آراء وأعمدة

شكاية الأجهزة الأمنية.. 4 ملاحظات جوهرية

طه بلحاج الأربعاء 06 يناير 2021
Abdellatif-Hammouchi-et-Mohamed-Yassine-Mansouri
Abdellatif-Hammouchi-et-Mohamed-Yassine-Mansouri

AHDATH.INFO- بقلم نوفل البعمري

القول بعدم أحقية المؤسسات الأمنية في تقديم شكايات في مواجهة أشخاص استغلوا قنوات أو وسائل للتواصل الاجتماعي لإهانتها وبث ادعاءات ووقائع كاذبة والتشهير بها، ينم عن جهل تام بالقانون. والتشكيك في الأساس القانوني لهذه الشكايات وادعاء عدم أحقية المؤسسات الأمنية في تقديمها في مواجهة أشخاص ذاتيين هما مغالطة تؤكد جهل أصحابها بالقانون المغربي والدولي على حد سواء، على اعتبار أن هذه المؤسسات الأمنية تشتغل في إطار القانون وقدمت هذه الشكايات في إطار ما يسمح به الدستور.

الأستاذ نوفل البعمري

تقدمت وفقا لبلاغ رسمي مختلف الأجهزة الأمنية الثلاث بشكاية ضد مجموعة من الأشخاص المغاربة المقيمين في الخارج للنيابة العامة بدعوى قيامهم بإهانة هذه المؤسسات الأمنية والسب والقذف في حقها وفي حق مسؤوليها، وقد أثارت هذه الشكاية بعضا من ردود الفعل خاصة من طرف الأشخاص الذين اعتبروا أنفسهم معنيين بموضوعها الذين يُفترض فيهم ماداموا يدعون الدفاع على القانون أن يمتثلوا للنيابة العامة قصد الاستماع إليهم وفقا للإجراءات المنصوص عليها في القانون، وعليه فهم اليوم أمام امتحان صعب، امتحان بين ما ظلوا يدَّعونه و بين ممارسة ذلك على أرض الواقع، وهو ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.

على العموم لابد من تقديم ملاحظات في الموضوع مادام أنه تحول لقضية رأي عام وطني، وهناك من يريد تحويله لقضية رأي عام دولي في اعتقاد ساذج أن هناك من يمكن الضغط على المغرب وعلى مختلف مؤسساته بالإستقواء بالخارج خاصة بمنظمات «حقوقية» ثبت أنها تمارس السياسوية أكثر منها الدفاع أو تبني قضايا حقوقية، للضغط على المغرب، وهو اعتقاد لم يعي بعد طبيعة تحولات الدولة المغرب وحجم مصداقيتها المؤسساتية في الخارج.

هذه الملاحظات يمكن إجمالها فيما يلي:

1- المؤسسات الأمنية الثلاث عندما اختارت اللجوء للقضاء وسلوك المساطر الإجرائية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية، فهي تؤكد على أن هذه المؤسسات عند لجوئها للقضاء فهي اختارت أن تضع نفسها تحت سلطة الدستور والقانون، وأنها احتكمت لسلطة قضائية أصبحت جهازا مستقلا بحكم الدستور، ولم تلجأ كما يحدث في العديد من الدول عندما تكون هناك "خصومة" بين بعض أفرادها وأجهزتها الأمنية لأساليب بائدة مخالفة لحقوق الإنسان، بل هذه المؤسسات لجأت واحتكمت للقانون ولجأت للقضاء، ولجوءها للقضاء هو إقرار بلجوئها لجهاز هو من سيفصل بينها وبين و من وُضعت الشكاية في حقهم، وهو سلوك يُعتبر تعبير على حجم التطور المؤسساتي في بلادنا وأن المؤسسات الأمنية تضع نفسها رهن إشارة القضاء، وتشتغل في إطار القانون والنور، وعندما اعتبرت أن القانون انتُهك في حقها فقد لجأت للإحتماء فيه ولم تستقو بأجهزتها كما تفعل عدة دول للانتقام ولسلوك مسلكيات خارج القانون.

2- هؤلاء الذين اعتبروا أنفسهم معنيين بالشكاية ومن يدور في فلكهم، في مختلف ردود فعلهم فهي استنكرت لجوء المؤسسات الأمنية للقضاء، وهو استنكار يعكس تناقض هؤلاء الأشخاص، فكيف يطالبون  بتطبيق القانون، وبدولة الحق والقانون، وعندما يتم اللجوء لهذا القانون ويتم الاحتكام إليه، فهم يخرجون لإدانة الأمر، وكأن تقديم شكايات من طرف هذه المؤسسات هو فعل خارج القانون، مع العلم أن لجوء مؤسسات أمنية للقضاء هو سلوك يجب تشجيعه لأننا أصبحنا نرى مؤسسات الدولة على رأسها الأمنية تتجه بشكل حضاري إلى الاحتكام للقضاء وسلطته والالتزام بقراراته وأحكامه القضائية في مختلف النوازل التي تكون طرفا فيها.

