اقتصاد

إدريس الكتامي : جائحة فيروس كورونا وشبح الركود الاقتصادي  

سعد داليا الأربعاء 12 أغسطس 2020
إدريس الكتامي
إدريس الكتامي

AHDATH.INFO

كشفت دراسة تحليلية لرئيس الهيئة الوطنية للمحاسبين العموميين لوزارة الاقتصاد والمالية " إدريس الكتامي " الانعكاسات الكبيرة التي ستخلف جائحة فيروس كورنا المستجد ، وتأثيرها على الأوضاع الاقتصادية على المستوى العالمي خلال السنوات المقبلة ، وحالة الركود التي ستشهدها  الأسواق الدولية جراء انكماش الوضع الاقتصادي وتراجع التعاملات التجارية والعملات الصرف بشركات البورصة ، يشير إطار وزارة الاقتصاد والمالية في دراسته التحليلية التي تنشرها أحداث أنفو في جزأين ، أن جائحة فيروس كورونا المستجد  ستدخل الاقتصاد العالمي إلى مرحلة الركود تستوجب من ( المؤسسات المالية والحكومات) اتخاذ تدابير وإجراءات استعجالية ذات طبيعة ميكرواقتصادية وبالتدريج إجراءات ذات طبيعة ماكرو اقتصادية ، وجاءت دراسة التحليلية في جزءها الثاني كما يلي : 

المحور الثاني : تداعيات تفشي جائحة كورونا وشبح الركود الاقتصادي

الفرع الأول : التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا

تسبب الانتشار الواسع لجائحة كورونا بمعظم دول العالم في الأضرار بشكل كبير بالاقتصاد العالمي نتج عنه إحداث خلل في أسواق الطاقة والعملات والسلع والمواد الاستهلاكية والسياحة والطيران وغيرها ... رافقه هبوط حاد في الاستهلاك وركود في التجارة الدولية نتيجة تعطيل وتوقف سلاسل الإمداد وانهيار سوق الأسهم في البورصات العالمية وتراجع النشاط الصناعي وارتفاع البطالة مما أدى إلى انكماش غير مسبوق في الاقتصاد العالمي خلال الربع الأول لهده السنة .

حيث وصل الاقتصاد الأمريكي إلى حالة من الركود الفعلي مع إغلاق جزء كبير من قطاع الخدمات وتعطيل النشاط الصناعي وتراجع سوق العمل وارتفاع عدد العاطلين ، كما تراجعت المؤشرات الاقتصادية بالصين بشكل حاد جراء تراجع الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة واستثمارات الأصول الناشئة ، وتعاني أوروبا واليابان من تراجع النشاط التجاري وانخفاض الإنتاج وتراجع الاستهلاك وارتفاع البطالة ، كما تضررت الأسواق الناشئة نتيجة تقلص الطلب الخارجي عن صادراتها وانخفاض قيمة عملاتها وارتفاع مديونيتها .

الفرع الثاني المؤشرات الاقتصادية في ظل تفشي جائحة كورونا

تكبدت الحكومات والشركات والأشخاص خسائر كبيرة جراء تفشي فيروس كورونا مما أدى إلى نزوح كبير لرؤوس الأموال في الأسواق الناشئة ، وتصاعد الضغوط في أسواق الائتمان الأمريكية وانكماش في الاقتصاد الصيني ونقص في السيولة في منطقة اليورو واليابان ، وتسجيل خسائر قياسية بالدول المنتجة للنفط جراء الانهيار المهول للأسعار ,

وقد سجل الربع الأول لهده السنة هبوط حاد لجل المؤشرات الاقتصادية لمعظم الدول الصناعية الكبرى عكسه الانكماش الاقتصادي لهذه الدول, حيث سجل الاقتصاد الأمريكي انكماش بمعدل %  5,5 وخسارة أكثر من 26 مليون وظيفة وانكماش الاقتصاد الصيني بمعدل % 3 وانكماش بمنطقة اليورو بمعدل % 2,8 ، كما تهاوت جل أسواق الأسهم بالبورصات العالمية مسجلة خسائر فاقت قيمتها 10 تريليون دولار وانهيار أسعار النفط بشكل حاد وتهاوي النفط الخام الأمريكي بمستوى قياسي, كما قدرت خسائر الدول العربية بأكثر من 550 مليون دولار يوميا .

