ثقافة وفن

الدكتور محمد الزهرواي يكتب : ما دلالات فتح الامارات قنصلية بالعيون ؟

أحداث انفو الأربعاء 28 أكتوبر 2020
الزهراوي
الزهراوي

Ahdath.info 
 
أعلنت دولة الامارات عن قرارها فتح قنصلية في مدينة العيون خلال مكالمة هاتفية بين الملك محمد السادس و ولي العهد محمد بن زايد.
 
   لكن، الملفت في هذا القرار المفاجئ أنه جاء في سياق خاص، إن على مستوى العلاقة بين الدولتين التي شهدت حالة من الفتور والجفاء طيلة ما يقارب السنة والنصف، أو على مستوى الظرفية التي تمر بها قضية الصحراء في ظل المناوشات الاستفزازات والتحركات(عرقلة معبر الكركارات اليوم السابع من طرف ميليشيات البوليساريو)  التي يقودها النظام العسكري الجزائري بالتزامن مع قرب صدور قرار مجلس الامن نهاية هذا الشهر. 
 
 إن قرار الامارات بفتح قنصلية بمدينة العيون المغربية يعتبر خطوة مهمة من شأنها أن تعيد الدفء الى العلاقة بين الطرفين، لاسيما وأن الوصول إلى قلب المملكة المغربية يمر عبر الصحراء، وعادة ما ينقطع الود والوصال بسبب رمالها المتحركة التي تجعل من علاقات المغرب - صداقات وعداوات- خاضعة وباستمرار لتقلبات جمة قد لا تسعف رواسب الماضي والتاريخ وتوازنات المصالح والاقتصاد في ضبطها، أو على الأقل تسييجها ورسم حدودها وسقفها لتفادي الانفلات.
 
وبالعودة إلى قرار الامارات المفاجئ من حيث السياق والتوقيت، فإنه يحمل في طياته مجموعة من الدلالات والرسائل التي يمكن اجمالها في ثلاث مستويات : 
 
الاول، المستوى العلائقي، حيث بهذا القرار تكون دولة الإمارات قد طوت صفحة الماضي، ومهدت لإغلاق قوس الخلاف أو سوء الفهم الذي كاد أن يعصف بالعلاقة بين الطرفين، لاسيما وأن الفتور تحول في محطات معينة إلى تباين حاد على مستوى المواقف والسياسات.
 
الثاني، المستوى الجيوسياسي، إذ بهذا القرار تكون الامارات قد حسمت موقفها وتحالفاتها الاستراتيجية مع دول المغرب الكبير، وعادت بذلك إلى دائرة حلفائها التقليديين.
 
   فعكس المؤشرات السابقة، وبعد سلسلة من اللقاءات التي أشرت على نوع من التقارب او التحالف الذي صار معلنا  في فترات معينة خلال السنة الماضية مع جنرالات الجزائر المتنفذين( الزيارات المتكررة للامارات للجنرال الراحل قايد صالح والحالي شنقريحة).
 
   غيرت الامارات البوصلة بسرعة قياسية ودون سابق إنذار في اتجاه المملكة المغربية، وهو تحول من المحتمل أن يستتبعه تغير على مستوى المواقف والسياسات والتحركات في المنطقة المغاربية خاصة على مستوى بعض الملفات كالملفين الموريتاني والليبي.
 
 إن عودة العلاقة بين الطرفين وفق المتغير المرتبط بدعم الوحدة الترابية للمغرب من خلال فتح قنصلية، قد يساهم في تقريب وتليين المواقف تجاه بعض الملفات الاقليمية الحيوية كالملف الليبي، وإيجاد مساحات للتفاهم والتنسيق وإعادة ترتيب الروئ بشأن التواجد الإماراتي في موريتانيا بما يخدم مصالح الأمن القومي المغربي.
 
الثالث، المستوى الجيو-استراتيجي، إن فتح دولة الامارات قنصلية بمدينة العيون، يعتبر تحول أساسي في مسار الحرب الدبلوماسية التي يقودها المغرب ضد خصومه، إذ ستفتح هذه المبادرة الباب امام باقي الدول الخليجية والعربية بعدما ظلت لشهور محصورة على مستوى الدول الإفريقية.
 
إن خطوة دولة الامارات،  بقدر ما ستسهم في تدعيم وتقوية العلاقة مع المغرب، بقدر ما أنها سوف تسبب بعض الاحراج إن جاز التعبير، أو تكشف حقيقة مواقف بعض الأطراف الخليجية التي ما فتئت تعمل على إنتاج خطاب رمادي/مزدوج، يعادي ويناصر في الوقت نفسه، لكن، ليس بحسب درجة التقارب أو المصالح والتحالفات، بل يتجاوز هذا المنطق الكلاسيكي، وصار يوظف ورقة الصحراء للمساومة والابتزاز.
 
هذا المستوى الجيو-استراتيجي، من المحتمل أن يعيد تشكيل و رسم خريطة تحالفات المملكة قاريا وعربيا ودوليا، حيث إن "محدد الدعم الميداني" من خلال فتح القنصليات في الأقاليم الجنوبية من الوارد أن يصبح محددا أساسيا في رسم توجهات وتحالفات المملكة المغربية، وهو ما يؤشر على تقوية دائرة الداعمين الحقيقين والمفترضين للوحدة الترابية في فترات السلم والحرب، لاسيما وأن المنطقة باتت مفتوحة على كافة السيناريوهات في ظل انحسار وتلاشي "حلم الانفصال"، إذ أن وجود  القنصليات في منطقة الصحراء المتنازع حولها منذ سنوات والمطروحة امام منظمة الأمم المتحدة، يكتسي رمزية ودلالة بالغتين على مستوى المنتظم الدولي لما لذلك من انعكاسات  ميدانية واقتصادية وعسكرية وسياسية ومعنوية على أطراف النزاع..
 
الدكتور محمد الزهراوي/ أستاذ التعليم العالي بجامعة اباشعيب الدكالي