ثقافة وفن

الصندوق الأسود.. ما هي قصة "أم معابد الدنيا"؟

طه بلحاج الاثنين 03 أغسطس 2020
20200803_201842
20200803_201842

AHDATH.INFO جيمينا- اشتهرت مدينة مأرب اليمنية القديمة التي قامت على وادي ذنه كعاصمة للسبئيين بكثرة معابدها التي كان الشكل المستطيل نمطها الرئيسي. وأهم تلك المعابد معبد (أوام) وهو الاسم القديم للمعبد الذي ما تزال نتائج التنقيب بين آثاره تنبىء عن مستوى راق من الإتقان والفن المعماري والإبداع الهندسي. ويطلق عليه الكثيرون من الدارسين اسم معبد (المقه) الإله القومي لدولة سبأ فيما يسميه السكان اليوم بـ(محرم بلقيس). ويقول الدكتور علي عبد الرحمن الأشبط أستاذ التاريخ بجامعة صنعاء إن اليمن كغيرها من حضارات الشرق القديم شهدت اهتماما واسعا بتراثها المادي والإنساني العريق. ظهرت مؤشراته في ضوء الرحلات والبعثات الاستشراقية والاكتشافات الأثرية في المواقع والمدن التاريخية وعلى وجه الخصوص في مدينة مأرب التي حظيت هي أيضاً بزيارات استكشافية بين خرائبها وآثارها أسفرت عن مخزون كبير من التراث الحضاري كان أشهره معبد ( أوام) الذي يقع على بعد اربع كيلومترات جنوب شرق مدينة مأرب على نتوء صخري يرتفع قليلاً عن مستوى سطح الأرض المحيطة به ويشير إلى أن خبيري الآثار أرنو هو أول من اكتشف معبد (اوام) عام 1843 وهالفي في عام 1870. وقد زاد الاهتمام بهذا المعبد عندما زاره العالم الآثاري ادوارد جلا زر عام 1888 وقدم وصفا مهما للمعبد ونسخ منه بعض النقوش السبئية كان من بينها نقشا يؤرخ لبناء معبد أوام الذي يرجح الباحثون تاريخ بنائه إلى حوالي النصف الأول من القرن السابع قبل الميلاد في عهد حكم المكرب السبئي (يدع آيل ذرح بن سمه علي) مكرب سبأ. وفي عام 1943 بدأ أول تصوير فوتوغرافي للمعبد بواسطة الباحث نزيه مؤيد العظم وتبع ذلك زيارة عالم الآثار المصري أحمد فخري عام 1947 الذي أعطى معلومات إضافية مفيدة وأشار إلى ما يتعرض له موقع المعبد من أعمال هدم وتخريب. ومن المعروف أن المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان كانت قد بدأت أعمال الحفر في معبد أوام بين عامي 1951و 1952 برئاسة(ويندل فيليبس) إلا أن العمل توقف بعدها لمدة 45 عام . ونظرا للأهمية التاريخية لمعبد أوام تابع فريق آثاري من المؤسسة الأمريكية منذ العام 1998م برئاسة (مارلن هوج سون فيليبس) العمل في المعبد مراحل طويلة من التنقيبات الأثرية المنهجية استمرت حتى عام 2005 وشملت موقع المعبد ومداخله وقاعاته وقد أظهرت نتائج تلك التنقيبات تفاصيل مهمة عن المعبد وما يحويه من شواهد مادية كواحد من أعجب المنشآت المعمارية التي تدل على مدى الإنجاز الحضاري والرصيد الإنساني لليمن واليمنيون. ويؤكد الدكتورالأشبط أنه بفضل نتائج تلك التنقيبات الأثرية الهامة واكتشاف الكثير من النقوش المسندة عكف المختصون والباحثون على دراستها وتحليل محتواها فاستدلوا إلى أن نقوش المعبد قام بتقديمها كافة فئات المجتمع من ملوك وموظفي دولة واقيال القبائل وأناس عاديين سطروا خلالها للكثير من الأحداث السياسية والنشاط المعماري و تكاد تغطي الكثير من ملامح تركيب المجتمع اليمني القديم وعلاقاته الاقتصادية والاجتماعية والحياة الدينية. وبناء على محتوى نقوش معبد أوام فقد تم تصنيفها من الباحثين والدارسين إلى نقوش نذرية ونقوش