اقتصاد

حوار.. الاقتصادي *يمني: الحجر الصحي ليس حلا

أحمد بلحميدي الاثنين 14 سبتمبر 2020
صورة الحوار
صورة الحوار

AHDATH.INFO

أمام الارتفاع الكبير لعدد الإصابات بـ«كوفيد 19»، تعالت صيحات الفاعلين الاقتصاديين وحتى الأكاديميين محذرة من العودة إلى حجر صحي جديد. في هذا الحوار نستطلع مع الخبير الاقتصادي عبد الغني يمني مدى وجاهة هذا الطرح في مواجهة معادلة صعبة، تروم التوفيق بين الحفاظ على صحة المغاربة وبين إعادة الإنعاش الاقتصادي.

اعتبر شكيب العلج رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، مؤخرا، أن العودة للحجر الصحي ستكون دراماتيكية. هل الأمر كذلك بالفعل؟

COIVD-19 هو في النهاية وباء سيستمر على المدى الطويل،  وأصبحت مسألة التعايش معه عادية أكثر من أي وقت  مضى، والنجاح في المعركة ضد هذا الفيروس أصبح رهينا بفرضية اختفائه كليا أو اكتشاف  لقاح فعال له.

لقد عاين الجميع باندهاش كبير الآثار المدمرة للحجر الصحي ببلادنا خلال مدة استمرت لـ120 يوما أوقفت خلاله أكثر من 13٫7 مليون أسرة عملهم، وأدى إلى  خسائر فادحة في ساعات العمل بمعدل أكثر من 70 مليون ساعة في اليوم، وتكلفة باهظة للاقتصاد الوطني بلغت مليارا في اليوم أو ما يعادل 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال هذه الفترة. الحجر الصحي، ورغم الحاجة الماسة إليه، تسبب في توقيف التقارب الاجتماعي بين الناس وتوقيف التعلم حضوريا لـ9٫89 ملايين تلميذ وطالب، ولنا أن نتصور الآثار النفسية والصحية وعدم التمكن من التعلم واكتساب مهارات جديدة.

لقد أجمع الكل على أن التعليم عن بعد قد فشل عالميا، وزاد من تفاقم الفجوة الرقمية. فعلى سبيل المثال، فحصة الأسر التي لديها جهاز لوحي أو كمبيوتر لا تتجاوز 60.6 في المائة بالمغرب، ويحتل المرتبة 59 من بين 100 دولة في مؤشر الأنترنت الشامل l’Indice d’Internet Inclusif وأن 20.2 في المائة فقط من الأشخاص يمتلكون اشتراك الأنترنيت الثابت، فيما 74.2٪ لديهم إمكانية الوصول إلى التعبئة.

لكن المغرب اعتمد خطوات تضامنية بالموازاة مع الحجر عندما دعم الفئات المتضررة؟

هذه المساعدات المؤقتة لن تصبح ممكنة وستصبح غير مقبولة، لذلك أعود وأكرر لأقول إن إعادة الحجر الصحي ليست هي الحل. فالحل اليوم هو ارتداء الكمامة واحترام التباعد الجسدي المرفوق بالتباعد المدني distanciation civique، من أجل تجنب العواقب المجتمعية الخطيرة. فالأمر هنا لا يتعلق بإصدار بروتوكول، ولكن في مواجهة فيروس هائل وضرورة عدم القدرة على الاختيار بين الاقتصاد والصحة. أصبح من الواجب على المواطنين المشاركة في التحسيس، والتحلي بروح المسؤولية الجماعية حتى لا تندفع السلطات العامة إلى إعاقة الحريات الفردية، وكذا تجنب التسبب في انهيار قاتل للمؤشرات الماكرو اقتصادية.

الأكيد أن جميع المجتمعات البشرية بحاجة إلى تبرير صمودها وتضامنها من أجل ترسيخ روح المواطنة والتكاثف الاجتماعي. لكن وباء COVID-19 قد غير من نمط عيشنا، فبالإضافة إلى حصره للأفراد ببيوتهم، فإنه قد جمد اليد العاملة التي تعتبر «قلب المفاعل» لأي اقتصاد. ومع ذلك، فاليوم وعلى الرغم من ارتفاع عدد الإصابات، تبدو فكرة إعادة الحجر الصحي العام مستبعدة وغير مستحبة عالميا، وليس مغربيا فقط.

