السياسة

صحراوي في الدارالبيضاء :   ذكريات عن رجل إسمه محمد البريني ...

بقلم : عبدالاله التهاني الاحد 14 نوفمبر 2021
B2C41850-EC75-471C-8AC0-BEA27D171238
B2C41850-EC75-471C-8AC0-BEA27D171238

AHDATH.INFO

 

  

■ الصورة الاولى : الرجل والمبدأ

الحديث عن الاستاذ محمد البريني ، هو حديث عن سيرة مثقف مغربي ، زاوج بين احتراف الصحافة ، كاتبا ومدبرا وأستاذا مؤطرا لفريقه الصحفي، وبين الابداع الادبي ككاتب للقصة والرواية .

 وهو أيضا حديث عن رجل ، قضى ردحا طويلا من حياته ومساره المهني ، يعمل ضمن المنظومة المعقدة للصحافة الحزبية، محاولا بكثير من الكد والجهد والمثابرة ، أن يضفي لمسة من المهنية والاحترافية على المنتوج الصحفي لجريدة حزب هو عضو فيه، وساعيا لان تكون الوجبة اليومية التي تقدمها للقارىء، مطعمة بغير قليل من التوابل ، التي تجعلها شيقة وجذابة، وجاذبة لاهتمامه المغربي .

من هنا نفهم حرصه الشديد  ، على عدم جعل الولاء للخط الحزبي ، مبررا للتفريط في المهنية ، وفي الطابع الاحترافي للممارسة الصحفية ، وهو أمر ظل يتمسك به ويراه ضروريا ، من أجل تقديم منتوج صحفي يستجيب لاهداف المحتوى السياسي بمعناه الحزبي، وفي ذات الوقت ، يفي بمتطلبات الأداء الصحفي ، المستند إلى القواعد المهنية الصارمة. 

 وشخصيا ، أرى أن إصرار محمد البريني على الوفاء لهذه المعادلة الصعبة ، هو أحد مميزات شخصيته المهنية وهويته الفكرية، وهو ما يفسر ماحققه من نجاحات  ، كصحفي وكمسؤول عن جريدة يومية وازنة . كما يفسر   أيضا ما عاشه الرجل من صعوبات ، انتهت بشكل تراجيدي في المرحلة الاولى من مساره الصحفي الحافل، حين اضطر إلى مغادرة جريدة حزبه "  الاتحاد الاشتراكي"  ، بعد أن أدارها لمدة إثني عشر سنة، قادما إليها من صنوتها صحيفة "Libération ب"،وبوأها المرتبة الاولى في الانتشار والمبيعات ، وصنع رفقة طاقمه التحريري المقتدر  ، زمنها الذهبي بدون منازع .

 

    

■ الصورة الثانية : من ليبراسيون إلى الاتحاد الاشتراكي :

بدأت أسمع عن محمد البريني في وقت مبكر، وأنا ابن السابعة عشرة من عمري .

كان ذلك في العام 1976 ، حين بدأت أنشر نصوصي الشعرية الاولى في يومية   " المحرر " ، بعد أن كنت قد نشرت أولى

محاولاتي الشعرية المبكرة في جريدة " العلم ".

وأذكر أنني واظبت أيضا بحماس، وأنا دون سن العشرين ، على نشر مقالات ثقافية انطباعية ، وتغطيات موسعة لندوات أدبية وفكرية وسياسية، وذلك على أعمدة جريدة  "المحرر" ، التي كان الاستاذ محمد اليازغي قد أصبح مديرا لها، خلفا لمؤسسها الشهيد عمر بنجلون . وواصلت ذلك حتى عام 1981، قبل انتقالي للكتابة بانتظام،  في صحيفة "العلم" وملحقها الثقافي ، باحتضان كريم من الكاتب الالمعي المرحوم عبدالجبار السحيمي .   

