ثقافة وفن

"كورونا وسؤال اللغة والأدب في ظل الثورة الرقمية".. موضوع مائدة مستديرة ببني ملال

أعدتها للنشر:الكبيرة ثعبان الجمعة 26 يونيو 2020
IMG-20200622-WA0127
IMG-20200622-WA0127

Ahdath.info

شكل موضوع :"كورونا وسؤال اللغة والأدب في ظل الثورة الرقمية" موضوع المائدة الأدبية المستديرة التي نظمتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال التابعة لجامعة السلطان مولاي سليمان .

و ناقشت الندوة التي بثت الاثنين الماضي على قناة الرياضية ، ثلاث محاور:"وباء كورونا واللغة والخطاب ضمن التحولات الرقمية"، "وباء كورونا والأدب ضمن التحولات الرقمية" ،"وباء كورونا والتعليم عن بعد في ظل التحولات الرقمية الحالية".

وقد استهل مسير الجلسة الأستاذ إدريس جبري أستاذ مادة البلاغة وتحليل الخطاب كلمته التي وجهها للمشاهدين بطرح السؤال "كما تلاحظون نحن في مفارقة حول هذا المشهد الذي لم نألفه ، نحن جئنا لنتكلم ، ولكن إذا بنا نحمل نحن الكمامات والمكمم كما هو معروف في المعاجم العربية هو الممنوع من الكلام والتعبير، إذن كيف يمكن أن نفسر هذه المفارقات من الناحية اللغوية أولا، ثم من الناحية الاصطلاحية البلاغية ثانيا؟" .

ليتدخل الأستاذ مولاي محمد إسماعيلي علوي أستاذ اللغة واللسانيات مجيبا :هي مفارقة حقيقة فبعد أن ألزمنا كورونا بالدخول إلى البيوت هو الآن يلزمنا بوضع هذه الكمامات ، وأحب أن أبدأ من هذه الكلمة كمامة لأنها هي التي أصبحت الآن علامة بارزة لهذا الفايروس عند الناس بشكل كبير ، وطبعا هذه التسمية ليست كلمة جديدة هي معروفة عند العرب قديما وموجودة عند كل معاجم اللغة ، فإذا رجعنا مثلا إلى معجم ابن مندور نجد أنه فصل فيها القول وبدأ بالفعل.

وقال بأن الفعل هو الكمامة من الفعل كم وكمأ ، وتقول كممت فلانا أي أجبرته على السكوت وعلى عدم الكلام. وأيضا عرفت الكمامة بوضعها على الذواب قديما خاصة إذا كانت هناك ذابة معروفة بالعض أو قد تؤدي إلى مشكل ما ، أو لمنعها أحيانا من الأكل بشكل كبير . وأيضا في اللغة كما ذكرت المعاجم أيضا نجد أن الكمامة لها بعض التفريعات و الاشتقاقات فمن ذلك مثلا قول الله تعالى : "والنخل ذات الأكمام". ومنه أيضا الكم وهو الذي يكون لتغطية اليد ، وأيضا عرفت هذه الكلمة اصطلاحات ومعاني كثيرة ..

لينتقل النقاش بعدها إلى المستوى الاصطلاحي والبلاغي ، حيث أوضح الأستاذ الحبيب مغراوي أستاذ النقد والبلاغة بكلية الأداب والعلوم الإنسانية ببني ملال ، منطلقا مما انتهى إليه الأستاذ العلوي هو تحديد معاني هذه الكلمة . مبرزا أن كلمة الكمامة تدور حول معنى مركزي والمعاني المركزية هي التغطية والستر والخفاء ، فأينما كان هذا المعنى، فيصلح أن نطلق الكمامة على ذلك الشيء ، لهذا أطلقوها على ذلك الوعاء الذي يغطى به طلع النخل ، و على غطاء النور وهو الأزهار .

مشيرا أن الحياة تتطور وتتطور معها اللغة فالناس سموا ذلك الغطاء الذي يوضع على الذواب بالكمامة واستمرت الحياة إلى أن أصبح ضرورة وضع هذه الكمامات في زمن الكورونا فوضعنا هذه الكمامات.وتابع موضحا أنها سميت كمامة على سبيل النقل الاستعاري من باب الاستعارة غير النافعة التي تأتي من باب التوسع في اللغة فقط ، وليس إضافة معاني أو تثبيت معنى كما يقول بعض الفقهاء .

