ثقافة وفن

القيادة السوسيو-اقتصادية في الخطاب الملكي لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية

أحداث انفو الاحد 25 أكتوبر 2020
image 2020-10-09 à 16.21.13
image 2020-10-09 à 16.21.13

Ahdath.info

بقلم: محمد العلمي

يتأطر الخطاب الملكي الأخير، الذي جاء بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة ضمن سيرورة من الخطابات الملكية التي تحفل بالتوجيهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك طلبا لتدبير أمثل للحياة العامة في ظل تفشي جائحة فيروس كورونا.

ومن هذا المنطلق، فإن الخطاب الملكي يختلف عن غيره من الخطابات السياسية الأخرى كما هو الحال مع خطابات الأحزاب أو المنظمات، ليصير ذا سمة خاصة تتمثل في بعده القيادي.

وتتحقق قيادية الخطاب الملكي انطلاقا من اعتبارين اثنين: يرتهن الأول إلى كون هذا الخطاب صادرا عن أعلى سلطة في البلاد، يستمد مشروعيته القيادية منها بوصفها منتجة له، والاعتبار الثاني يكمن في السمة الريادية التي يستقيها من مبدإ القوة الإنجازية التي تميزه، والتي تتأتى من الموقع السياسي الذي يمثله الملك، حيث "يكون هدفه الجوهري هو التحفيز على الفعل" ودفع المخاطب إلى التنفيذ والإنجاز. (باتريك شارودو، "حول الإقناع في الخطاب السياسي"، ترجمة محمد الوالي، مجلة البلاغة وتحليل الخطاب، عدد 6، 2015، ص 89).

وبالنظر للخطاب الملكي الأخير، يظهر أنه يأتي في ظرفية استثنائية يعيشها العالم بشكل عام، والمغرب بخاصة، وفي ضوء شروطها فقد انبنى الخطاب متضمنا متوالية من التوجيهات القيادية التي ترسم خارطة الطريق وتوضح سبل الفكاك من مأزق الجائحة.

وعلى هدى من هذه الفكرة، فإن السؤال الذي يؤطر ورقتنا هذه يبحث في استكشاف تمظهرات القيادة الاقتصادية في بنية الخطاب واستيضاح تجلياتها، وذلك استنادا إلى فرضية أساس تعتبر الخطاب الملكي خطابا قياديا شموليا، يكتنز ضمن بنيته قيما قيادية متعددة لا تخلو مما هو اقتصادي.

من جهة أخرى، نقصد بالقيادة، في هذا الباب، تلك الممارسة الريادية المخولة للفرد القائد، حيث يمارس قدرته على التوجيه والتأثير في المجتمعات الإنسانية بغاية تحقيق أهدافها والحفاظ على هياكلها، إنها تلك السلطة التنفيذية التي يحوزها القائد متمثلة في صناعة القرار ودفع الجماعة السياسية إلى تنفيذه وحفز المجتمع على الامتثال لمضامينه. (أحمد ياسين، دور القيادة السياسية في إعادة بناء الدولة (روسيا في عهد بوتين)، ص-ص 57-63 بتصرف).

ووفق هذا المنظور، يكون المراد بالقيادة السوسيو-اقتصادية تلك القرارات الكبرى المرتبطة بالسلط والمؤسسات السياسية الأخرى، والتي تتسم، في جوهرها، بطابعها الاجتماعي أو الاقتصادي، حيث تطول مجموع المجالات المتدخلة في نهضة كل دولة.

ومن هذا يجد سؤالنا عن القيم السوسيو-اقتصادية في الخطاب الملكي مشروعيته.

غني عن البيان القول إن الاقتصاد العالمي قد عرف تقهقرا واضحا وركودا ملحوظا جراء تداعيات الوباء المستجد، وهو الشيء نفسه الذي يقاس على اقتصاد المغرب، بالرغم من المجهودات المبذولة في سبيل إنعاشه منذ خلق صندوق كورونا الذي حمل عبء عدد كبير من المقاولات وفئات واسعة من المستأجرين وغيرهم.

وفي هذا السياق، فقد سعى الخطاب الملكي الأخير، بمناسبة السنة التشريعية الجديدة، إلى جعل الجائحة نقطة بداية جديدة لنهضة اقتصادية واعدة، قوامها رصد "الاختلالات ومظاهر العجز التي أبانت عنها الأزمة، وتأثيرها السلبي على الاقتصاد الوطني والتشغيل،" وجعلها منطلقا لإطلاق خطة طموحة لإنعاشه، ذات رؤية شمولية تستهدف المجالات الاقتصادية الكبرى، من خلال "إعادة هيكلة الصناعة، والابتكار والقطاعات الواعدة، والمقاولات الصغرى والمتوسطة، والبنيات التحتية والفلاحة والسياحة." (الخطاب الملكي بتصرف).

إن هذه الدعوة، أو لنقل هذا التوجيه الملكي المتضمن في الخطاب، يجعل "الخطبة الملكية تمارس نوعا من الوظيفة الندائية (Conative)، حيث تُولَّد هذه الوظيفة لغويا بالتركيز على عنصر المرسل إليه، وتسعى، متوسلة باللغة، إلى إثارة انتباهه أو طلب القيام بعمل ما". (عثمان الزياني، الخطاب السياسي في المغرب، بين منزلقات البلاغة وزلات اللسان، ص28).