وقد أشارت منظمة العمل الدولية أنه من المتوقع أن يؤدي تفشي المرض إلى إلغاء 6,7 من ساعات العمل في جميع أنحاء العالم وهو ما يعني فقدان 195 مليون منصب شغل .

الفرع الثالث : الإجراءات الاحترازية لمواجهة جائحة كورونا

اتخذت المؤسسات المالية الدولية والحكومات في مختلف دول العالم إجراءات احترازية وتدابير استباقية لمواجهة الأضرار الاقتصادية الناجمة عن تفشي جائحة كورونا ، حيث أصدر صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي رسالة تضامن مشتركة لمساعدة الدول الأعضاء في مواجهة التحديات الاقتصادية للجائحة ، إذ كشف البنك الدولي عن خطة طوارئ تبلغ قيمتها 12 مليار دولار ، وتعهد صندوق النقد الدولي بتخصيص 50 مليار دولار لمواجهة الأزمة ، وفي نفس السياق قامت الولايات المتحدة الأمريكية بضخ 2 تريليون دولار لإنعاش اقتصادها ، كما قام البنك المركزي الأمريكي بشراء الأصول وتوفير السيولة بالدولار للعديد من البنوك المركزية الأجنبية ، بدورها قامت الصين بضخ 173 مليار دولار ، كما خصص الاتحاد الأوروبي تريليون أورو لمواجهة الأزمة ، وقد عمدت كبريات البنوك المركزية حول العالم بتخفيض أسعار الفائدة لدعم الأسواق المالية .

وفي المملكة المغربية أعلنت الحكومة عن إنشاء لجنة لليقظة الاقتصادية وبمبادرة من الملك محمد السادس تم إحداث صندوق للتضامن لمواجهة الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة وتحديد الإجراءات المواكبة .

المحور الثالث : التوقعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لما بعد الجائحة

الفرع الأول : التوقعات الاقتصادية للأزمة

هناك غموض بشأن التوقعات الاقتصادية خاصة مع تزايد انتشار الوباء والبعد الزمني للجائحة بالدول الصناعية الكبرى خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت البؤرة الأولى عالميا من حيث انتشار الوباء تليها الدول الأوروبية والصين ، ومع كل ذلك فإن اغلب الخبراء الاقتصاديين والمؤسسات المالية الدولية توقعوا تراجع النمو الاقتصادي العالمي

حيث أفادت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ، أن النمو الاقتصادي العالمي قد ينخفض إلى النصف في حالة استمرار الجائحة في الانتشار ، مما سيدفع الاقتصاد العالمي إلى أسوء حالاته كما أشار مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “ الاونتكاد “ في دراسة تحليلية أن الصدمة التي تسبب فيها تفشي فيروس كورونا ستؤدي إلى ركود في بعض الدول وسينخفض النمو العالمي هذا العام إلى أقل من % 2,5 وفي أسوأ الحالات قد نشهد عجزا في الدخل العالمي يتجاوز 2 تريليون دولار .

كما حذرت مديرة صندوق النقد الدولي من أن الجائحة ستحول نمو الاقتصاد العالمي إلى سلبي بشكل حاد خلال العام الجاري ، وتوقع كل من مصرف بنك “اف أمريكا “ وهو من أكبر المصارف العالمية ومصرفا “غولدمان ساكس” و”مورغان شانلي “ حصول ركود عالمي طويل الأمد ،

 وقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن الركود الاقتصادي في ظل تفشي فيروس كورونا أصبح جد مؤكد وربما بمعدل قياسي .

وبالمغرب توقع السيد أحمد الحليمي “ رئيس المندوبية السامية للتخطيط  تراجع النمو الاقتصادي المغربي لأدنى مستوياته منذ 20 عاما بسبب تفشي فيروس كورنا والجفاف ، كما أشار السيد محمد بنشعبون وزير الاقتصاد والمالية والإصلاح الإداري أن“ الآفاق الاقتصادية للمغرب ستتأثر بالتداعيات السلبية لانتشار فيروس كورونا وأن العالم يواجه أخطر أزمة عرفتها الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية .                   

