آراء وأعمدة

حزب الفيسبوك.. محاولة للفهم

طه بلحاج الأربعاء 14 أكتوبر 2020
20201014_155813
20201014_155813

AHDATH.INFO

بقلم ذ. المهدي الإدريسي

تصفية معاشات البرلمانيين، انفعال الأزمي، فضيحة الكراطة، الكوبل الحكومي، الشكلاط، سرير الوزير، جوج فرنك والسيارات الرباعية للشوباني...

كلها أحداث بصمت على تفاعل قوي من سكان القارة الزرقاء، حيث التأسيس للرقابة من نوع آخر تتجاوز ضعف إن لم نقل ضمور المؤسسات الموكل اليها أمر الرقابة والتمثيل.

رقابة قائمة على التتبع اليومي والحرص على الشأن العام والمال العام رغم أنها قد تنزلق في أحايين كثيرة عن الأهداف المشروعة للرقابة.

فكيف يمكن أن نفسر بروز حزب الفيسبوك وإخوانه واضطلاعه بهذا الدور المحوري في رقابة الشأن العام؟

نهدف في هذه المقالة الاقتراب من حزب الفيسبوك ومحاولة تفسير سبب قوته و محورية أدواره ومن خلاله محاولة فهم هذا الدور المتعاظم الذي أضحت تضطلع به المواقع الاجتماعية في مراقبة الشأن العام وتعزيز الشفافية حيث أضحت تنافس دور الأحزاب الموكل إليها أساسا القيام بهذه الأدوار .

نعتقد أن هذا الدور الذي أضحت تضطلع به المواقع الاجتماعية في مراقبة الشأن العام يمكن تفسيره من خلال عدة مداخل:

- تطور مفهوم الديمقراطية: عجز الديمقراطية التمثيلية وظهور الديمقراطية التداولية.

- التطور التكنولوجي الهائل وتطور امكانية التواصل.

مدخل التحليل النفسي.

عجز الديمقرطية التمثيلية:

أضحت الديمقراطية حتى فالبلدان العريقة تعرف عجزا كبيرا حيث تحولت إلى نزعة إجرائية، أذاتية تقف عند الإجراءات وكأن العملية الديمقراطية هي انتخابات واستفتاءات على مدى زمنى معين وما بينهما لحظة انتظار وسكون و لا فعل.

إن هذه النزعة الإجرائية عمقت أزمة الديمقراطية التمثيلية سيما مع تطور مباديء مثل: العقلانية البرلمانية، هيمنة الجهاز التنفيذي على عملية التشريع ....

الشيء الذي أدى إلى ظهور مفاهيم من قبيل الديمقراطية التشاركية، الديمقراطية التداولية التي تحيل على الجهود الرامية إلى توسيع فضاءات النظر في القضايا الاساسية من قبل المواطنين العاديين، ومثل هذه الاهتمامات ترتبط ارتباطا وثيقا بعملية تحليل المعلومات المتعلقة بالرأي العام الذي يفهم أنه محصلة للآراء الخاصة كما ترتبط بمزيد من التفاهم الجمعي الناجم عن الخطاب في المجال العام.

وهنا قد يكون من المفيد أن نذكر بأنه وفي إطار الديمقراطية التداولية يمكن أن تستغل هذه الوسائل الاتصالية في: تشجيع الحوار العمومي وتشكيل رؤية مشتركة للمستقبل، الدفاع عن حقوق الانسان، البحث عن الشفافية، العرائض والحملات عبر الانترنت والتعبئة...

إن هذا المدخل التداولي للديمقراطية يقتضي تواصلا متواصلا ودائما مابين صانعي القرار ـ ممثلو الحكومة والبرلمان والسلطات المحلية ـ وبين المواطنين وسكان الدوائر الانتخابية لأن الديمقراطية التداولية تعني الاسهام الحقيقي لجموع المواطنين في صناعة القرار وتعني كذلك: أن على الحاكم أو ممثل البرلمان أن يضيف إلى مهمة صنع القرار مهمة استلهام الرأي العام أو أن لايظن أن معه عقد تنازل ممن يمثلهم عن حقهم في إدارة شؤونهم وإنما يتحول إلى وكيل عمن انتخبه وليس بديلا عنه.