ولما كان مضمون الخطاب مركزا على الجانب السوسيو-اقتصادي في مختلف تجلياته، فإن هذا النداء جاء مراعيا للموضوع العام، ويشمل عدة توجهات نستبينها في ما يأتي:

1. التوجه الاقتصادي: يضطلع الاقتصاد بدور مركزي في تماسك الدول والمجتمعات، وذلك بالنظر لكونه الفاعل الرئيس في نموها وتماسك بنياتها.

ووفق هذا المنطق، تقر بنية الخطاب الملكي بصعوبة المرحلة التي تعيشها البلاد. ولذلك، فقد نادى الخطاب بإحداث صندوق للاستثمار الاستراتيجي برأس مال مهم، يطمح إلى "تجاوز آثار الأزمة، وتوفير الشروط الملائمة لتنزيل النموذج التنموي"، (الخطاب الملكي) .

ويصبو إلى دعم القطاعات الإنتاجية، وخلق فرص الشغل والحفاظ على مصادر الدخل، من خلال تمويل المشاريع الكبرى ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة والنهوض بالبنيات التحتية والاهتمام بالقطاعين الفلاحي والسياحي، وتسهيل الاندماج المهني بالعالم القروي.

2. التوجه الاجتماعي: إن الرهان من كل نهضة اقتصادية هو تحقيق نهضة اجتماعية موازية يعيش في كنفها مواطنو الدولة في ظروف معيشية ملائمة. ولهذه الغاية، فقد كان الخطاب الملكي واعيا بهذا الترابط الجوهري وداعيا إليه، حريصا على "تلازم تحقيق التنمية الاقتصادية بالنهوض الاجتماعي لتحسين ظروف عيش المواطنين"، (الخطاب الملكي) .

وهذا ما يفسر دعوته لإعطاء الانطلاقة لمشروع جديد يتوخى تعميم التغطية الاجتماعية عبر توسيع الانخراط في نظام التقاعد وتعميم الاستفادة من التأمين على فقدان الشغل وتعميم التغطية الصحية والتعويضات العائلية، بما يكفل للمواطن المغربي حياة كريمة تستجيب لمستوى تطلعاته وانتظاراته.

3. التوجه الإداري: لم يخف الخطاب الملكي على متلقيه حقيقة الاختلالات التي لم تنفك منها المؤسسات العمومية بعد، بل أثبتها وحث على "التأسيس لعقد اجتماعي جديد، يقتضي تغييرا حقيقيا في العقليات، وفي مستوى أداء المؤسسات العمومية"، (الخطاب الملكي) مؤكدا على ضرورة الإيمان بوجوب اعتماد مبادئ الحكامة، والتمسك بقيمة القانون والنظام وسيادة العدل، حيث تكون المسؤولية قرينة المحاسبة ومرتبطة بها. (ديف فرانسيس، ومايك وودكوك، القيم التنظيمية، تر: عبد الله أحمد هيغات، ص 43) .

تبعا للفكرة السابقة، فإن المشروع الاقتصادي الحقيقي، كما يبرز الخطاب، لا يقوم على المقومات المادية فقط، كضخ الأموال وتشجيع الأبناك على منح القروض أو حفز الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وإنما يرتهن، كذلك، لأسس الحكامة والتحلي بحس المسؤولية، كما يقوم على قيادة فعالة، تتصف بالريادة، وصفها الملك "بالقيادة المبتكرة والناجعة".

ومن هذا التوجه، تأتي أهمية النخبة في الإشراف على هذه المشاريع والسهر على إدارتها. وتتحقق هذه القيمة بجعل "النخبة دائما في القمة،" (ديف فرانسيس ومايك وودكوك، ص 41) وهذا ما شدد عليه الملك في خطابه عندما عبر صراحة بالقول: "ولهذه الغاية، ندعو الحكومة للقيام بمراجعة عميقة لمعايير التعيين في المناصب العليا، بما يحفز الكفاءات الوطنية على الانخراط في الوظيفة العمومية، ويجعلها أكثر جاذبية،" (الخطاب الملكي).

ومن هذا يتبين حجم الثقة التي يوليها الملك للنخبة بوصفها سبيلا حقيقيا لنجاح أي مشروع كيفما كان.

إن هذا المشروع متعدد الركائز والأهداف، يتطلب مجهودا كبيرا وتضافر الجهود مجتمعا ومؤسسات، وهو ما نادى به الخطاب حين دعا إلى الارتكان لمقاربة تشاركية تراهن على المضي قدما بمشروع الإنعاش الاقتصادي من خلال "التشاور الواسع مع جميع الشركاء". (الخطاب الملكي).

وختاما، يفضي النقاش في هذا الموضوع إلى استخلاص معطيين اثنين نوردهما في الآتي:

- لقد تحققنا أن الخطاب الملكي خطاب قيادي محفز، يتأسس على اتخاذ القرار وتوجهيه لمختلف الفئات، مؤسسات كانت أم شعبا، بغية بلوغ الأهداف المنشودة.

وهكذا، كان الرهان في هذا الخطاب قائما على منحيين منسجمين: الأول اقتصادي والثاني اجتماعي، يسعفان كلاهما في التأسيس لتنمية سوسيو-اقتصادية متوازنة؛

- أما المعطى الثاني فيتعلق بتجليات القيادة في الخطاب الملكي، إذ تظهر هذه السمة من خلال إدارة المهمة، حيث يدعو الملك إلى عمل الأشياء الصحيحة بالشكل الصحيح، بفعالية وكفاية، كما تتجلى، أيضا، في إدارة الإدارة، عندما ينادي بالحكامة ويشدد على ربط المسؤولية بالمحاسبة.