للقيم الاجتماعية، وجعلها في المزاد العلني للبيع والشراء. وهو ما يعني أن الكشف عن كورونا في أجساد مصابين بهذا الفيروس جاء متزامنا مع الكشف الذي قامت بها هذه الأخيرة، ضمنيا، عن اختلالات متعددة في مقدمتها ادراكنا المعطوب لممارسة الحياة، والتهافت الدائم للظفر بالمقتنيات وحب المظاهر في غياب مظاهر الحب.

الجائحة والقطاعات غير المهيكلة

وبالرجوع إلى المغرب، فرغم التعبئة و التدابير الاحترازية والحجر الصحي وكل الجهود التي قامت بها الدولة لمحاربة الجائحة، فإن ذلك كله لم يمنع من الكشف عن اختلالات تخص بالأساس التراتبية الاجتماعية على مستوى الهشاشة والفقر وحجم القطاعات غير المهيكلة وعدم توفر التغطية الصحية وغياب الضمان الاجتماعي لفئات كبيرة من المجتمع.

إن إحداث صندوق كورونا لدعم الفئات الاجتماعية الهشة، بقدر ما هو عمل يحمل معاني التآزر والتضامن الاجتماعي، فإنه يِؤشر كذلك على وضعية اقتصادية هشة.

فبالرجوع إلى ما صرح به وزير الاقتصاد والمالية يوم 27 أبريل 2020 قائلا: "إن 4 ملايين و 300 ألف أسرة تعمل في القطاع غير المهيكل ستستفيد من دعم الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا المستجد (كوفيد 19)" ، سنجد أن الأمر يتعلق باعتراف ضمني بحجم الجائحة في شقها الاجتماعي قبل حلولها الوبائي. فإذا افترضنا جدلا أن كل أسرة تتكون من ثلاثة أفراد، فإن الرقم سيتضاعف ليصبح 12 مليون و 900 ألف من المواطنين يعيشون من إيرادات اقتصادية غير مهيكلة، وهو ما يعادل ثلث سكان المجتمع المغربي،ناهيك عن الفئات الأخرى التي بدون عمل ولا أي مداخيل قارة.

هكذا، كشفت الجائحة المستور، لتدفع بنا إلى التساؤل من جديد: أين كانت سياساتنا الاقتصادية والاجتماعية من مسألة القطاعات غير المهيكلة؟ وهل بعد زوال الجائحة في شقها الوبائي ستستمر في شكلها الاجتماعي وكأن شيئا لم يقع؟ ألسنا الآن في موقع المُلزم بتصحيح هذا الوضع ونحن نبحث عن نموذج تنموي جديد؟

إن كشف جائحة كورونا لهذا الخلل الاقتصادي والاجتماعي المرتبط بالقطاعات غير المهيكلة أفضل من الاقتراحات التي تتم في هذا الصدد داخل غرف مكيفة وبعيدا عن ما جادت به جائحة كورونا من دروس سياسية- إجرائية وما تحمله من أبعاد نفسية-اجتماعية وثقافية ترفع من قيمة المواطن نحو العيش الكريم والمساهمة في إغناء المجتمع.

يتبع

المصطفى شكدالي/ أستاذ التعليم العالي مؤهل في علم النفس الاجتماعيبالمعهد العالي الدولي للسياحة بطنجة