ثقافة وفن

حليم يكتب عن "الحصلة": اختزال الحي في سياقات ضيقة

حسن حليم الثلاثاء 20 أكتوبر 2020
2020-10-16-16-43-15.803696flziq_HYo34Je.image_corps_article
2020-10-16-16-43-15.803696flziq_HYo34Je.image_corps_article

AHDATH.INFO

لم تكوني متفوقة سيدتي  وأنت تحطين الرحال رفقة طاقمك داخل حرمة الحي المحمدي غير متسلحة بأبسط شروط النزاهة الفكرية، بل تجردت منها وخسرت التجربة وقفزت على  تاريخ  ثقافي ونضالي ورياضي واجتماعي وفني حافل بالملحمات   ،واختزلت كل التراكمات في فكرة واحدة و درب واحد " درب كاسطور"  ،انتقيت داخله زمرة من اليافعين والشباب، ليمنحوك  شهادات  عفوية مستقاة من  وضعية نفسية هشة  بفعل مايتناولو ه قهرا من أنواع المخدرات، وسلطت عليهم كامرتك وعدساتها التي مسحت وجوههم وأجسادهم المتعبة بندوب رسمتها  ظروفهم البئيسة.

فعلت فعلتك هاته مع سبق الإصرار والترصد، وكنت سيدتي ظالمة إلى حد الجبروت في حكمك على الأشياء.  يجب أن تدركين سيدتي أن  الإبحار في محيط الحي المحمدي  صعب يحتاج إلى ملاح ماهر  له  مركب ومجاديف قادرة على تطويع الأمواج العاتية، لكي يخرج إلى شط الأمان  بسلام. الحي المحمدي  ليس مارستانا يضم المنحرفين والمختلين عقليا فقط، بل هو تاريخ لوحده، صنعه رجال  ونساء انبعثوا من رحم المعاناة، فأثثوا فضاءاته حبا والتحاما. الحي المحمدي  فضاء التناقضات يضم جميع التلوينات، تمتزج بحكم عوامل اجتماعية ،لينبثق منها اللون الوردي فقط   .

كنت من بين المتتبعين للفيلم الوثائقي " الحصلة" لمخرجته صوفيا التراب  على القناة الثانية الذي يتكلم عن الحي المحمدي، انتابني شعور بالدهشة  و  "  الحكرة" وأنا أجاهد نفسي لكي ألامس فقرات هذا العمل، تقادفت أمامي صور نمطية  تسربت بدواخلي  وحركت بركانا تناثرت شظاياه لتغمر جدسمي عرقا، وصرت لا ألوي على شيء. تسللت الكاميرا بين أزقة درب "كاسطور". قد تبدو من أول وهلة أن حركاتها بريئة ،لكن دقيقة وموجهة. قد أتفهم سيدتي  تركيزك على هذا الدرب بالضبط ،بحكم عنوان فلمك " الحصلة" المستوحي من أغنية لمشاهب وتواجد منزل الراحل محمد السوسدي، لكنك  كان من الأحرى والأجدر أن تطلقي عنان عدساتك على باقي الدروب.الحي المحمدي كذلك هو الغيوان وتكادة والسهام ولرفاق ومسناوة. الحي المحمدي هو رجالات ونساء فنية ورياضية وثقافية ،وهو كذلك  معتقل درب مولاي الشريف وسينما السعادة وشريف  ،والطاس . 

الحي المحمدي هو عنوان النضال. هو الفرح والحزن ،هو النكتة والحكاية والسرد هو الرقص والإبداع ، هو البساطة والقناعة, هو كل شيء .هو عالم يلتقي فيه البسطاء والأغنياء والمقهورين ليعزفوا  سنفونيات  خالدة. لقد أخطأت سيدتي العنوان. الحي المحمدي أكبر من حوارات منتقاة بعناية، ترسم لوحات خاطئة. تركيزك سيدتي على سياقات ملتوية ,أبناء الحي يحبون كل شيء، يحبون الحياة، يحبون الرجاء والوداد وأكثر الإتحاد البيضاوي.

لقد أدخلت فريق الرجاء  ولمشاهب في جحر شباب تائه، غير قادر على التعبير حتى، فكيف تنتقين أشخاصا دون أخرين . على العموم  عملك  رغم الأخطاء التي ذكرناها سلفا، يبقى  محاولة لتسليط الضوء عن الحي المحمدي ،أحد أعرق الأحياء وأشهرها، يستحق اجتهادا وبحثا عميقين للنبش في تاريخه.