ثقافة وفن

المحامي الهيني يكتب عن: مخاطر وانزلاقات الاندفاع نحو التلبس الواقعي

رشيد قبول الثلاثاء 26 أكتوبر 2021
Screenshot_20211023-161048_WhatsApp
Screenshot_20211023-161048_WhatsApp

Ahdath.info

إن أخطر ما يمكن أن تتعرض له العدالة أو أجهزة البحث هو التضليل أو الخداع، بحيث إن المجرى العادي للأمور يظهر أن الجريمة حدثث عناصرها بشكل واضح أمام ضابط الشرطة القضائية أو قاضي النيابة العامة أو قاضي التحقيق وتحت بصرهم أو معاينتهم.

لكن هذا التلبس الذي يمكن تسميته بالواقعي تمييزا له عن القانوني الذي يتوافق والنموذج القانوني للجريمة، يمكن أن يشكل في الكثير من الأحيان مظهرا خادعا لا يعكس الحقيقة القانونية من خلال فبركة المشتكين بعض الجرائم للإيقاع بضحاياهم في الجريمة من خلال أسلوب الانتقام أو استغلال ذلك للبحث عن تسوية أو ترضية مالية بالاتجار في الشكايات بسوء نية.

ويزداد الأمر خطورة لما يتم استغلال السلطات الأمنية أو القضائية لضبط الكمين واعتقال المعني دون أن تعلم هذه السلطات أن الأمر دبر بليل، وأن ما ستنجزه بحسن نية قد يكون مجرد وسيلة لإيقاع مظلوم في تلبس واقعي مزور وخادع، طبيعي ألا يكون دائما الأمر غير حقيقي أو غير صادق.

فقد يكون المشتكي ضحية فعلا لبراثن فساد المشتكى به، لكن وجود فرضية عدم صحة الشكاية وزوريتها يتطلب حذرا شديدا وعميقا من طرف أجهزة البحث والتحقيق والمحاكمة بالوقوف على كل ظروف وملابسات الشكاية ودوافعها ليكون التحري مؤسسا على أساس صحيح من الواقع والقانون.

فلسنا هنا في واقع إدانة المشتكين أو تبرئة المشتكى بهم، بل المطلوب هو إقامة توازن فريد بين حقوق الطرفين والسعي للحقيقة لبلوغ الإنصاف والعدالة.

فهكذا لا يمكن قبول سعي أجهزة البحث أو التحقيق وراء المشتكي لإثبات مزاعمه في غياب ولو أدنى حجة تثبت حقيقة تورط المشتكى به في الجريمة، لأن ضبط تسلم مال معين لا يفيد جريمة الرشوة بالقطع والمطلق، ولا النصب ولا أي جريمة أخرى.

لذا يستحسن عدم المخاطرة بضبط تلبس واقعي لا قرينة ولا حجة على انضباطه لأحكام القانون، ويزداد الأمر خطورة إذا ترتب عنه توقيف المشتكى به واعتقاله في مس واضح بقرينة براءته.

ومن المهم الإشارة إلى أنه في بعض الحالات وقفت المحاكم على انزلاقات ومخاطر التلبس الواقعي بأن برأت ساحة عدة متهمين ثبت جليا أن مسرحية التلبس الواقعي كانت من صناعة فاسدة للمشتكي، ضلل فيها السلطات المختصة وبلغ عن شكاية يعلم بعدم حدوثها وقدم أدلة زائفة بشأنها بغية التشهير والإساءة وتصريف الأحقاد اتجاه خصمه باستغلال حق التقاضي، كحق دستوري مضمون، وتحويله إلى سلاح فتاك للانتقام وتسخيره للنيل من المشتكى به، فينقلب المجرم إلى ضحية والضحية إلى مجرم.

لذا يتعين عدم تقديم شيك على بياض للمشتكي وتصديق مزاعمه للهرولة نحو إثبات مزعوم مناف للحقيقة، لأن للأمر خطورة بالغة على حقوق وحريات أناس مظلومين، للأسف قد لا يصدقهم أحد لأول وهلة، أمام تلبس مصنوع ويتم الزج بهم في السجون لعدة شهور قبل أن تظهر الحقيقة كاملة للعيان، ويكون الجمهور أو عامة الناس قد انطلى عليهم السراب الخادع.

ومما لاشك به فإن احترام قرينة البراءة يتطلب حكامة وإدارة جيدة للبحث والتحقيق بعدم الإسراف في الجري واللهث وراء تلبس واقعي لا يوجد أي دليل معتبر على صحته وعدم اللجوء للاعتقال تبعا لذلك حتى لا تضار حقوق وحريات جديرة بالحماية.

ومن هنا استحضر بعض حسنات الرقم الأخضر من عدم المبادرة الى تسجيل حالة التلبس وضبطها إلا بعد تقديم الدليل على وجود ابتزاز أو اتفاق على الرشوة، حتى لا يتم تسخير أجهزة البحث وتضييع وقتها في إثبات أمر خاطئ ولا حجية له، مع ترك الإمكانية للمتابعة في حالة سراح احتراما لقرينة البراءة كلما كانت هناك شبهات قوية على وجود فرضيات تضليل العدالة أو التبليغ عن جريمة خيالية.