3- غالبية من يتحركون في الخارج ويستغلون ما أصبح يُعرف بالإعلام البديل، يعتقدون أن حصولهم على جنسيات لدول أجنبية ودول الإقامة، يحميهم من المتابعة القضائية والقانونية، وأن هذه الجنسيات قد تكون مبررا للإفلات من العقاب، أو أنها تعطيهم امتيازا ما لسب وشتم وإهانة مختلف المؤسسات خاصة الأمنية منها موضوع النقاش اليوم، مع ما يعتقدون عن جهل بكون الجنسيات التي تحصلوا عليها تشكل ضمانة لهم  للهروب من القانون والقضاء ومن سلطته، في حين أنهم لا يعلمون أن المغرب سبق له أن وقع اتفاقيات مختلفة تتعلق بالتعاون القضائي بين مختلف البلدان ومنها ما يتعلق بتسليم المطلوبين خاصة إذا ما تم إثبات التهم أثناء عملية البحث والتحقيق فيها، وتأكدت جدية الشكايات التي تم تقديمها في حقهم، وثبت أنه تم التعامل من طرف الضابطة القضائية والنيابة العامة بفتح مع هذه المؤسسات كأي طرف متساو أمامها وأمام القانون والقضاء، وأنه يمكن وفقا لذلك وللإتفافيات القضائية التي تم توقيعها، وهي تحقق فكرة مساواة الجميع أمام القضاء والقانون، وهو المبدأ الذي ينص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أن يطالب المغرب بتسليمه أي مطلوب في إطار إنابة قضائية دولية، لذلك الاستقواء بالجنسية الأجنبية لا يُعد مفتاحا للسب والقذف وإهانة مؤسسات منظمة بالقانون دون أن بطال أصحابها سلطة هذا القانون وسلطة القضاء وعدالته.

4- ملاحظة أخيرة تتعلق بتوقيت هذا التنسيق في الهجوم واستهداف هذه المؤسسات الأمنية ورؤسائها، توقيت مرتبط ويتزامن مع التحديات الكبيرة المطروحة على المغرب اليوم وهي متعددة والتي كان لهذه الأجهزة الأمنية حضورا فعالا وبارزا ووطنيا، تحديات منها ما يتعلق بمحاربة الإرهاب و تفكيك الخلايا الإرهابية، تحدي مواجهة الأخطار الخارجية خاصة منها ما يتعلق بالوحدة الوطنية، تحدي محاربة العصابات العابرة للقارات التي تريد التحرك في المنطقة وما حجز الآلاف من الأطنان من المخدرات إلا للإشارة على قوة تحرك هذه الأجهزة، المساهمة في تجنيب العديد من الدول الأوروبية عمليات إرهابية بفضل ما وفرته الأجهزة الأمنية المختلفة من معلومات دقيقة لهذه الدول، التحرك الواسع طيلة سنة في إطار محاربة جائحة كورونا… وغيرها من الخطوات المتنوعة التي قام بها المغرب من خلال مختلف مؤسسات خاصة منها المؤسسات الأمنية المختلفة بشكل متكامل ومتوازي ومتوازن، لذلك فاستهدافها بهذا الشكل ومحاولة جرها لمعارك هامشية، ومحاولة تشويه صورتها في ما يسمي بالإعلام البديل، وتنويع الضربات بشكل متناسق ومتواتر…

كل ذلك يطرح أسئلة حقيقية حول طبيعة خلفيات هذا الاستهداف، هل هو كله كما يدعي هؤلاء حبا في الوطن أم أنه يعكس طبيعة مع هذه التحركات التي تستهدف أحد أكبر أعمدة الدولة المغربية وهي المؤسسات الأمنية التي يُعد استهدافها هو استهداف للاستقرار في المغرب، وعندما نخلص لهذا فلأن مقدمة تخريب عدة دول عربية كانت مقدمته ضرب المؤسسات التي كانت تقوم عليها هذه الدول بدعوى محاربة الفساد، والديموقراطية… وهو في حقيقته يعكس خلفية تتجه لإشاعة الفوضى، واللاأمن واستقرار المغرب.

الأمر كله ليس اعتباطيا وليس مجرد «لعب الدراري» في اليوتوب بل منظم ومُفكر فيه، يدعونا لضرورة الانتباه أكثر واليقظة والحذر والاستمرار في توسيع هوامش الحرية والديموقراطية داخليا وتمنيع مختلف المؤسسات بتقويتها وتقوية مصداقيتها أمام المواطن الذي يعد حصن الوطن وضمانة استقراره، وأن ذكاءه الذي جعله يلتف في كل مرة على مؤسسات الدولة ويظل متشبثا بثوابتها هو نفسه من سيتصدى لكل هذه الخطط القادمة من الخارج.