لينتقل النقاش للحديث عن المستويات والفروقات المستعملة في اللغات المستعملة في الإعلام وغير الإعلام ، حيث أوضح الأستاذ مغراوي ، أن في سياق هذا الحدث الكبير حدث كورونا فهو يستدعي أن نتحدث عن المجالات الكبرى التي مأسسها هذا الوباء، هي مجالات متعددة وكل مجال يفرض لغته ، لكن يجعلنا في هذا الأمر أمام مجموعة من مستويات اللغة لأن اللغة ليست واحدة ، وإنما هي مستويات ، حيث نجد اللغة العلمية ، الطبية عند أصحاب الطب والذين يحتاجون إلى ثروة للمصطلحات كجهاز مفاهيمي علمي، ونجد أيضا اللغة الإعلامية ، التي تتميز بنوع من المزج بين اللغة الفصيحة وبين اللغة العامية الدارجة لتحقيق التواصل مع المتلقي ، كما نجد مستوى ثالثا من مستويات اللغة ألا وهو مستوى اللغة العامية التي تسود في المجتمع والبيوت والأسواق ، وهذا مستوى آخر له حيثياته وخصائصه ..

ليتدخل مسير الجلسة الأستاذ جبري متسائلا عن كيفية تفسير هذا الاختلاف في المستويات هل الأمر مرتبط بطبيعة المتلقي لهذه الأنواع من اللغات أو راجع إلى سبب من الأسباب ؟

فيوضح الأستاذ إسماعيلي علوي ، أن بالرجوع إلى هذه المستويات هناك عدة أسباب ، ولكن كل خطاب من هذه الخطابات له مكانه الذي يتموقع فيه ، مثلا الخطاب الذي يصدر عن وزارة الصحة بشكل يومي والذي يتم فيه إعطاء أرقام فهذا الخطاب هو خطاب علمي طبي مائة بالمائة، وحاليا هو الذي يحضى بالاهتمام الأكبر ، ولذلك جميع المغاربة الآن يتابعون هذه الندوة الصحفية التي تقدمها الوزارة باستعمال لغة مبسطة ، لأن شرائح من المجتمع ليست على نفس الدرجة ونفس المستوى.

و أيضا الخطابات الأخرى تكتسي أهمية ولكن بحسب مثلا الخطاب التاريخي ستصبح له قوة كبيرة جدا ولكن مابعد كورونا عندما نجد هناك إصدارات وتأريخ لهذه الأزمة وماصاحبها من أحداث تاريخية ، وهذا أيضا كان معروفا حتى من قبل. هناك أيضا الخطاب الأدبي الآن بدأنا نرى في مواقع التواصل الاجتماعي أو في بعض المواقع الالكترونية بعض الإبداعات الأدبية التي بدأت تظهر وترتبط بهذا الفايروس ، وبذلك الخطابات ستتطور مستقبلا أكثر وستصبح لها القيمة المعرفية والأدبية أكبر.

ليتدخل مسير الجلسة الأستاذ جبري موجها النقاش إلى مستوى آخر هو التجادب بين اللغة الطبيعية وبين الصورة اليوم في إطار ما يسمى بهذه الثورة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي . متسائلا هل ماتزال اللغة أي لغة بما فيها اللغة العربية أو الأمازيغية مسكنا لوجود الإنسان المغربي اليوم ؟ أم أصبحت الصورة التي تواجهنا من مختلف الجهات هي المهيمنة وهي التي تحتل المساحة على حساب اللغة الطبيعية؟

فيجيب الأستاذ مغراوي، بأن الحديث عن الصورة ذو شجون باعتبارها خطابا تواصليا مرتبط بحاجة الإنسان لوسائل متعددة للتعبير عن آرائه ومراده والتواصل مع الآخر . مضيفا أن الحديث عن الصورة حديث لاينتهي.