 إزاء هذه المعادلة الصعبة، كيف يمكن تسريع إعادة إنعاش الاقتصاد الوطني؟

‏سؤالك يحيلنا إلى الوضعية الإشكالية، ألا وهي مشكلة الحماية والاستقرار وإعادة إحياء منظور جديد لنموذج التنمية المغربي. نحن بلا شك قد بلغنا ملتقى الطرق كي لا نقول «الانفصال» عن النموذج القائم على الطلب المحلي والمشتريات العمومية والاستهلاك عن طريق الائتمان crédit، لذلك يجب على النموذج الاقتصادي الجديد أن يأتي بالسيادة الغذائية والطلب الخارجي ومصادر جديدة لسلاسل القيمة لحرفنا الجديدة métiers، ‏والانتقال من آسيا في اتجاه المنطقة ‏الأوروبية المتوسطة، المبنية على الشراكة المزدهرة بين القطاعين العام والخاص، ‏والاستفادة من الميزة التي تتوفر عليها الشركات المغربية المتواجدة في القارة الإفريقية. ‏ثم إن الوباء، رغم كل شيء، يشكل جزءا من عالم الأمس، جانبه المبهم عبارة عن حرب خنادق هدفها غزو مناطق اقتصادية جديدة ‏التي ستكون مستقبلا جزءا من العولمة.

على المغرب الصاعد خلق شراكات جديدة، وكذلك تعزيز ‏وتقوية التحالفات الجهوية التي تتميز بقيمة اقتصادية ملحوظة.حجم ومؤهلات الصناعة بالمغرب اليوم قد لا تسمح له في الاختيار، ولكن ‏تمكنه من أن يصبح منصة لتقاسم الوظائف والقيمة المضافة.

أما 120 مليار ‏درهم، المخصصة لخطة الإنعاش، تعتبر مكسبا  ماليا غير متوقع ناتج عن آليات التمويل العمومي، السندات السيادية الوطنية والدولية والقروض المصرفية التي تضمنها الدولة، ولإدراجه في السياق الاقتصادي الوطني هدفان يتمثلان في ري القطاعات الأكثر ضعفا والأكثر صعوبة، وتمويل مشاريع الهيكلة والشراكة بين القطاعين العام والخاص.

إن المفهوم التقدمي المتشدد الذي يسعى إلى إعادة الثبات لاقتصاد غير مستقر بسبب مثل هذه الأزمة، وفي ظل هذه الظروف ليس بالأمر السهل. فهذه الأزمة سريالية من الناحية الاقتصادية، لأن عوامل الإنتاج مشتغلة، والنظام المالي يوفر معدلات فائدة منخفضة ومعدلات تضخم ضئيلة.

نهاية الحجر الصحي لا تعني نهاية الوباء، كما أنها ليست مرادفا لانتعاش الاقتصاد، فكيف سنعكس مسار الأمور إذا بقيت عدة قطاعات متوقفة. فعلى سبيل المثال، فإن مجال النقل الجوي يفقد حاليا أكثر من 65 مليون درهم في اليوم، والنقل بالسكك الحديدية والطرق بخسائر فلكية، السياحة مع 600000 وظيفة ومساهمتها بـ7.4٪ في الناتج المحلي الإجمالي، والصناعة الحرفية مع 400000 وظيفة ومساهمتها بـ7 في المائى ، النظام البيئي للأحداث، والذي يساهم بـ5٪ من الناتج المحلي الإجمالي. ثم هل يمكن أن  نقول إن الاتفاق المغربي الرامي لإعادة الإنعاش البالغ 120 مليار درهم، ليس فقط بخطة لدعم الاقتصاد بقدر ما هو مسرع، وسيتم استخلاصه بواسطة ترتيب للديون السيادية بتحويلها إلى ديون طويلة وقصيرة الأجل ممولة بالنمو الاقتصادي والضرائب.

هذه الانطلاقة الاستباقية تتطلب الكثير من المرونة والتضامن، وكذا زيادة إنتاجية الموظفين والشفافية الضريبية لأصحاب المشاريع، والأهم من كل هذا هو هدوء وانخفاض حدة الوباء لإحياء الأمل.

(*) عبد الغني يمني. أستاذ الاقتصاد والسياسات العمومية. جامعة بوردو بفرنسا