ثقافة وفن

لغزيوي يكتب: السلام من « باب المغاربة »...

بقلم: المختار لغزيوي الخميس 10 ديسمبر 2020
bab-maghariba
bab-maghariba

AHDATH.INFO

بقلم: المختار لغزيوي

لنكن واضحين في الحديث دون أي التباس مثلما جرت بذلك العادة عند المغاربة منذ القديم: فلسطين هنا في المغرب ثابت ثاني بعد الصحراء المغربية.

حق الشعب الفلسطيني أمر لايقبل النقاش، والدفاع عنه ديدن الشعب والملك والبلاد منذ قديم الزمان، ليس لأسباب سياسوية أو حزبية أو فئوية ضيقة، بل لأن المغرب اقتنع منذ قديم القديم أن نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقه في العيش إلى جانب جاره الإسرائيلي هو حق مشروع، ولأن المغرب آمن بالسلام قبل أن يفهم العالم كله معنى السلام، ولأن المغرب دعا إلى حل الدولتين قبل الجميع، وصرح على امتداد تاريخه أن الأمن والطمأنينة لن يعودا إلى تلك المنطقة المقدسة طالما ظل فيها للظلم متسع، وطالما تم حرمان أي ديانة من الديانات الثلاث من حقها في العيش علي أرض اختارتها الديانات الثلاث مهدا للإنسانية ومحور التقاء لكل الأديان.

هذا الموضوع لدينا لايقبل نقاشا ولا نتقبل فيه أو حوله مزايدة من أي كان، لأن الفلسطينيين يعلمون معزة فلسطين في قلب المغرب، ولأن الفلسطينيين يعرفون أن المغرب ظل دوما وأبدا البلد الذي يقرن الفعل بالقول في مجال مساندته، وأنه البلد الذي قرر من تلقاء نفسه إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي منذ سنوات عديدة تضامنا مع الشعب الفلسطيني، وهو المكتب الذي كان مفتوحا في الرباط قبل أن يسمع العالم عن صفقة القرن وعن بقية التطورات.

الآن لنقل الأشياء الأخري المرتبطة بما يعرفه عالمنا الجديد من تحولات: السلام من باب المغاربة سيكون سلاما حقيقيا.

لدينا في المغرب أبناء وبنات « البلاد » ممن خرجوا من المغرب ولم يخرج المغرب يوما من قلوبهم. لدينا ارتباط وثيق بأولئك، ولديهم هم ارتباط أوثق بالبلاد وملكها وشعبها وناسها وأماكنها.

هم هاجروا، نعم، لكنهم ظلوا على العهد الأول، وكلما سنحت لهم الفرصة لزيارة هذا المكان الذي أنجبهم إلا واستجابوا بكل فرح الكون. ولا أحد منا يستطيع حرمانهم من حق الفخر بالانتساب الأول، ولا أحد فينا أو منا يمتلك حق الحكم عليهم أو تقييم مساراتهم، أو مساءلتهم « لماذا ذهبتم؟ » لأن الحكاية أعقد بكثير من الأحكام الجاهزة التي يطلقها من لايملكون شيئا يخسرونه.

السلام من باب المغاربة، وباب المغاربة هذا باب شهير في القدس يقول لنا كل شيء عن الانتساب الأول وعن العراقة وعن القدم وعن التاريخ، سيكون السلام الحق.

نحن بلد يساند حق الشعب الفلسطيني، ونحن بلد بعيد عن المنطقة جغرافيا لكن قريب جدا عاطفيا ووجدانيا، مع أننا غير معنيين بالتطورات على الأرض بشكل مباشر، لذلك نمتلك هذه المسافة من البعد التي تجعلنا قادرين دوما وأبدا على اتخاذ أكثر المواقف عقلانية واقترابا إلى المنطق السليم.

ويوم كان الملك العظيم الحسن الثاني يعمل كل مابوسعه لتقريب المسافات بين المقتتلين حول تلك الأرض المقدسة، لم يكن رحمه  الله يفعل ذلك من أجل مجد شخصي أو تاريخي، بل كان يفعله لأن دور باب المغاربة كان دوما وأبدا أن يدخل منه الذين يجنحون للسلم كافة.

كانت نظرة استباقية من أحكم حكماء العرب يوما، ورثها عن الخامس الذي منح اليهود الهاربين من النازية الأمان، وقال لهم إن المغرب الذي استقبل الفارين من الأندلس منذ عشرات القرون هو المغرب ذاته الذي يفتح أحضانه للإنسانية المعذبة والمضطهدة لكي تجد فيه الملاذ الآمن المطمئن على الدوام.

هذه خاصيتنا في هذا المكان، ورافدنا العبراني الذي كتبناه في الدستور ليس مجرد ترف تاريخي نفتخر به فقط، بل هو مكون أساس فينا وفي دواخلنا يجعلنا نتميز مرة أخرى بهذه الخاصية الاستثنائية التي تجعل السلام من باب المغاربة سلاما بنكهة أخرى

نكهة العدل أو على الأقل الحد الأدنى من العدل مقابل الظلم الكبير الذي يريد المتطرفون أن يظل سائدا في المكان

نكهة العراقة لأن الامتداد كائن وقائم منذ قديم الزمن، ولأن النبض المغربي يضرب بقوة في تلك الأرجاء

نكهة العقل الباحث عن حلول غير الاقتتال الضاري وغير السباب والشتائم والتخوين، وعبارات العاجزين ممن لم يحملوا بندقية في يوم من الأيام، لكن يحملون في ألسنتهم كثير الألفاظ الدالة على التيه فقط لا غير

نكهة باب المغاربة لمن يعرف قليلا تاريخ المكان هي النكهة الأفضل للدخول إلى حديث آخر بين الناس، وطبعا قبل وبعد كل الأشياء حق الفلسطيني لدينا مقدس ثابت في أن يعيش حياته على الأرض رفقة جيرانه، دونما قطرة دم يحق لها أن تتوقف عن السيلان، ودونما سقوط بين براثن المتاجرين بالدين والشعارات الذين لا يريدون للموت الفلسطيني أن يتوقف، لأنهم ألفوا المتاجرة فيه بالشيكل والدولار والأورو، ولا يتصورون اليوم أن يأتي من باب المغاربة أناس لايريدون تلقي أي ثمن مقابل السعي نحو السلام بين المؤمنين كافة.

قطعا لن يستطيع أحد المزايدة علينا في هذا الموضوع، فنحن المغاربة الذين أطلق التاريخ إسمهم على الباب الشهير، هنالك في القدس قبل وبعد نهاية كل الأشياء..