 وقتها كان محمد البريني مسؤولا عن التحرير في جريدة "Libération" ، التي كانت تصدر بالفرنسية ، وتوجد مكاتبها في نفس البناية مع جريدة "المحرر" ، بزنقة "الجندي روش" في الدارالبيضاء . 

كانت " ليبراسيون"  امتدادا لشقيقتها الكبرى " المحرر" ، وصوتا لحزب الاتحاد الاشتراكي باللغة الفرنسية . وفي هذه المرحلة ، كان صدورها يتم أسبوعيا ، قبل أن تصبح صحيفة يومية.

 

كان لمحمد البريني دور محوري ومركزي في Libération ، ومنذ ذلك الحين ، وما سيتلوه من حقب ، لم يكن يصلنا عن الرجل ، سوى كلام عن هيامه بالعمل دون كلل ، كأنه منذور للتضحية والإيثار .

بعدها ،  بدأت صورته تترسخ في أذهاننا ، باعتباره رجل الظل الذي يصنع في صمت ، ما يخرج إلى الاضواء .

وستكتمل هذه الصورة وتزداد وضوحا ولمعانا ، حين عين في مطلع الثمانينات ، بقرار من الزعيم المرحوم عبد الرحيم بوعبيد ، مديرا ليومية "الاتحاد الاشتراكي"، بعد إيقاف جريدة

"المحرر" عن الصدور ، جراء تصاعد التوتر السياسي بين الحزب والسلطات .

 وطيلة فترة إشرافه على الجريدة الجديدة، تحقق لها نجاح مبهر ، وبكيفية غير مسبوقة ، حيث بلغت قمة انتشارها ، وتبوأت موقع الريادة في قائمة اليوميات المغربية ، سواء منها الصادرة بالعربية أوالفرنسية

واستمرت لسنوات،  تستأثر بالمرتبة الاولى ، من حيث حجم التوزيع ونسبة المبيعات، بفعل التوليفة التي اهتدى إليها محمد البريني بذكائه المهني ، ساعيا إلى الموازنة بين متطلبات الانضباط للخط السياسي للجريدة باعتبارها منبرا للحزب ، وبين شروط المهنية والاستقلالية التحريرية التي كان يدافع عنها ، ومعها الطريقة التي يراها أنسب ، من أجل تصريف الخط السياسي المذكور. 

  وهو هنا ، كان يصنع تميزه وتفرده بشجاعة ومسؤولية، رغم ما كان يحدث له بسبب ذلك، من متاعب وإكراهات واحتكاكات ، انتهت بالاستغناء عنه من إدارة الجريدة ، في منتصف التسعينات ، وهو حدث شكل ذروة العواصف التي جابهها، وتركت جرحا عميقا في نفسيته، كما شرح ذلك بتفصيل في كتابه " الكهف والرقيم "، حيث روى قصة تجربته الطويلة في صحيفة حزبه ، وكشف من وجهة نظره ، الظروف والخلفيات والسياقات التي أحاطت بمغادرته لها.

    الصورة الثالثة : العبور في الازمنة الملتهبة :

باستحضار تفاصيل ذلك العبور الطويل لمحمد البريني، في أزمنة الصحافة الحزبية الملتهبة والمعقدة، أستطيع القول بأن الحديث عن تجربة هذا الرجل ، هو بالضرورة حديث تراجيدي ، وبالمعنى الاوسع ، هو خوض في المصير التراجيدي للمثقف الحزبي ، الذي غالبا ما ينتهي إلى نهايات حزينة ، وشبيهة أحيانا بالمأساة ، وأنا هنا أعني المثقف الحزبي المقتدر ،  الذي يصر على عدم التنازل عن أسلوبه في ممارسة قناعاته الحزبية ، وفي الدفاع عن استقلاليته وقيمه المهنية وشرفه الشخصي ، دون أن يكون ذلك تمردا على الخط المذهبي ، أو انزياحا متعمدا عن مقومات الخط السياسي ، الذي تعتمده المؤسسات الحزبية المقررة والمسؤولة.

