ثقافة وفن

لغزيوي يكتب: الحيوانات المرضى بالطاعون…!

بنعبد الله المغربي الخميس 03 ديسمبر 2020
Capture d’écran 2020-12-03 à 13.05.01
Capture d’écran 2020-12-03 à 13.05.01

AHDATH.INFO

بقلم: المختار لغزيوي

المعتقد بأن وباء كورونا لن يؤثر في الناس نفسانيا معتقد واهم، لا يعرف خطورة الداء، ولا يقدر تبعاته السيكولوجية على بني البشر.

على الأقل، ظهرت ثلاث علامات في الآونة الأخيرة تؤكد أن الداء ضرب في مقتل نفسية الخلق، وأثر فعليا على طريقة التفكير وكيفية النظر إلى الأشياء حد دفع بضعنا إلى السقوط فيما لم نكن نعتقد أننا سنصل إليه ذات يوم.

وكعادة هذا التابوت الممتد من الماء إلى الماء، والمسمى العالم العربي الإسلامي فإن الضربة النفسية كانت أشرس وأقوى وأشد مضاضة في هذا المكان على العقل من وقع الحسام المهند الشهير.

قال القائل من المصاب بتداعيات كورونا النفسية إنه لا يجب أولا الترحم على دييغو أرماندو مارادونا. « علاش بالسلامة آدادا الفهيم؟ » « لأنه كافر »، أجاب المصاب النفساني من علياء مرضه. قلنا آمين، واكتفينا لكنه لم يكتف.

قال القائل وجراح الإصابات النفسية قد أثخنته مجددا « لايجب أن تقولوا الجمعة السوداء أو (البلاك فرايداي)، بل عليكم ياقوم أن تقولوا الجمعة البيضاء لئلا تسيئوا لعيد المؤمنين الذي يستهدفه النصارى الملاعين وتستهدفه أمازون الأكثر لعنة بهاته البدع الغريبة »

وطبعا لأن القاعدة علمتنا أنه لا إثنان دون ثلاثة، فقد قال نفس القائل مزهوا بكل الأعطاب النفسية التي تركته ممرغا على قارعة التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية وبقية المواد التي يتم تدريسها للناس في المدارس التي لم يعبرها يوما أو عبرها ولم يستفد منها « الذي بعث » إنه من الضروري مقاطعة امتحانات اللغة الفرنسية في كل دول العالم العربي الإسلامي نصرة للنبي الكريم صلى الله سلم على منارة الهدى الذي لم يكن يعتقد صلى الله عليه وآله وسلم أنه سيأتي حين من الدهر يتبعه حمقى من هذا النوع المريع جدا.

هل نكتفي أم نواصل؟

في الحقيقة لا ندري. مع كائنات من هذا النوع، نتوقف، نتريث، نحاول التقاط الأنفاس لأن اللهاث وراء كل هذا الغباء ينهكنا، ولأننا لانملك آليات بديلة عنه، لا نملك تصورا لما يمكن أن نصنعه بأنفسنا بعيدا عن ناسه وأهله.

حتى المطارات اللعينة التي كانت مفتوحة في وقت من الأوقات وكانت تسمح لك بتلك الاستراحة الضرورية من قوم الجهالة العمياء، بحثا عن رحابة لا تتوفر لك في المكان أقفلتها الكورونا. لم يعد ممكنا أن تسافر. لم يعد ممكنا أن تستنشق هواء أقل ضررا من الهواء البليد المحيط بك، يرى في كل شيء مؤامرة، ويلمح في ثنايا كل فعل أو قول أو حركة اجتماعا لكائنات وهمية تريد المساس بالأمة، وتريد النيل من الأمة، علما أنه لم تعد توجد أمة أصلا.

هناك تجمع من الناس قال لهم أحدهم ذات زمن - ونسي أن يصحح لهم المعلومات بعد ذلك - أنهم الأفضل على الإطلاق.

تلقوا البشارة واعتبروها أبدية لا تتطلب تنقيحا، ولا تعلما أو تعليما. هي بمثابة الإرث لديهم، وقد بقوا على الاقتناع ذاته أنهم فعلا الأفضل حتى بعد أن دارت بهم كل الدوائر، وحتى أصبحوا أراذل القوم في العالم أجمع.

لايصدقون لحد الآن هذا المصاب الجلل، وحين يغضبون يخرجون إلى الشوارع لكي يصرخوا كثيرا ولكي يظهروا علامات الحمق ويلتقطوا السيلفيهات، أو في الحالات الأكثر استفحالا يرسلون أكثرهم غباء لكي يقتلوا الناس، لكي يفجروهم، لكي يطعنوهم بالسكاكين ولكي يسجلوا قبل ذلك فيديوهات التبني وهم يعتقدون أن هناك جميلات سبعينيات يشغلن الوقت بانتظار قدومهم لأجل الاستفادة مما تعسر في الحياة الدنيا الفانية.

مارادونا كافر والبلاك فرايداي لاتجوز إلا إذا قلنا إنها الجمعة البيضاء، وأفضل طريقة لنصرة النبي عليه الصلاة والسلام هي أن نقاطع امتحان اللغة الفرنسية. يجب أن نعترف ألا حدود لهذا الغباء، ويجب أن نعترف أننا تركنا أجيالا وأجيالا من بني الجلدة بين أيدي قنوات الشعوذة، وتجار الدين وإعلام الخرافات والغيبيات وكتب الدجل المنتشرة في أبواب المساجد قبيل التهام الكسكسي باللبن كل جمعة حتى وصلنا إلى هذا الحضيض.

وفي الوقت الذي تشغل فيه كبريات المختبرات العالمية بالها بالبحث لنا عن لقاح يقينا الداء اللعين، ويعيد للإنسانية قدرتها على السفر والهروب من مواطن البلادة، يشغل بنو الجلدة البال والنفس بالبحث عن دلائل خيرات جديدة على أن الكورونا ضرب عقلا عربيا مسلما مثخنا بكثير من الجراح النفسية منذ عشرات القرون.

في وقت سابق، يوم كانت المدرسة مدرسة عرفنا رجل رائد يسمى أحمد شوقي على حكاية الحيوانات المرضى بالطاعون. قرأناها ونحن في سن الحداثة الأولى للتعلم. لم ننسها. لعل الأيام وهي تتقدم تواصل تذكيرنا بها يوما بعد الآخر، وتؤكد لنا مافهمناه حينها أن الكاتب لم يكن يتحدث عن الحيوانات بالمعنى الحقيقي، بل ربما كان يقصد مجازا حيوانات من نوع آخر، شافى الله جميع الجميع….