ولكن يكفي أن نقاربه من زاوية علاقة الصورة باللغة الطبيعية، موضحا أن طبيعة الحالة الصورة في ظل الثورة الرقمية اليوم أصبحت لها الكلمة في التعبير عن حاجات الإنسان والتعبير عن القيم والمعالم والتواصل بين الناس أحببنا أم كرهنا ، نظرا للزخم الإعلامي والتطور التكنولوجي وللثورة الرقمية التي أصبحت تحاصرنا في بيوتنا وفي العمل ،وخاصة إذا ركزنا على نوع من هذا الخطاب خطاب الصورة ، ألا وهو ما يسمى بلغة الرموز التي تكثر في وسائط التواصل الاجتماعي خاصة الفايسبوك ، والواتساب، و الأنستغرام وغيرها ، حيث نجد استعمال مجموعة من الرموز التي يجد فيها المستعمل الذي يتداول هذه الوسائط الاجتماعية السبيل الأسهل والأنسب بالنسبة إليه لإيصال مجموعة من القيم : قيم الحب ، الكره ، قيم الغضب..

و السؤال هل حقا تحرك هذه الرموز في المتلقي من مشاعر وقيم وسلوك وتصرفات ؟

ليتدخل مسير الجلسة موضحا ،أن اللغة المستعملة اليوم حتى في الدروس عن بعد التي نلقنها عادة نكون مضطرين ليس لاستعمال اللغة الطبيعية ولكن لاستعمال رموز ، حيث أصبحت الآن الثورة الرقمية تفرضها علينا مثلا القلب أنواع من الضحكات المختلفة، بل أكثر من هذا هو استعمال الحرف اللاتيني في كتابة اللغة العربية بطريقة ربما تنذر بتأمل أو تدعو إلى تأمل .

فيجيب الأستاذ إسماعيلي علوي ، بأن صورة واحدة أصبحت لاتكفي لاسيما مع هذه الجائحة ، حيث أصبحت أيضا الأرقام لها قوتها البارزة ، مضيفا بأن القارئ وهو يقرأ مقالا في صفحات التواصل الاجتماعي ، يقفز على الكلمات قفزا ولكن يريد أن يذهب إلى الرقم مباشرة . مثلا عدد الوفيات عدد الناس الذين أصبحوا في صحة وعافية، ولذلك هذه المسألة أعطت قيمة كبيرة جدا لهذه الرموز ، و الصور المختصرة للكلام . معتبرا أن هذه الرموز لاتؤثر على اللغة العربية.

ويشير الأستاذ مغراوي ، بأن قبل الحديث عن هذه الخطابات ،أكمل نقطة هامة جدا في تلك الرموز ، تكمن خطورتها في أنها تجلي من تجليات ما يسمى بعولمة الثقافة والمشاعر، حيث أن تلك الرموز هي لغة عالمية الآن بحيث الرمز الذي يدل على الغضب هنا هو الذي يدل على الغضب في آسيا . وهذه الرموز هي التي تفتح آفاق البحث على المشترك الثقافي بين الأمم، أما تعدد الخطابات ، فبعد أن تحدثنا عن مستويات اللغة بطبيعة الحال ستكون هناك خطابات متعددة أيضا لها علاقة بتعدد اللغات ، وكل لغة تنتج الخطاب المناسب لها . ولذلك سنجد أن خطاب الشائعات سيقل أوإن لم نقل ينعدم في الخطاب العلمي .

وزاد يقول إن في سياق هذا الحدث الكبير الذي مس العالم ومس بلدنا المغرب نحن في حاجة إلى خطاب واع و علمي و متوازن ، يبعث الطمأنينة والأمان في قلوب الناس ، وخطاب أيضا صادق. لكن هناك مع الأسف خطابات تشوش على هذا الخطاب بوعي أو بدون وعي ولعل أهم هذه الخطابات المشوشة نجد خطاب الشائعة وخطاب الخرافة .

فيتدخل الأستاذ إسماعيلي علوي متحدثا عن خطاب السخرية الذي أصبح يرتبط مع هذا الوباء بشكل كبير جدا ، لافتا أن الآن يغزونا كم هائل من الخطابات التي هي عبارة عن نكث وطرق ساخرة من هذا الوباء أو طرق التعاطي معه، داعيا الباحثين في الجامعات إيلاء هذا الخطاب العناية والاهتمام على اعتبار أن من وراء هذا الخطاب يمكن أن نستقرئ نفسية المتلقي ونفسية الذي أنشأ هذا الخطاب وأيضا كيف تعاملت الأجيال مع أنواع الأوبئة التي مرت منها . مذكرا أن خطاب السخرية في الأوبئة السابقة كان قليلا لعدم وجود وسائل التواصل الاجتماعي كما هي الآن ، حيث الخطاب يصل إلى ملايين الناس في ظرف وجيز جدا وهذا الذي يعطي انتشارا أكبر لمثل هذا الخطاب ، ودور الجامعة ينبغي أن تهتم بكل ما يستجد في المجتمع.