ملكية ونقوش جدارية ونقوش قانونية ونقوش دينية وأدبية وكلها تغطي فترة زمنية طويلة من التاريخ اليمني القديم تصل ما بين القرن الثامن قبل الميلاد وحتى نهاية القرن الرابع للميلاد. ولا تزال النتائج المثيرة في هذا الموقع تكشف يوماً بعد يوم أبرز معالم الحضارة اليمنية التي تفنن في بنائها الإنسان اليمني القديم وسن شرائعه على أحجارها بنقوشه المسندة الرائعة . وتؤكد الدراسات أن معبد أوام كان يعد المعبد الرسمي للدولة السبئية والمكان الرئيسي الذي يحج إليه السبئيين وأحد أهم المعالم التاريخية في اليمن القديم كما كان يعد أضخم المعابد ليس فقط في اليمن ولكن في الجزيرة العربية بأكملها إذ تصل مساحته الداخلية المستديرة بشكلها البيضاوي وبكامله إلى حوالي ستة آلاف متر مربع وقد تم العثور فيه على عدد كبير من النقوش اليمنية القديمة وعشرات من التماثيل الرائعة أهمها وأجملها تمثال للملك (معد كرب). وتدل المعلومات الأولية أن تاريخ بناء هذا المعبد قد شيد لأول مرة في القرن العاشر قبل الميلاد، ولا يستبعد الباحثون تاريخاً أقدم من ذلك لإنشائه، يتكون المعبد من سور مبنى بالأحجار المهندمة من الصخور الكلسية يبلغ طولها حوالي (752م) بسماكة تتراوح من (5:3م)، ويتوسطه فناء بطول (52م) وعرض (24م) وضعت فيه ألأعمدة الثمانية، أما المدخل فيقع في الجهة الشمالية الشرقية من السور. تشير المصادر التاريخية والأثرية على أن معبد (أوام) هو المعبد الرئيسي للإله (المقه) إله الدولة والذي كان يعرف بإله القمر، ويحتل المعبد مكانة مميزة بين بقية معابد الإله المقة في اليمن القديم فقد كان الناس يحجون إليه من مختلف أنحاء الجزيرة العربية، كما يتميز بكثير من المميزات المعمارية والهندسية فضلاً عن مكانته الدينية في تلك الحقبة. ولكن لا أحد يعرف قصة هذا المعبد التاريخي القديم وأين يوجد الآن كيف اختفت آثاره وبقيت أطلاله.. تنطلق القصة من هناك تحت الرمال وفي أحشاء الصحراء المقدسة (صيهد) دفنت الحقيقة وتم طمرها منذ آلاف السنين في أعماق الرمال الملتهبة تختفي (أوام) وكنوزها وتماثيلها ونقوشها بصمت موحش مخيف. (اوام) إيل مكه (اله مكه) أم معابد الدنيا.. حج إليه جميع الأنبياء ومهوى أفئدة البشر في الأركان الأربعة للمعمورة كان يأتيه الناس من كل جنس ولون فقد عثر على تماثيل ذات الطابع الآشورية والإغريقية وهناك كثير من المقابر للكهنة وملوك وأناس ماتوا أثناء الحج وما تم الكشف عنه بعدد أصابع اليد. أطنان هائلة من الرمل تخفي عشرات الألأف من النقوش فيها كل أسرار العالم والشعوب والأديان بما فيها الاسلام واليهودية والمسيحية والصابئية ونقوش دينية فيها تعاليم وأدعية تذكر مناسك الحج بكل تفاصيلها واسماء معظم الانبياء والملوك والكهنة. (أوام) ايل مكه في (ما الرب) ذات الأعمدة الثمانيه قدس الأقداس أكبر المعابد في العالم أجمع. لا يظهر منها إلا 20% وباقي مبانيها وملحقاتها وأسوارها غارقة مدفونة بإهمال بل توجد سراديب بطول 2كيلومتر يربطها بقصر سلحين وآخر بمعبد بران (محرم بلقيس) الذي يبعد 3 كيلومتر تقريبا عن (أوام). وطوال اكثر من 50 عاما لم يتم التنقيب وإخراج كنوز وأسرار هذا المعبد والتي لو خرجت قد تقلب المفاهيم التاريخية.. وهذا شيء يعرفه علماء الأثار الذين نقبوا في هذا المعبد ويعتبر معبد (أوام) الصندوق الأسود لكل ماسبق!