ثقافة وفن

دافقير يكتب: مداخل الانفراج توجد في الحسيمة وليس في الجزائر

بقلم: يونس دافقير الأربعاء 24 فبراير 2021
Capture d’écran 2021-02-24 à 08.15.16
Capture d’écran 2021-02-24 à 08.15.16

AHDATH.INFO

بعض المقارنات لا تجوز، إنها تعسفية أو حالة نفسية أكثر منها عملية ذهنية، وبصيغة أكثر لطفا يمكن أن نقول إنها غير دقيقة أو أنها تعبير عن متمنيات مشروعة ولكنها بنيت على أسس غير صحيحة. وهذا بالضبط ما حدث في تلك الاحتفالية التي رافقت، في بعض الأوساط المغربية، إعلان العسكر الجزائري عن إطلاق سراح معتقلي مظاهرات المطالبة بالتغيير السياسي.

كنا قد رأينا تلك الموجة من التعليقات في وسائط التواصل الاجتماعي وفي بعض المداخلات في ندوات عمومية، والبنية النفسية لهذا التوجه أو رسائله المباشرة أن خطوة العسكر الجزائري لابد وأن يكون لها ما يقابلها في المغرب من وجهة نظر حقوقية، والإشارة طبعا كانت إلى معتقلي الأحداث الاجتماعية في الحسيمة وغيرها من الملفات التي تلتمس العفو.

نحن لا نناقش هل ينبغي أن يغادر الناس معتقلاتهم أم لا، فالإنسان من زواية مبدئية يأمل الحرية لأي إنسان مثله ولا يمكنه أن ينتصر للقيود، مثلما يأمل الإنصاف للضحايا ويرفض مساومات على حساب حقوقهم بمنطق حقوقي مبالغ فيه. ما يهمنا تحديدا هو زيف تلك المقارنات وسطحية ما بني عليها من استنتاجات.

لكل حكاية سياقها وظروفها التي تختلف عن الأخرى، وفي الحالة التي نحن بصددها المقارنة لا تجوز أصلا. حين أطلق العسكر الجزائري سراح معتقليه لم يكن يبحث عن المصالحة بل يمارس المناورة، كانت محاولة لامتصاص الغضب وإرباك عودة «الحراك» إلى الشارع، وحين لم تنجح الخطة، عاد نفس العسكر لشن حملة اعتقالات عشوائية واسعة.

وأي حماقة هذه تقارن «حراك» الجزائر بأحداث الحسيمة، الأول حركة اجتماعية سياسية لإعادة هيكلة الدولة الجزائرية، والثاني حركة مطلبية اجتماعية واقتصادية تطرح مطالب التنمية وتمت محاولة تسييسها خارج مطالبها. في «الحراك» الأول هناك لغة القمع السياسي لاحتجاج مشروع، وفي الأحداث الثانية عشنا تنفيذ القانون على ممارسات غير مشروعة تقع تحت طائلة القانون الجنائي، بالموازاة مع الاستجابة اجتماعيا واقتصاديا لمطالب المتظاهرين.

لا يمكن لتحليل الوقائع السياسية والاجتماعية أن ينبني على العواطف، أو على التموقع الذاتي ووجود رابط المصلحة، التحليل الموضوعي للوقائع الموضوعية يستبعد المشاعر والذاتيات لينتهي إلى خلاصات واضحة مهما كانت قاسية، لكنها ضرورية لتقديم الأجوبة الصحيحة على الأسئلة الصحيحة.

لقد التقط الشارع الجزائري اللحظة المناسبة لاستئناف مظاهرات المطالبة بالديمقراطية، لكن مناصري ما حدث في شوارع الحسيمة لم يلتقطوا العناصر المناسبة للدفع بمؤشرات الانفراج كي تبلغ مداها الأقصى. بل إن كل مؤشر إيجابي يظهر إلا وتمت مقابلته بما يدفعه للتراجع نحو الخلف.

بعض الفيديوهات والوقفات الاحتجاجية والتصريحات تعطي الانطباع كما لو أن غايتها الأولى والأخيرة هي قطع الطريق على كل محاولة للتسوية الإنسانية لملفات جنائية، إنها تصر على مقاربة أخرى: التسوية السياسية لملفات تقول إنها حقوقية، هذا التكييف الأخير هو ما أسقط أصحابه في خطأ مقارنة أحداث الحسيمة بـ«حراك» الجزائر، وهذا الاختلاف في تكييف الوقائع مازال عائقا كبيرا في طريق الانفراج.

من الممكن أن يكون المرء من أنصار الانفراج، لكن هناك مبالغة كبيرة في نظرية أن الانفراج في بعض الملفات شرط ضروري للذهاب إلى الانتخابات ونجاح مسلسل التنمية وربح رهان الصحراء والحصول على صكوك الغفران الديمقراطي من الرئيس بايدن. إن الانفراج من وجهة نظر غير مشغولة بإكراهات الخطاب السياسي حول الانتخابات كما في حالة تصريحات بعض القيادات السياسية، هو انفراج إنساني ولا يحمل كل الأبعاد السياسية التي يراد له أن يحملها أعباء فوق ظهره.

منذ عقود لم يعد هذا الانفراج مجرد خطاب نظري، لقد تم تجريبه على نطاق واسع، وما تم تحقيقه سابقا من انفراجات لم يؤد بالضرورة إلى نتائج سياسية وانتخابية وتنموية وحقوقية. إن الخطأ في المنطلق حيث يسود اعتقاد بأن الانفراجات تطوي بشكل ميكانيكي حتمي مرحلة لتطلق أخرى، والحال أن التوترات مصاحبة بشكل دائم للسياسة وللحركات الاجتماعية وللقانون والعدالة، بينما الانفراج الإنساني ميزته هي التعالي فوق الظرفيات السياسية وفوق حسابات الانتخابات ومنطق الانتصارات والهزائم.

أريد أن أصل إلى هذه الخلاصة: من يريد انفراجا في تبعات الأحداث الاجتماعية عليه أن يبحث عن الأجوبة في أحداث الحسيمة وغيرها وليس في «حراك» الجزائر. ومن يريد تحقيق هذا الانفراج عليه ألا ينفخ في الملفات حتى تصير في خدمة أجندات أخرى غير انتظارات القابعين خلف القضبان.