ليتدخل مسير الجلسة الأستاذ جبري ، فينتقل بالنقاش إلى المحور الثاني المتعلق ب"بوباء كورونا والأدب". مشيرا أن في زمن الضيق والفقد والحزن والموت يولد الأدب الخالد الراقي . مذكرا في هذا السياق برائعة حكاية "ألف ليلة وليلة" وداعي الموت الذي خافت منه شهرزاد في مقابل شهريار القاتل . ليسأل ضيفيه كيف يمكن للأدب أن يروض مثل هذه المعاناة بما فيها المعاناة المتعلقة بتداعيات من خوف من موت من ألم من أسباب ما تخلفه كورونا ؟

فيشير الأستاذ مغراوي ، أن الكتابة الأدبية أوما سماه البعض بلغة المرض ، نجد لها جدور في التراث الثقافي والفكر الإنساني منذ القدم ما يعني أن اللغة الواصفة للمرض ليست أمر جديدا أو مستحدثا .

بل مواكبة للإنسان كلما تعرض لوباء أو مرض إلا وتنبري الكتابة الأدبية للتعبير عن هذا الوباء والحالة التي يعيشها الإنسان. و في هذا السياق كلما حل مرض إلا وأصيب الإنسان بالعجز والضعف ويخيم عليه جو الموت والموكب الجنائزي ، فيبحث عن جانب آخر يبث فيه أحزانه ، ويبحث عن شيء آخر يخرجه من هذا الواقع الذي يعيشه لواقع آخر فيه طمأنينة وسلامة للصحة والأرواح وسلامة في الأنفس. ذلك مايفعله الأدب حيث يخرج الإنسان حقا من ذلك الواقع المأزوم في ظل الأويئة والأمراض إلى واقع يرسمه الإنسان . مشيرا أن الأدب يحاول وصف الروح ومشاعرها وأحاسيسها وماذا تريد هذه الروح فينتقل ويزاوج بين الرغبة من الانعتاق من الألم والرغبة في أمل يخرجه منه، وهذا ما عبرت عنه العديد من الأبداعات.

وأضاف أن لاأحد يمكنه أن يتجاز رائعة نازك الملائكة وهي تتحدث عن الكوليرا في القصيدة الشهيرة. كما استحضر ماكتبه السياب وهو يتحدث عن مرضه ، و طه حسين في سيرة الأيام بالإضافة إلى مجموعة من الكتابات التي أرخت للمرض من جهة ولكن من جهة عبرت عن الآمال التي يتوق إليها الإنسان. و إضافة إلى ذلك استحضر الروائع العالمية التي واكبت الأوبئة والأمراض كرائعة الطاعون لألبير كامو التي حصلت على جائزة نوبل.

مشيرا أن هذه الرواية من الروائع الكبرى التي حفظها تاريخ الإنسانية والجميل فيها أنها لم تستقر في وصفها للطاعون وللوباء فقط ،ولم تحصر الإبداع في ذلك وإنما جعلت المرض والطاعون معادلا موضوعيا و رمزيا لحدث آخر يقع في العالم آنذاك ، ألا وهو الاحتلال النازي لفرنسا . ونفس ما حصل أيضا مع جوزيه ساراماغو الذي حصل على جائزة نوبل في رواية العمى هذه الرواية التي جعل فيها العمى معادلا موضوعيا لعمى الفكر الإنساني ، ليخلص مغراوي ، أن الأدب يذهب بالإنسان إلى عوالم أخرى وهو استثمار الخيال . وأن الخوف من الموت كان وراء حكايات عالمية كثيرة .

