آراء وأعمدة

طلحة جبريل يكتب: وليل كموج البحر

طه بلحاج الاحد 12 يوليو 2020
TALHA_GIBRIEL_MUSA
TALHA_GIBRIEL_MUSA

AHDATH.INFO

أقول، وعلى الرغم من العودة المتدرجة إلى الحياة العادية، لم يعد في الليالي ما يغري بالسهر، وليس في النهارات إلا الضجر.

كيف ولماذا؟ لا أملك جوابا، لكن لدي بعض الخواطر.

قال الشاعر ذات يوم ذات زمان، متحدثا عن الليالي والنهارات الطويلة:

وليل كموج البحر أرخى سدوله  ***  علي بأنواع الهموم ليبتلي

فقلت له لما تمطى بصلبه  ***  وأردف أعجازا وناء بكلكل

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي  ***   بصبح وما الإصباح منك بأمثل

أقول أيضا ربما ينطبق عنوان رواية «تساقط الأشياء» على زماننا هذا.

المؤكد أن أشواقنا لعودة حياتنا كما كانت،لا تعبر عنها كلمات، إذ يا لضآلة الكلمات.

في ظل الظروف الضاغطة، نعود إلى الماضي ليس كصور ذهنية بل نعود إليه، أمكنة وأزمنة والوجوه النضرة. أقول هي الصداقات والحكايات، هي الذكرى والفكرة. الواقع والحلم، هي الأسرة والأهل والعشيرة. هي قرانا عندما تركناها وانتقلنا إلى المدن، ونصبح مجرد أرقام.

هي الحبيبة عندما تمشي متمايلة تتهادى، نخلة من النخلات الباسقة. هي «النيل ثوب أخضر.. ربما عاكسه الخصر قليلا فمال».

بعض الأمكنة تبدو الآن بعيدة، بل لعلها أكثر من ذلك. تركتها أيها الفتى ذات يوم، ذات شهر، ذات سنة. كان ظنك أنك ستعود إليها. تعود للناس للأرض للذكرى، للأعياد والمسرات.

أنت كما أنت، تعتقد أن الأمكنة الجميلة ولحظات المرح والفرح ستأتي حتما في يوم قريب.

حتما ستأتي.

أنت كما أنت، آخرون يتغيرون، يقولون إن «الضرورات تبيح المحظورات» لكنك تعتقد أن كل ذلك تبرير لذلك الذي لا يبرر.

عندما جاء زمن الأوبئة سرعان ما انزلق المزلاج، وأغلقت الأبواب يا حسرة، لتصبح الأمكنة القريبة بعيدة بل أكثر من بعيدة، ومازلت تعيش في دواخلك إيقاع الإغلاق.

وأنت ما أنت؟

أنت كما أنت، تقول إن زمن البهجة سيأتي، وتعود الحياة  كما كانت وإن بصيغة جديدة. أنت كما أنت، تعشق الزمن الذي في ذهنك، الزمن الجميل، ليس الزمن الذي تجري ساعاته وأيامه وشهوره وسنواته.

أنت كما أنت، تعتقد أن هناك قضايا تستحق أن يناضل من أجلها الإنسان ولا يستكين. أنت كما أنت، تجد متعة مع أولئك الذين يفكرون بصوت مرتفع، يناقشون بطلاقة، يتحدثون بثقة.

زمن لا تنام فيه الناس عنوة، يغنون ويبتهجون في الأفراح حتى مطلع الفجر.

أنت كما أنت تقول جازما «القوافل ستمضي والإبل لن تموت عطشا».

أنت كما أنت، تقول إن التفاؤل هو الحياة والتشاؤم هو الفناء.

أنت كما أنت تقول مع الشاعر:

لا خيل عندك تهديها ولا مال  ***  فليسعد النطق إن لم تسعد الحال

إذن ليبق النطق الحسن والقول الجميل.