ثقافة وفن

الديالمي .. شاب قادته "الثورة الجنسية" نحو الطلاق ورفض الأسرة ليصبح عالم اجتماع وصاحب نظرية

سكينة بنزين الاثنين 13 يوليو 2020
عبد الصمد الديالمي
عبد الصمد الديالمي

AHDATH.INFO

وحدها الصدفة جرفت عالم الاجتماع المشاكس، عبد الصمد الديالمي، نحو موضوع الجنسانية ليصبح واحدا من أكثر الأسماء المغربية المقبلة على دراسة وتحليل الموضوع بنهم شديد، رغم كل الانتقادات التي تلقاها بعد اقتحامه عالم الطابوهات، وتقديم نظرية "الانتقال الجنسي" التي يرفض من خلالها توصيف المغاربة بالنفاق أو السكيزوفرينيا بسبب مواقفهم المتضاربة من الجنس.

الديالمي أشار خلال لقاء من تنظيم "ملتقى الباحثين في سوسيولوجيا المجال و التنمية لجامعة ابن طفيل"، حول موضوع " الجندر والجنس والجنسانية"، أن الصدفة قادته وهو شاب لم يتجاوز 22 سنة، إلى قراءة كتاب فيلهلم رايش، حول الثورة الجنسية، مما كان له أثر كبير على حياته الشخصية، حيث اعتبر وهو تحت تأثير الكتاب أن الزواج والأسرة مؤسسات محافظة تقليدية تدجن الفرد، وتعمل على إعداده ليكون مطيعا للسلطات بكل أنواعها، فكانت أول خطوة تمرد قام بها الديالمي الشاب وقتها، هي تطليق زوجته، لتتغير اهتماماته وأولوياته.

وقال عالم الاجتماع الذي كان وقتها أستاذ فلسفة بالثانوي، أن الأمر بدأ كتجربة شخصية بعد أن تحرر من سجن الزواج والأسرة، لتبدأ مسيرته دون أن تكون له أي رغبة في استفزاز أي جهة، "اختياري كان مغامرة معرفية على الصعيد الوجودي، وقد أخذت على عاتقي مهمة القراءة والبحث وقلت وقتها أنني سأساعد الإنسان المغربي من أجل تحريره من سجنه".

الديالمي الذي انطلق من ذاته سنة 1973، ظل وفيا لمشروعه الفكري في مجمله، من خلال كتاباته ودراساته الميدانية التي توجت بنظريته حول "الإنتقال الجنسي"، " لقد وضعت إرهاصاتها الأولى سنة 2007، ولو أردت عرضها بتبسيط يمكن القول أنها تقوم على تقابل بين المعيار الجنسي والسلوك الجنسي، انطلاقا من مرجعية سوسيولوجية ترفض بعض التفسيرات للوضع الجنساني القائم في المغرب، كالمقاربة الإعلامية التي تركز على نعتين، أولهما وصف المغاربة بالمنافقين لكونهم يمارسون الجنس خارج الزواج، وفي نفس الوقت يصفون الأمر بكونه زنا وفاحشة مرفوضة من الناحية الدينية .. لكن أنا كعالم اجتماع لا أقبل هذا النعت لأنه حكم قيمة وإدانة".

عالم الاجتماع رفض أيضا مصطلح سكيزوفرينيا، متعتبرا أنه مصطلح طب عقلي، لشخص لا يعي حالته ولا يضبطها، وهو ما لا يمكن تطبيقه على مغربي يعرف ما يفعل، لأنه حين يمارس الجنس لا يكون في حالة هذيان، بل يعرف ما يقوم به ومسؤول عن أفعاله. ومن المصطلحات التي تعامل معها الديالمي حول موضوع الجنس، هناك العودة للجاهلية الذي وضعه سيد قطب بمصر، ووظفته الشبيبة الإسلامية في المغرب، التي انتقدت كل ما وصفته بمظاهر العري والفساد والتسيب الجنسي، في الوقت الذي استخدم عبد السلام ياسين مصطلح الفتنة، لكونه يرى المجتمع المغربي مفتون جنسيا ووكرا للبغاء والفساد، بينما استعملت حركة الاصلاح والتوحيد، الجناح الدعوي للعدالة والتنمية، مصطلح الإنحراف، معتبرين أن ما يقوم به المغاربة جنسيا هو زيغ وانحراف عن الطريق ...