مدخل التطور التكنولوجي:

لا أحد يستطيع أن يجادل اليوم في دور الوسائل الاتصالية الجديد في تغيير المجتمعي وما درس "الحراك" الديمقراطي ببعيد عنا، إذ أسهمت البيئة الاتصالية الجديدة، الانترنت والفضائيات ووسائل الاتصال، بتغيير الثقافة الشعبية، وخلق تحولات عميقة وجذرية في طبيعة المشهد السياسي في المنطقة وهنا نذكر بأن هذا الدور لهذه الوسائل الحديثة كان من ضمن أعمال بعض الباحثين الغربيين حيث نجد ''مارك لينش'' يراهن على الفاعليات التواصلية الديموقراطية التي يدفع بها الإعلام  الجديد في إحداث التغيير ، كما نجد نفس الرهان لدى ارماندو سالفاتوري الذي اقترح مفهوم "الترابطية" في توصيف حالة العلاقات التواصلية التي دفع بها الإعلام الجديد والمنتديات التواصلية في المنطقة قبل انطلاق الحراك الشعبي، والتي تحولت إلى حالة من الحركية السياسية.

تشكل الترابطية بالنسبة لسالفاتوري حالة من التواصل اليومي التي تكثفت وتمركزت في زمنية محددة، فأنتجت ما يسميه سالفاتوري الثورة السياسية في الفضاء العمومي. وانطلاقا من هذا الفعل التواصلي العمومي، يمكن القول: بأن الأمر لا يتعلق بفجائية او تلقائية الحدث، وإنما بتركيز للترابطية في زمنية فاعلة تعكس بروزاً عمومياً.

مدخل التحليل النفسي: عجز الفضاءات السياسية (المؤسسات ، الاحزاب ، النقابات ..)

يمكن كذلك أن نفسر هذا الدور المتنامي للمواقع الاجتماعية في تكوين ''الوعي السياسي'' لا سيما لفئات مثل الشباب بالعطب الذي تعاني منه المؤسسات السياسية والأحزاب  والنقابات والتنظيمات... حيث أضحت هذه المؤسسات غير قادرة على الاستقطاب وتقديم عرض قادر على إقناع منخرطين ومتعاطفين.

إن انغلاق المؤسسات الموكل إليها أمر التنشئة السياسية وإشباع ''الرغبات السياسية'' لشباب خاصة سيؤدي لا محالة إلى وجود مساحات اجتماعية ''فارغة'' غير مؤطرة سياسيا أو اجتماعيا الشيء الذي قد يسهل معه استقطابها من طرف جماعات موازية (مخالفة للقوانين) أو ستجد في تعبيرات أخرى أداة للتعبيير مثل الأشكال الموسيقية الجديدة ، أو ستجد (وهذا موضوعنا) في فضاءات موازية حتى ولو كانت افتراضية ضالتها بوصفها فضاءات مشبعة بالحرية وخارج الرقابة تمكن من ''تفريغ'' طاقاتها السياسية وآرائها وميولاتها مستفيدة من مستوى التفاعلية والترابطية المتاحة في هذه الوسائط . فكيف يعقل أن يشاهد الملايين في العالم وفي نفس اليوم فضيحة ''فيضان الملعب'' ولا تستطيع الأحزاب، والحكومة أن تتخذ إجراء في حينه؟

هذا الإحباط يجد نفسه تلقائيا في تعبيرات المواطنين ولا سيما الشباب في المواقع الاجتماعية ... إنه محاولة لإحداث التوازن النفسي / السياسي بين ضرورة التفريغ السياسي للطاقات وعجز المنظومة المؤسساتية على القيام بهذه المهمة. إن هذا الفضاء أضحى يشكل ميكانيزم دفاعي للتخفيف من حالة التوتر النفسي الناتجة عن هذه المفارقة.

إشكالات

إذا كانت هذه الوسائط الحديثة تسمح للأفراد بتعزيز المراقبة الشعبية على الشأن العام وزيادة ''منسوب الشفافية'' فما الضامن لعدم انزلاق هذه الوسائل إلى الدخول والتسرب إلى حياة الناس الخاصة وتعزيز الطابع ''الفضائحي'' لها ؟

كما إذا كانت هذه المواقع (أو هكذا يفترض) تسمح للأفراد بالدفاع عن الحريات و حقوق الانسان فإنها من الممكن أن تستخدم في تعبئة الجماهير للعنف و تدمير هذه الحرية (الخلايا الإرهابية، ظاهرة الالتراس ..)، فما هي آليات المراقبة و الحماية التي تجعل القائمين والمسيطرين على هذه التكنولوجيات يستخدمونها بديمقراطية؟

أضف إلى هذا أنه من الممكن أن تستخدم هذه الوسائط في التعبئة والتجييش من أجل قضايا غير عادلة، فيكفي أن تكون لك قدرة على التشبييك لبروز هذه القضية وشحذ النفس التضامني !!!

وأخيرا وهنا ننتقل إلى الحقل الدستوري ماهي مشروعية العرائض الشعبية الموقعة على الأنترنت وغير المرتبطة بالأطر الدستورية التقليدية؟ وكيف يمكن خلق تناغم بين المؤسسات والأحزاب السياسية وطرائق المشاركة التقليدية مع هذه التحولات في هذا العصر الرقمي؟