مجتمع

عن الإغلاق ليلا في رمضان…عن التراويح، عن ضعفائنا وعن بقية الأشياء...

بقلم: المختار لغزيوي الثلاثاء 13 أبريل 2021
CEE5E2E6-A13E-4B88-BF73-1F73EA39C4A3
CEE5E2E6-A13E-4B88-BF73-1F73EA39C4A3

AHDATH.INFO

هذا الأمر - أعزك الله - أوله جد وآخره جد وفي المنتصف منه لاوجود إلا للجد، ولا مكان للهزل فيه وداخله وبه على الإطلاق.

نتحدث عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في شهر الصيام والقيام هذا. شهرنا الفضيل الذي نشرع في صومه ابتداء من هذا الأربعاء، تقبل الله أعمال الجميع، وجعلها صافية لوجهه لا نبتغي بها نفاقا ولامرضاة العباد، ولكن نبغي بها جميعا رب العباد الذي جعل الصوم له في الحديث القدسي، وجعل الجزاء للصائم الصالح خاصا به جل وعلا.

لن ندافع هنا عن الحكومة، لأن هذا الدور لن يليق بنا ولم يلق بنا يوما، لأننا ننتقدها في الشاردة والواردة وباستمرار، لكننا سندافع عن المنطق السليم.

سنحاول إعمال العقل لحظة تعطيله إراديا من طرف المزايدين، ولا إراديا من طرف العاطفيين. وسنقول إن قرار الإغلاق الليلي، هو أضعف الإىمان بالنظر إلى الحالة الوبائية وتطورات الوضع الصحي في البلاد كلها.

العارفون حقا بالأرقام الصحيحة لعدد الإصابات، والمتتبعون عن كثب لتطور الوباء في المغرب خلال الأسابيع الأخيرة كانوا ينتظرون الأسوأ من القرارات.

ولنقلها بكل صراحة: العارفون كانوا ينتظرون الحجر الصحي الشامل والكامل والمتشدد في شهر رمضان كله.

طبعا هم كانوا يعرفون أن البلاد لن تستطيع اقتصاديا واجتماعيا، تحمل تكلفة حجر متشدد مثل هذا. لكنهم يعرفون أكثر أن البلاد لن تستطيع تحمل نتائج التهاون بصحة شعبها، وأن الوضعية إذا مازادت عن الحد الذي وصلته اليوم تنذر بكارثة حقيقية لا قبل لنا بها إطلاقا.

لا مستشفياتنا، ولا مستوصفاتنا، ولا حتى مصحاتنا الخاصة التي نتبارى في انتقادها جميعا، ولا أطرنا الطبية ولا أطرنا التمريضية تستطيع حينها تحمل تبعات هذا التهاون.

سنصل لو واصلنا التعامل باستهتار ورعونة، إلى الحالة الكارثية التي وصلتها البرازيل اليوم، وهي تكتفي بحساب عدد موتاها وبالإعلان يوميا أن مستشفياتها لم تعد قادرة على استقبال المزيد من المصابين بالداء.

لذلك اختارت الحكومة، بناء على قرار اللجنة العلمية، أن تسلك أوسط الطرق، وأن تقفل ليلا، وأن تدعو الناس إلى الحذر نهارا، إذا ماأرادوا ذلك.

وعندما نقول إذا ماأرادوا ذلك، فلأننا نعرف أنه من المستحيل أن تنجح عملية التعبئة هاته بالقوة. هي عملية لن تنجح إلا إذا اقتنع المغربي واقتنعت المغربية بشكل كامل، أنها عملية في صالح صحة الناس، وفي صالح صحة صغار الناس، وفي صالح صحة ضعفاء الناس، وفي صالح صحة الجميع.

ماعدا ذلك، سيلعب أكثر تهورنا « حابا » أو « كاش كاش » مع السلطات المعنية بمراقبة الالتزام بالإجراءات الاحترازية، مثلما وقع في رمضان المنصرم. وسيواصل عدد كبير من المتهورين من بيننا القول بأن « الوباء أصلا غير موجود ». وسيقول أكثرنا رعونة : « دعونا نموت بالوباء عوض أن نموت بالفقر »، دون أن يفهم خطورة ولا حساسية هاته العبارة التي يرددها دون فهم لها .

لذلك نقول إن قرار الحكومة كان هو القرار المطلوب والموفق، وأنه فعلا أهون من الإغلاق الشامل الكامل، وأنه قرار ليس منه بد إطلاقا.

نأتي الآن إلى الوجه الآخر للعملة: لايمكن أن تقفل على الناس ليلا موارد رزقها، وألا تعبئ كل طاقاتك لأجل التخفيف عنها ماديا من ثقل هذا القرار.

هناك حاجة ماسة لكي تظهر حكومتنا، ولكي يظهر أثرياؤنا، ولكي تظهر شركاتنا الخاصة التي انتعشت في زمن الوباء معدنها المغربي الأصيل، ولكي تبدع حلولا تجد بها للمتضررين من قرار الإغلاق الليلي بعضا من التعويض لكي يمر الشهر الكريم كريما علينا جميعا، أو على الأقل لكي يمر أقل قسوة على أكثرنا ضعفا وهشاشة.

لابد من ذلك، ولامفر، وقد أشار إليها رئيس الحكومة الإثنين، ولا نعتقده إلا صادقا فيها: لجنة اليقظة ستجتمع هذا الأسبوع لتدارس مشكل أصحاب المقاهي، ولتدارس مشكل مختلف المتضررين من الإغلاق الليلي. وطبعا لا حاجة للتذكير أن مدة هذا التدارس لا ينبغي أن تتجاوز ساعات معدودة لأن الأمر مستعجل ولا يحتمل تأجيلا.

أما عن التراويح، وطقوس التعبد ومناجاة الخالق، والاختلاء بالذات لأجل مراجعة ماقمنا به جميعا العام كله، فهي حكاية مؤلمة لكل من تعود الطقس الرمضاني المغربي الجميل، وتعود استنشاق نسمات الروحانيات الإيمانية في المساجد والجوامع مع الأهل والأصدقاء والخلان.

لكنها فعلا مشيئة الله، وهي القوة القاهرة، وهو الوباء ، وهو الطاعون الذي أوصانا نبينا بالخروج من أي مكان حل به، وعدم الدخول إلى ذلك المكان حتى يرتفع، وهي الضرورة التي تبيح المحظور، وهي الرغبة في درء المفسدة وقد سبقها علماء الإسلام العارفون به على جلب المصلحة، وهو الامتثال لأمر الله تعالى ألا نلقي بأنفسنا وأيدينا إلى التهلكة، وهي ختاما العقلية السوية السليمة التي تعرف أن من يناجي ربه في المسجد يستطيع أن يناجيه في المنزل بنفس الإيمان، بل ربما أكثر، ريثما يرتفع الوباء ونعود إلى الحياة الطبيعية التي أصبحت تبدو لنا اليوم بمثابة الحلم الحقيقي بعد أن كنا نتبرم منها سابقا ولا نكف عن الشكوى.

لعله الدرس الذي وجب علينا الانتباه إليه في هذا الشهر الكريم: شهر التأمل وإعمال العقل للمؤمن القوي، وهو أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، الذي لا يعمل عقلا، ولايهتم بمصلحة، ولا يتبع إلا الغرائز البدائية…

رمضان كريم للجميع.