اقتصاد

يمني: الخطاب الملكي بمثابة دفتر تحملات ومندوبية التخطيط أصبحت عاجزة عن مواكبة هذه المتطلبات

أحمد بلحميدي الأربعاء 13 أكتوبر 2021
الخبير يمني
الخبير يمني

AHDATH.INFO

عاش  المغرب قبل نهاية الأسبوع الماضي حدثين بارزين. إشراف الملك محمد السادس على تعيين الحكومة الجديدة المنبثقة عن انتخابات شهر شهر شتنبر الماضي، وذلك إلى جانب إلقاء جلالته لخطاب بمناسبة افتتاح البرلمان. في هذا الحوار مع خبير السياسات العمومية عبد الغني يمني، نسلط الضوء على الضوء على الحكومة الجديدة من حيث الهندسة والبروفيلات، وكذلك تحليل رسائل الخطاب الملكي إلى الحكومة والبرلمان على ضوء المرحلة الجديدة التي انخرط فيها المغرب.

 

1-كيف استقبلت التشكيلة الحكومة الجديدة من حيث الهندسة والبروفيلات؟

شخصيا كنت متأكدا من هذه الثورة في تشكيل الحكومة الجديدة. أولا لتلبية انتظارات الناخب المغربي الحريص على ميلاد مغرب جديد وخريطة سياسية جديدة ووجوه جديدة. أريد كذلك أن أشير إلى أن هذه الحكومة النوعية الأولى من نوعها منذ استقلال المغرب، تمثل قطيعة مع خيار القاعدة الحزبية من حيث اختيار الوزراء، حيث تم العمل بمبدإ استقطاب تكنوقراط لهم نفس القيم وأهداف أحزاب الأغلبية.

اللافت للنظر كذلك هو أن أغلبية الوزراء، وخصوصا غير المسيسين، ليسوا أشخاصا غير ملتزمين من الناحية المهنية، بل على العكس، هم مواطنون يضعون مشروعهم  المهني رهن إشارة إنجاح  المشروع الوطني، وهذا لاحظناه أيضا في مكونات لجنة النموذج التنموي الجديد.

أود أيضا أن أشير إلى التشبيب وحضور المكون النسائي المتميز على المستوى التقني، وكذلك احترام التوازن بين نتائج الانتخابات والاستوزار والحقائب، إذ أن الأحزاب الثلاثة نالت بالتناسب العديد من الحقائب الاستراتيجية. الملاحظة الأخرى التي أود الإشارة إليها هي الاستمرارية في بعض الوزارات كما هو الأمر بالنسبة لكل من وزارة الفلاحة ووزارة الصناعة، حيث أن تسلم مقاليدهما مديرا مكتبي الوزيرين السابقين، علما بأن الأمر يتعلق بوزارتين مركزيتين في مشروع الإقلاع الاقتصادي للمملكة.

2-بعد تشكيلة الحكومة، ألقى الملك محمد السادس خطابا بمناسبة افتتاح البرلمان. الخطاب الملكي حدد ثلاث مرتكزات لمغرب الغد. ماهي قراءتكم التحليلية لهذه المرتكزات؟

خطاب الملك يوم 8 أكتوبر ليس موجها بطريقة حصرية إلى أعضاء الغرفتين الأولى والثانية، ولكن أيضا لرئيس الحكومة وللوزراء. فخطاب الملك محمد السادس أكد أن ملك المغرب والشعب المغربي حريصان على إنجاح المشاريع التي ستؤدي إلى الإقلاع الاقتصادي، وإلى التلاحم الاجتماعي، وهذا يحتم على الحكومة إرساء قواعد تطبيق مشروع النمو الاقتصادي الجديد بالتوازي مع مشروع التغطية الصحية والاجتماعية الشاملة، وذلك فضلا عن العمل على إنجاح الإقلاع الاقتصادي في أفق سنة 2035، وهو ما يعد دفترا للتحملات للبرلمان والحكومة.

الأولويات الثلاثة في الخطاب الملكي هي السيادة والدفاع عن المصالح العليا الاستراتيجية للمغرب بما في ذلك المخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية والصحية والأدوية والمواد الخام الحيوية كالبترول والغاز الطبيعي. إذا قمنا بتحليل ما بين السطور، سنرى أن الملك حريص على أن الجهات المعنية مسؤولة عن التوقعات فيما يتعلق بالأسواق العالمية، ومسؤولة أيضا عن التمويل، بأفضل تكلفة وفي زمن أمثل، لاسيما أنه بعد سنتين من الوباء، كل دول العالم ارتبكت ومبدءا السيادة والاستقلال عادا بقوة في قلب القرار السيادي.