وأشار الأستاذ مغراوي ، أن مواكبة الأدب للأحداث الكبرى في حياة الإنسان لن تتوقف وستظل مستمرة مادام الإنسان موجودا ومادام له خيال ومادام ينشد الغذ الأفضل . معتبرا أن هذا ما نعيشه أيضا في حادث كورونا ، إذ لابد أن تظهر إنتاجات كبرى تعكس هذه الحالة الإنسانية وتعكس مايعيشه الإنسان في زماننا هذا على المستوى النفسي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، لأننا نعيش تغيرات دراماتيكية حقيقية ، وهذا ماسوف يتحدث عنه الأدب، مشيرا إلى ظهور بعض الإذاعات الفنية والأدبية التي تصور حقيقة مايعيشه الإنسان في كورونا.

كما ذكر ماقام به مؤخرا الفنان المغربي نعمان لحلو، حيث أصدر أغنية أيضا بعنوان كورونا ، والتي كتب كلماتها الشاعر سعيد المتوكل . واعتبرها رائعة جدا تهدف للتوجيه والتحسيس وإعطاء رسالة مركزة . كما تحدث عن قصيدة صلاح الوديع "بدء الخليقة " .

من جهته أضاف الأستاذ العلوي لماقيل رواية " الأربعينية للأمريكي جيم كرايس، التي تحكي عن زمن الكوليرا، ورواية كابريال غارسيا ماركيز حول الكوليرا كيف استغل البطلان وباء الكوليرا ليبحران في السفينة ويشهران عليها راية صفراء وكأن هذه السفينة بها كوليراحتى لايقترب منهما أحد ، قصيدة "الوباء" للشاعر عبد الحق الصقلي ، والتي سيغنيها سعيد المغربي. وسجل علوي باعتزاز كبير ماقام به الفنان نعمان لحلو . معتبرا أن هذه الأغنية التي أخرجها حديثا لم يتحدث فيها عن وباء كورونا فقط ، وإنما بث فيها مجموعة من القيم والأفكار .

ليتدخل الأستاذ جبري مذكرا بأن هناك من يتحدث اليوم بأن الأدب في خطر وأن بسبب هذه الثورة الرقمية هناك من يتحدث عن نهاية الأدب. قبل أن يتساءل هل يستقيم الحديث الآن عن مايسمى بالأدب الرقمي ؟

فيجيب الأستاذ مغرواي ، بأن الأدب الرقمي يمكن أن نعتبره أحد تمظهرات التطور الحضاري و التطور التقني في العالم بأكمله من جهة. ومن جهة أخرى هو أحد تجليات تطور الأدب داخله ، وقال إن الأدب يبحث عن أشكال متعددة ليتجلى فيها ويظهر، ولذلك لاأرى رغم الحديث الكثير الآن عن الأدب الرقمي ، أنه سيكون بديلا عن الأدب الورقي ، والأدب الصحافي والأدب المكتوب .. لأن الأدب يحمل أسئلة وجودية دائما ويعبر عن الإنسان ويجد الإنسان فيه ذاته. فيما الأدب الرقمي ماهو إلاتجلي في إطار تطور الحياة الإنسانية .

وأوضح الأستاذ علوي، أن الأدب الرقمي أصبح يجتاح الساحة الفنية والأدبية بشكل خاص، وبدأنا الآن نتحدث عن الأدب الرقمي التفاعلي مائة في المائة، ثم الأدب الرقمي التفاعلي ، ولكن أقل من الأول ثم الأدب الرقمي التراثي وهو الذي يسعى إلى إحياء التراث من جديد .

فيتدخل مرة أخرى مسير الجلسة ليوجهها للمحور الثالث والمتعلق بوباء كورونا والتعليم عن بعد في زمن هاته الثورة الرقمية . متسائلا هل ، يمكن أن نقول بأن هذا التعليم عن بعد يمكن أن يكون بديلا عن التعليم الحضوري ؟

فيرد الأستاذ إسماعيلي علوي ، بأن الجواب عن هذا الأمر واضح بأن التعليم عن بعد لايمكن بأي حال من الأحوال أن يعوض التعليم التقليدي الحضوري ، نظرا لما يكتسيه من خصوصية وقوة في البعد المعرفي والعلاقة التواصلية التي تجمع بين الأستاذ والمدرس وبين المتعلم أو الطالب ، ولكن فيروس كورونا الآن على الأقل دفعنا دفعا إلى ضرورة التفكير في التعليم عن بعد واستثماره ولو بالإمكانات المتوفرة.