وأوضح الديالمي خلال الندوة الرقمية، أنه ميز في نظرية "الانتقال الجنسي" بين مرحلة الاندماج الديني، حيث التطابق بين المعيار والسلوك، حيث كانت معظم العلاقات الجنسية في إطار الزواج، وإن كانت هناك خروقات نادرة، لكن انطلاقا من مرحلة الستينات من القرن الماضي، وقع انفجار جنسي تدريجي انفصل فيه المعيار الجنسي عن السلوك الجنسي، إلى جانب انفجار العمل الجنسي بمفهوم البغاء الذي كان نادرا وحكرا على الجواري وبعض المطلقات، لكنه اليوم تحول إلى سوق شبه منظم للربح السريع.

واعتبر الديالمي أن الانفجار الجنسي، لا يعكس التحرر الجنسي ، بل يعكس جنسانية مضطربة خائفة لها عدد من السلبيات كالأمهات العازبات والاجهاض، والأطفال المتخلى عنهم، معتبرا أن الانتقال نحو المرحلة الثالثة يتطلب علمنة المعايير والسلوكات.

وفي مداخلته، اعتبر عالم الاجتماع أن علة تحريم الجنسانية قبل الزواج لم تعد قائمة منذ اكتشاف وسائل منع الحمل، معتبرا أن الدين حرم الجنس خوفا من الحمل، وهو ما أصبح متحكم فيه اليوم وفق تعبيره، لكنه اعتبر أن احترام القناعات هو المدخل للتوازن، من خلال احترام الفئة التي ترغب في ممارسة الجنس داخل مؤسسة الزواج، والفئة المقابلة التي تبحث عن الممارسة خارج الزواج بمسؤولية وتراضي، مما يضمن استمرار الأخلاق الاسلامية من خلال اختيارات فردية تكون فيها الدولة على الحياد من الجميع، سواء من اختار قناعات تقليدية، أو من كانت له قناعات دينية جديدة مبنية على الاجتهاد.

الديالمي لم يتردد في استعراض بعض من "مراجعاته"، حين أشار أنه سنة 1972 اختار أن يقول لا لمؤسسة الزواج والأسرة، لكن " اليوم أقول ينبغي الاحتفاظ بالاسرة والزواج مع اصلاحها والتسوية بين الزوجين بداخلها، إلى جانب تقبل الجنسانية خارج الزواج كنوع من المساواة بين افراد المجتمع .. بعيدا عن التنافر المعرفي بين ثنائية التراث والحداثة التي تمزق ذواتنا يوميا"

ونبه عالم الاجتماع في رده على بعض التساؤلات التي اعتبرت أن الجنسانية خارج الزواج، استغلال لجسد المرأة باسم الحداثة، مما يجعلها تتحمل تبعات هذه العلاقة المرفوضة مجتمعيا، معتبرا أن الدعوة للجنسانية خارج الزواج لا تعني المغربية العادية ا لتي تحصر وجودها في زواج منتظر يشكل لها انتصارا، لكنه يعني الفتاة المستقلة المتحكمة في ذاتها، القادرة على الاستقلال ماديا عن الأب والزوج والأسرة، والتي تضع في حسابها أنها هي من يتحمل تبعات اختياراتها التي تتحكم في جزء منها وتعتبر نفسها طرفا متحكما في العلاقة ومستمتعا بها، سواء كانت علاقة عابرة ليوم أو علاقة تدوم لسنوات ...