ثقافة وفن

شكدالي يكتب.. جائحة كورونا و البحث عن النموذج التنموي الجديد بالمغرب 4- الحاجة إلى العلم والمعرفة

أحداث انفو الخميس 11 يونيو 2020
mustafa chegdali
mustafa chegdali

Ahdath.info

المصطفى شكدالي/أستاذ التعليم العالي مؤهل في علم النفس الاجتماعي

بالمعهد العالي الدولي للسياحة بطنجة

الحاجة إلى العلم، من أهم الحاجيات التي كشفت عنها الجائحة، ليس فقط بالمغرب ولكن في كل بقاع العالم، حيث أصبح البحث عن علماء مختصين في علم الأوبئة مطلبا لكل الدول لإيجاد لقاح مضاد لجائحة كورونا.

وأصبح واضحا للعيان أن كل نجوم السينما وكرة القدم والغناء ليس بوسعهم تقديم أي شيء من أجل إنقاذ البشرية من هلاك وفتك الجائحة.

وبذلك اتجهت الأنظار نحو البحث عن العلماء لتطوير لقاح وأدوية للوقاية والعلاج من الفيروس المستجد. ولعل الحدث البارز على هذا المستوى، هو تعين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب للعالم الأمريكي من أصول مغربية منصف السلاوي على رأس الفريق العلمي المكلف بالبحث عن لقاح للجائحة.

لقد اكتشف المغاربة بعد تعيين منصف السلاوي من طرف البيت الأبيض، أن العلماء على هذا المستوى من التميز ليس حكرا على الغرب، خاصة أن السلاوي قبل أن يصبح عالما مرموقا هو نتاج المدرسة العمومية المغربية التي نال داخلها شهادةالباكالوريا، لينتقل بعدها إلى بلجيكا ومنها صوب الولايات المتحدة الأمريكية.

وبذلك تناسلت الأسئلة في رؤوس الكثيرين من المغاربة لتعيد الاعتبار للذات ولو بشكل تعويضي مرددة سرا وعلانية،أن المجتمع الذي خرج من صلبه عالم بحجم منصف السلاوي وآخرين ككمال الودغيري ورشيد اليزمي بمقدوره إنتاج علماء آخرين والاحتفاظ بهم بين ظهرانيه لو وفر هذا الأخير الشروط المناسبة للحيلولة دون هجرة الأدمغة.

وكما برزت أسماء علماء بالخارج من أصل مغربي، اكتشف المغاربة أسماء باحثين وعلماء من داخل المغرب وعلى رأسهم البروفيسور الإبراهيمي وفريق بحثه الذي يشتغل على قدم وساق لإيجاد اللقاح المطلوب لوقف زحف الجائحة. وفي نفس الاتجاه صمّمت المؤسسة المغربية للعلوم المتقدمة والإبداع والبحث العلمي طقم تشخيص لفيروس "كوفيد-19" مغربيا مائة في المائة.

إن المغزى من عرض هذه المعلومات يتمثل أساسا في السؤال التالي: كيف للنموذج التنموي الجديد المبحوث عنه أن يجعل من تشجيع العلم والعلماء في كل الميادين، من أولوياته الأساسية لصياغة تنمية شاملة قوامها رأس المال البشري كمورد له الأسبقية على كل الموارد؟

وما يزكي هذا الطرح، انخراط الشباب الجامعي في ابتكار واختراع معدات للوقاية من الجائحة كالكمامات وآلاتالتعقيم وأجهزة التنفس وغيرها.

هكذا أخرجت الجائحة للعلن مهارات وإمكانيات الشباب المغربي في الابتكار والتصنيع، الشيء الذي يجب أخذه بعين الاعتبار في صياغة النموذج التنموي الجديد. فلا فائدة من أن يغيب هذا المجهود بغياب الجائحة في شقها الوبائي. فالمادة الخام موجودة ولا تنقصها سوى السياسة الملائمة لتصبح قائمة الذات. ولعل كل ما سبق ذكره، قد خلق على المستوى النفسي لدى العديد من المغاربة الشعور بالانتماء والخروج من فكرة احتقار الذات نحو الاعتزاز بها، ليظل السؤال مطروحا؛ ما السبيل لتعزيز هذا الشعور بالانتماء للمجتمع من خلال ما ينتجه أبناؤه؟

الجائحة والحاجة إلى العلوم الإنسانية

بانتشار الجائحة وفرض الحجر المنزلي، ظهرت المضاعفات النفسية-الاجتماعية لتصبح الحاجة ماسة إلى العلوم الإنسانية، وفي مقدمتها السيكولوجيا والسوسيولوجيا بكل فروعهما لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وقراءة وتفسير السلوك المعرفي والوجداني للأفراد تحت طائلة الحجر، وما نتج عنه لدى الكثيرين من الأفراد من مظاهر القلق والتوتر والرهاب والاكتئاب وغيرها من الاضطرابات النفسية، وانعكاساتها العلائقية التي وصلت في حالات كثيرة إلى العنف الأسري.

أمام هذا الوضع، انخرطت مجموعة من الباحثين الجامعين والممارسين في مجال السيكولوجيا وعلوم التربية والسوسيولوجيا في تقديم الدعم عبر منصات رقمية أو من خلال خلايا الاستماع التي انتشرت على امتداد البلد من شماله إلى جنوبه.

لقد كشفت الجائحة، مرة أخرى، الدور الهام للعلوم الإنسانية في قراءة وفهم وتفسير السلوك الإنساني العلائقي على المستويين المعرفي والوجداني.

غير أن الحاجة إلى العلوم الإنسانية كانت مُغيبة في اتخاذ القرارات وفي صياغة البرامج السياسة لتصبح كل تلك البرامج والقرارات مفصولة عن واقع الإنسان المستهدف، ولتكون النتيجة الحتمية هي الفشل وإنتاج التصورات النمطية والأحكام المسبقة التي تروم إلى اختزال الأفراد في أدوار أُعدَت مسبقا في قوالب إيديولوجية هدفها السيطرة والخنوع.

فإذا كان النموذج التنموي المبحوث عنه يستهدف تنمية الإنسان ليصبح عنصرا فعالا في عملية التنمية الشاملة، فلا مناص من الاعتماد على مقاربات العلوم الإنسانية،بحثا وتأطيرا، لأنها الطريق الأمثل لفهم الإنسان في ديناميكياته المتعددة، وعدم اختزاله في الخطابات والشعارات، وإنما كذلك في أفعاله وممارساته.

إن الدرس الكبير الذي علمتنا إياه الجائحة؛ أنه بعد مرورها، لا مكان للإيدولوجيا لممارسة السياسة.فوحده العلم والمعرفة بما فيها العلوم الإنسانية، ما يستطيعان مقارعة ذلك "الليس- بعد" بتعبير الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر، وذلك لن يتم إلا بفهمٍ ووعيٍ استشرافي للإنسان، والذي يجب أن يُرسخ في تلاؤم خلاق بين القول والفعل.

 

يتبع