صحيح هناك مشاكل وهناك عراقيل تصحب هذه العملية خاصة فيما نجده الآن في إطار الجامعات وضعف صبيب الأنترنيت ، وأحيانا بعض المناطق المغربية التغطية الشبكية فيها ضعيفة جدا، مما يجعل التعليم عن بعد لايصل إلى كل المناطق والطلبة والتلاميذ ، ولكن هذا لايعني أن نرجع إلى الوراء ، بل بالعكس التعليم عن بعد يمكن استثماره في ظل هذه الأزمة وفي ظل مابعد هذه الأزمة ، وهذا ما أريد أن أكد عليه في هذه المائدة المستديرة هو أن الأستاذ يمكن أن يستثمر هذا التعليم عن بعد في تقديم تمارين إضافية ومحاضرات ويمكن للطالب المتعلم ، أن يتفاعل مع الأستاذ في هذا الإطار ومن تم يستثمره بشكل إيجابي أكثر مما كان هو في السابق.

أما الأستاذ مغراوي ، فأبرز ، أن التعليم عن بعد كشف عن معطيات متعددة أولها هو أهميته ، لأنه حقق مجموعة من الإيجابيات ، أهمها هو أنه خلق نوع من العلاقة بين الأساتذة والتلاميذ والطلبة وبين عالم التكنولوجيا ، خاصة وأننا في فترة زمنية نحن أحوج مانكون إلى ثقافة تكنولوجية تجعلنا نواكب المستجدات والمتغيرات التي تطرأ في الحياة .المعطى الثاني هو أن التعليم عن بعد يدخل في إطار سياسة تدبير الممكن لأن الممكن في هذه اللحظة التي نعيشها الآن هو التعليم عن بعد إذن يجب الانخراط في هذا الأمر رغم التداعيات والآثار التي تظهر في حاجة الحياة الشخصية للأساتذة وانعدام الإمكانات عند الطلبة والتلاميذ لأن التعليم عن بعد لم يكن مدرجا هيكليا وبنويا في المنظومة التعليمية منذ زمان.

ثم يعود الأستاذ علوي إسماعيلي ليضيف أن التعليم عن بعد ، أصبح أمر ضروريا ومهما في الحياة . وأوضح أن كوفيد19 ، دفعنا الآن إلى التعليم عن بعد اضطرارا ، ولكن ينبغي في نفس الوقت أن يدفع ذلك الوزارة الوصية والجامعات كذلك إلى التفكير في هذا النوع من التعليم واستثماره حتى مابعد كورونا ، وأيضا شيء أساسي هو ضرورة توفير بعض الآليات و الحواسيب التي تدخل في إطار البحث العلمي للأساتذة الباحثين بدل أن نرجع إلى الوراء .

ثم يتدخل مسير النقاش الأستاذ جبري فيشير إلى مشكلة أزمة النشر والقراءة في ظل هذه الثورة الرقمية .

فيوضح الأستاذ مغراوي ، أن هذا الموضوع ينبغي أن نتناوله في شموليته ، إذا كنا نتحدث عن قيمة الأدب في مواكبة أحداث الإنسان وآثاره في نفسيته و إحداث التغيير..فإن الحاجة ماسة جدا إلى العودة إلى هذا الأدب وتوفير الشروط التي يمكنها أن تدعم الكتابة الأدبية ،ولعل أهم هذه الشروط هو دعم الميزانيات المخصصة للبحث العلمي خاصة في الجامعات ومؤسسات التعليم ،و خاصة كليات الآداب والعلوم الإنسانية ، لأننا نرى أنها بحاجة إلى دعم مادي كبير جدا وإلا سوف لن نقف موقف الباكين الذين يعزون أنفسهم على هذا الوضع الذي نعيش في مجال الأدب .

وأشار الأستاذ جبري في ختام هذه المائدة المستديرة ، بأنه لابد في هذا الأفق من مسألة الانخراط في الثورة الرقمية والتعليم عن بعد ، لأنه ضرورة وجودية الآن ، ولكن لابد من الانتباه إلى الخصاص المهول في هذا الإطار ، و لابد في هذا السياق حتى لانتحول إلى أهل الكهف ، أن نعيد النظر في مضامين الوحداث الدراسية التي ندرسها في مختلف الجامعات و التخصصات ، وكذلك في أشكال التدريس هو الرؤية البيداغوجية إذا ما أردنا تطوير المنظومة التعليمية في المغرب.