ثقافة وفن

شكدالي يكتب عن.. جائحة كورونا و البحث عن النموذج التنموي الجديد بالمغرب.. 5- الحاجة إلى ثقافة رقمية فعالة

أحداث انفو الجمعة 12 يونيو 2020
mustafa chegdali
mustafa chegdali

Ahdath.info

المصطفى شكدالي/ أستاذ التعليم العالي مؤهل في علم النفس الاجتماعي

بالمعهد العالي الدولي للسياحة بطنجة

بفرضها لقيود الحجر المنزلي، تكون الجائحة قد حكمت على الروابط الاجتماعية بالتباعد الاجتماعي. ومن حسن حظ البشرية أنها جاءت في عصر الرقمنة والتواصل عن بعد. فأكثر من 5 مليار ونصف من البشر يعيشون في المجتمع "المُرقمن" ومواقع التواصل الاجتماعي، فحصلت الهجرة الجماعية من الواقعي نحو الافتراضي. ليتحول هذا الأخير إلى فضاء عام مكن الأفراد والجماعات من نسج العلائقي عن بعد وليتحول البعيد إلى قريب والعكس بالعكس.

وفي المغرب، كغيره من باقي دول العالم، ارتفعت وثير ة المنشورات في مواقع التواصل الرقمي، كتابة وصورة وصوتا، وأصبحت جل المحتويات المنشورة تدور حول الجائحة بكل أبعادها الاقتصادية والسياسية والنفسية والاجتماعية.

وهكذا توارت إلى الوراء كل المحتويات الرقمية السابقة بمواضيعها الفجة والتي عملت طويلا على نشر المبتذل والزائف والمنحط من الأفكار. وفي هذا السياق ظهرت منصات للندوات والمحاضرات، وليخرج المثقف من برجه العاجي والأستاذ الجامعي من مدرجات الجامعة نحو التواصل مع الجمهور العريض، فتحققت فكرة انفتاح الجامعة على محيطها، بعد أن ظلت هذه الفكرة شعارا لسنوات،إلى أن جاءت الجائحة في عصر الرقمنة.

ومن المفارقات الغريبة أن يتسرب، في سياق هذا الزخم من التواصل الرقمي بالمغرب، نص لمشروع قانوني من وسط الحكومة تحت رقم 22.20هدفه تقنين وسائل التواصل ومنصات البث المفتوح في خطوة للتحكم في المحتويات الرقمية. غير أن الفهم العميق لحقيقة التواصل الرقمي، يجعلنا نقر أن التحكم في المنشورات الرقمية عن طريق سن قوانين هو إجراء من زمن ولى وانقضى. وأن الإجراء الوحيد الممكن في هذه الحالة هو التربية على استعمال الوسائط الرقمية وتوجيهها نحو إنتاج التفاعل الخلاق. ذلك أنه من المستحيل أن نتعلم السباحة خارج الماء.

وبالنظر لكل ما سبق، فإن النموذج التنموي المبحوث عنه لا يمكنه أن يتجاوز تشجيع التواصل الرقمي، ليس فقط بغرض تطوير محتوياته والمساهمة في بلورة مجتمع المعرفة، ولكن كذلك باعتبار الرقمنة وسيلة من وسائل الاشتغال عن بعد في ميادين متعددة كالتعليم والعدل والطب وغيرها. ولقد علمتنا الجائحة دروسا في هذا المجال، فتبديد الظلام لن يتحقق إلا بانتشار النور.

الجائحة والتعليم عن بعد في ظل الابتعاد

مع الجائحة، أصبح التعليم عن بعد ضرورة وليس اختيارا، ليتحول البعد إلى قرب بمقاييس الرقمنة وبمقاييس الأجيال التي ولدت بولادتها. وبهذا المعنى توسع مفهوم المدرسة وتحول من مكان فيزيقي يحتوي المدرسين و المتمدرسين إلى فضاء افتراضي-واقعي يؤسس لكفايات التعلم بطريقة تحترم التباعد لتحوله إلى قرب وتفاعل تشاركي لبناء المعرفة بطريقة قوامها الدينامية في اكتساب المعارف والمهارات.

وبفرض الجائحة للتباعد الاجتماعي في الأوساط المغربية، ظهرت بعض الاضطرابات في صفوف الآباء والمدرسين فيما يخص التعليم عن بعد . فإذا كانت الأجيال الحالية من المتمدرسين قد انخرطت في التواصل الرقمي منذ خطواتها الأولى في الحياة، فإن جيل المؤطرين من آباء وفاعلين تربويين وجدوا أنفسهم أمام الأمر الواقع في مسألة التعليم عن بعد.

هذه العملية التي لا تمارس بطريقة اعتباطية وإنما تكون مصحوبة بعملية سيكوبيداغوجية مرافقة للمدرس والمتمدرس. غير أن الجائحة فرضت الأمر الواقع، وكأن لسان حالها يقول : لقد آن الأوان للمدرسة أن تتأقلم مع خصوصية المجتمع المرقمن.

وهو ما يعني أن مسألة التعليم عن بعد يجب أن تكون حاضرة ضمن ركائز النموذج التنموي المبحوث عنه، ليلج بذلك الشباب مجتمع المعرفة من بابه الواسع حيث الحدود الجغرافية تتلاشى لصالح الانفتاح على المجتمع المرقمن، والنهل من موارده بما يقتضيه التحصيل العلمي الجاد والخلاق.

إن تبني التعليم عن بعد بكل مقوماته التربوية والنفسية وترسيخه على مستوى الممارسة هو فعل، في العمق، يمتاز بموافقته لذهنية الأجيال الحالية واللاحقة من المتمدرسين، والتي خُلقت لتعيش زمن الرقمنة بكل تفاصيلها. ومن هنا وجب على المدرسة أن تتأقلم مع المتمدرسين وليس العكس، مادام الإنسان الذي نسعى إلى تكوينه، يصبو إلى أن يكون قادرا على مواجهة المستقبل وما تمليه شروط الزمن الرقمي الذي ينتمي إليه.