3-بارتباط مع جائحة كورونا أكد الخطاب الملكي أن هذه الأخيرة أعادت السيادة إلى الواجهة من جديد. نود مزيدا من التوضيح بخصوص هذه النقطة.

أنت تعلم بأن أولئك الذين يتجاهلون الماضي، يعرضون المستقبل للخطر. الجائحة بينت أن الدول التي لديها دولة ذات سيادة قوية وذات نظام قوي ومركزي، فقط هي التي تمكنت من المقاومة وأظهرت مرونة كبير في مواجهة الأزمة الوبائية. تركيز الملك على السيادة هو في صميم رهانات المملكة. المغرب أبان عن أداء رائع خلال هذه الجائحة كما يتجلى ذلك في احترام قيود الإجراءات الصحية والتضامن والصمود والاعتزاز بالانتماء إلى أمة متماسكة في الحدود الجغرافية، لكن أيضا على مستوى المهجر. المغرب اكتشف أنه قادر، على العديد من الدول، على ربح رهان السيادة الغذائية، والسيادة النقدية والسيادة الصحية والسيادة الأمنية.

مشروع السيادة الوطنية مع الإبقاء على الانفتاح الاقتصادي على العولمة، جعل المغرب ينخرط في ورش "بديل الاستيراد"، حيث خصص لذلك غلاف مالي بقيمة 34 مليار درهم، وهو ما سيمكن أولا، من تحسين الإنتاجية في الصناعة التحويلية الخفيفة والغذائية، علما بأن ذلك سيمكن من إحداث ما بين 25 ألف و40 ألف منصب شغل حول أكثر من 523 مشروع ممول من طرف آليات بنكية وتحفيزات من حيث سعر الفائدة، ومدة القروض والواجبات الضريبية.

4 لماذا الدعوة إلى إعادة تشكيل وإصلاح المندوبية السامية للتخطيط في هذا الوقت بالضبط؟

تعلمون أن المندوبية السامية للتخطيط تم إحداثها في سنة 2003 أي في بدايات عهد الملك محمد السادس. ساعتها مثلت هذه المندوبية طفرة نوعية لا وجود لها لا في إفريقيا ولا في جنوب المتوسط. لعبت المندوبية دورا نوعيا في جس نبض الجسم الماكرو-اقتصادي للمغرب وأصبحت مرجعا موثوقا به بالنسبة للمؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكذلك بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين العالميين الباحثين عن تقييم اقتصاد المغرب، وذلك فضلا عن الفاعلين الاقتصاديين المغاربة ومختلف الوزارات.

المندوبية واكبت مغرب الإصلاحات الاقتصادية والمالية والديمغرافية، لكنه منذ أربع سنوات أضحت عاجزة عن مواكبة المتطلبات الآنية في تحصيل البيانات والأرقام، في التحليل المنهجي، في التماشي مع تنوع شركاء المغرب، وأصبحت بدل ذلك منشغلة بالخلط بين نشر مقالات أكاديمية نظرية.

الآن وفي ظل "المغرب ما بعد" حان الوقت لإصلاح هذه المندوبية. ففضلا عن ضرورة إدماجها للغة الانجليزية، يتعين إدخال إصلاحات ووسائل رقمية جديدة إلى جانب وضع وسائل علمية للترصد وجمع بياات عن النتائج والمستجدات الماكرو-اقتصادية وميكرو-اقتصادية، خصوصا عن المغرب ولكن أيضا على مستوى منافسي المغرب وزبنائه للتمكن من دراسة نقاط القوة والضعف لكل الشركاء، علما بأن ذلك يدخل في نطاق ما نسميه ب"الذكاءالاقتصادي". الأكثر من ذلك يمكن للمندوبية السامية للتخطيط أن تدخل في مهامها، تقييم السياسات العمومية، وجعل نتائجها في متناول المواطن من خلال تقارير سهلة الفهم، لأن المواطن شريك ومساهم في الاستثمار العام، بما أنه يؤدي ضرائب توجه إلى النفقات العمومية، لكن شريطة أن تعم فائدة هذه الأخيرة كل فئات المواطنين.

عبد الغني يمني أستاذ السياسات العمومية