الفرع الثاني : التوقعات الاجتماعية للأزمة

  الأزمة الصحية والاقتصادية الناتجة عن تفشي فيروس كورونا ستلقي بظلالها على مختلف الجوانب الاجتماعية لشعوب الدول المتضررة حيت من المتوقع ارتفاع مستويات الفقر والهشاشة وتزايد معدلات البطالة وانخفاض الدخل الفردي والإقبال على الاقتراض مما سينعكس سلبا على المستوى المعيشي والاستهلاك .

كما ستترك الأزمة أثارا نفسية بليغة خاصة لدى عدة أسر التي فقد أحد أعضائها أو أكثر جراء الجائحة ، كما أن انهيار بعض الأنظمة الصحية أمام الأعداد الهائلة للمصابين والحصيلة المفجعة للوفيات سيخلف نوعا من الرعب والخوف وعدم الاطمئنان في المستقبل ، وقد نشر تقرير لصحيفة “د ايكونوميست “ ألقى الضوء من خلاله على الآثار النفسية لتفشي فيروس كورونا إذ يشير إلى أن الجائحة جلبت الخوف للأسر والإحساس بالوحدة والتوتر والقلق جراء المدة التي قضوها بالحجر الصحي .

الفرع الثالث : التوقعات السياسية للأزمة

أظهر تفشي فيروس كورونا , ضعف النظام الدولي والعلاقات الدولية وعجز التكتلات الاقتصادية وهشاشة المنظومة الصحية العالمية حيت تم تغليب المصالح الوطنية للدول على حساب المصالح القومية المشتركة والمصلحة العامة

 إذ تم التخلي من طرف دول الاتحاد الأوروبي على حليفتهم إيطاليا خاصة بعد أن تحولت في وقت سابق بؤرة للوباء ، لقد تم خدش قيم التكافل ومبادئ التضامن بين الدول والشعوب بانطواء كل دولة على ذاتها والاهتمام بمصالحها ولو على حساب مصالح دول وشعوب أخرى ، كما هو الشأن في عمليات القرصنة التي قامت بها بعض الدول بالإجهاز على المعدات الصحية والمستلزمات الطبية الموجهة لدول أخرى ، الشيء الذي يتوقع معه حدوث تغيرات هيكلية ونظامية على النظام الدولي بصفة عامة والاقتصاد العالمي بصفة خاصة ، حيث ستشهد المرحلة المقبلة تحجيم الاندماج في النظام العالمي وإعادة النظر في العلاقات الدولية والتكتلات الإقليمية والاقتصادية ، إنها مرحلة انعطاف لظهور رأسمالية جديدة على حساب الرأسمالية النيوليبيرالية والانفصال التدريجي عن حقائق ومسلمات علم الاقتصاد الكلاسيكي ، إنها بداية العودة نحو الدولة القومية والاقتصاد الموجه الذي يخدم المجتمع والحكومات ، كما ستعرف الدول والحكومات تحولا في أولوياتها حيث تأكد ضرورة الاهتمام بالبحث العلمي وإعطاء الأولوية للتعليم والصحة إذ تبث تفوق الأنظمة الصحية التي تؤدي فيها الدولة دورا رئيسيا في القطاع الصحي على الأنظمة التي سلمت قطاعها الصحي للقطاع الخاص ، وكذا تشجيع الصناعات المحلية وتوفير الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي .

لقد عرفت الأزمة مقاربتين متناقضتين مقاربة تعلي بشأن الإنسان على حساب الاقتصاد ومقاربة تعلي بشأن الاقتصاد على حساب الإنسان .

وفي الختام تبقى الآثار الكارثية التي ستخلفها جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي الذي سيدخل حتما مرحلة من الركود تستوجب من الجميع (المؤسسات المالية والحكومات) اتخاذ تدابير وإجراءات استعجالية ذات طبيعة ميكرواقتصادية وبالتدريج إجراءات ذات طبيعة ماكرو اقتصادية ، أو بالأحرى تطبيق الاقتصاد الكينزي أي تدخل الدول في الاقتصاد لضمان عدم العبث في الأسواق وذلك في أفق إيجاد لقاح لهذا الوباء .