 ورغم أن البريني كان يعي جيدا، ما قد تثيره مواقفه المهنية، من صعوبات ومتاعب وتوترات مع أكثر من طرف ، إلا أنه كان يصر على ما يرى أنه عين الصواب، من زاوية النظر المهني الصرف ، دون أن يعني هذا أنه لم يكن إنسانيا توافقيا ، يبتدع الحلول لكل حالة ، لاسيما عندما يصطدم الاعتبار الحزبي بالمقتضى المهني ، أثناء الممارسة الصحفية ، وما أكثر ما كان يجد من مسالك وطرق ، لتصريف مواقف دقيقة في لحظات حرجة ، اجتازتها مسيرة السياسة في المغرب ، ذلك أن كل جريدة حزبية ، وبحكم طبيعتها وتعدد المتدخلين في عملها ، تكون مثل محطة القطار ، كل واحد يريد أن يعبر منها إلى وجهته وغايته ، ويستعمل لسانها بما يناسبه ويرضيه ،  سواء في التموقع ضمن حركية التدافع الجاري باستمرار داخل البيت الحزبي ، أو في توجيه الرسائل إلى هذه الجهة أو تلك.

ويزداد الامر حساسية في جريدة مملوكة لحزب، كان يمارس معارضة شرسة ، وعلى الجريدة أن تكون واجهته الرئيسية، لتصريف الرسائل السياسية الصاخبة.

 في لهيب تلك النيران المشتعلة إذن ، عاش محمد البريني فصولا طويلة من تجربته الصحفية ، بين مد وجزر ، وخبر أطوارا وأنواعا من المناوشات والحروب

الصغيرة والكبيرة ، المستترة والمعلنة ، تماما كما عاش أجواء الفرح والاحتفاء بالنجاحات المهنية التي حققها ، ومعه طاقمه الصحفي المتميز،الذي ضم أسماء لامعة في العمل الصحفي والكتابة الادبية، وهو الذي كان يؤمن بعمل الفريق المتكامل ، ولا يتحمس أبدا للعمل الفردي المنعزل.     

 

■ الصورة الرابعة :

الاباء والتواضع وعزة النفس :

ينضاف إلى هذا التوصيف لشخصية محمد البريني،  خاصية إنسانية ميزت طبعه ، وهي صفة الاباء والتواضع وعزة النفس ، تشربها منذ التنشئة المبكرة في ربوع منطقة زاكورة ، حيث سلم القيم مرتفع جدا ، كما يعد اعتداد الفرد بكرامته ، من ثوابث سلوك الانسان الصحراوي .

  ومن يعرفون البريني عن قرب ، أو تتبعوا سيرته وأخباره ، من الذين عملوا أو تعاملوا معه ، يذكرون صلابته في الاضطلاع بمسؤولياته ، واستعداده للتضحية، واتصافه بخصلة الإيثار ونكران الذات  ، مع ميل إلى البساطة في السلوك والعيش واللباس .

ليس ثمة من شيىء ، يعلو عنده على ثقافة العمل ، والقيام بالواجب ، والوفاء بمتطلباته، في نفور شديد من كل مظاهر النجومية ،  التي عادة ما تنتقل عدواها ، إلى كل من يسطع نجمه في سماء الصحافة .

وهذا مايفسر أن البريني ، لم يكن يحجز لنفسه حيزا صغيرا أو كبيرا، في مساحة الجريدة التي يشرف عليها .

وكان قليلا ما يوقع ما يكتب ، لان شعوره كمسؤول أول عن الجريدة التي يديرها ، كان يؤثر في سلوكه وتصرفاته ، وبات همه اليومي في تأمين الإصدار الجيد للجريدة ، سابقا على أي اعتبار آخر .

وسنرى محمد البريني ، وهو يتحرر قليلا من عمل الظل ، بعد أن غادر جريدة "الاتحاد الاشتراكي " ، وقاد مبادرة إنشاء جريدة  "الاحداث المغربية " ، كمشروع حر ومتحرر من ضغوطات وإكراهات الصحافة الحزبية ، فأصبحنا نقرأ افتتاحياته في الصفحة الاولى موقعة باسمه ، وكان حريصا على ألا يكتبها سوى في لحظات سياسية مفصلية ، تتعلق بالوضع السياسي العام في البلاد ، أو بقضية الوحدة الترابية للمغرب،التي كان يتناولها ويحللها بأسلوب ومضمون ، على درجة من التميز  . 

  وهنا لا بد أن أفتح قوسا لاقول ، بأن هذا الصحراوي الأصيل  ، هو من أكثر الصحفيين في المغرب ، التحاما بملف قضية الصحراء المغربية ، والوحدة الترابية للمملكة  ، ومن أكثرهم صرامة في الدفاع عنها ، وعدم التفريط في أية جزئية

من الجزئيات المؤكدة والمثبّتة لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ، بحيث لا يعادل إيمانه العميق بمغربية الصحراء ، إلا تشبثه بقيم العدل والحريّة والفكر الديمقراطي ، ودفاعه الثابت عنها في كل مواقفه.

 

■ الصورة الخامسة :  سيرة بين الصحافة والأدب .

ولا يكتمل الحديث عن محمد البريني ، إلا بالتوقف عند صوررته كمثقف ذي قبعتين ، واحدة تضعه في طليعة النخبة الفاعلة بقوة في مسار الحركة الصحفية المغربية ، منذ مطلع سبعينات القرن الماضي ، صعودا نحو العقد الاول والثاني من القرن الواحد والعشرين ، فيما القبعة الثانية تعطيه حق الانتساب إلى المجال الأدبي ، وتحديدا إلى حقل الكتابة السردية بالفرنسية، حيث تحفظ له الخزانة المغربية ، إصداره لمجموعتين قصصيتين هما : " سلاسل الماضي"    Les chaînes du passe  ، ثم "اللسان المقطوع "la langue coupée ، قبل أن يستتبعهما بروايته الوحيدة "المحاكمة " .

 

ولايعكس ميله الى الكتابة القصصية باللغة الفرنسية ،  تفضيلا لها على اللغة العربية التي يكتب بها أيضا ، وإنما هو راجع أساسا إلى طبيعة تكوينه العالي ، حيث تخرج في شعبة اللغة الفرنسية وآدابها ،  من المركز الجهوي لتكوين الأساتذة ، لكن هذا لم يجعل منه أبدا ، صوتا محسوبا على التيار الفرنكفوني ، في الساحة الإعلامية والثقافية بالمغرب ، 

وفِي ظني ، أنه لولا انشغاله الكلي بالصحافة التي ابتلعته مبكرا ، لكان قد تقدم في مساره الادبي ، ولتوالت إصداراته في مجال الكتابة القصصية والرواءية ، سواء بتعبيرها العربي أو الفرنسي . وليس ذلك غريبا على هذا الصحراوي، سليل بلدة زاكورة ، وهي الفضاء الذي يوفر أفقا واسعا للتأمل ، يسمح بتحرك الخيال ، ويوحي بكثير من الإلهام .

 

■ الصورة السادسة : قريبا من البريني .

تحت ضغط ظروف شخصية تحكمت في تحرير شهادتي هذه ، اضطررت إلى القفز على سياقات ومعطيات وأحداث ووقائع ، أحاطت بالتجربة الصحفية للاستاذ محمد البريني وأطرتها ، لذلك سأختم باستعراض بعض الانطباعات عن مرحلة زمنية ، أتيح لي خلالها أن أتعرف على المحتفى به عن قرب ، وأن أنسج معه جوا من المودة وحسن التواصل وتبادل الرأي ، حيث تزامن ذلك مع توقفي عن الاستمرار ، في مشروع دار للنشر كنت أسستها في مراكش، ومعها جريدة سياسة ثقافية أسبوعية ، كانت توزع في عموم جهات المغرب .

 وأذكر أنني كنت زرت الاستاذ محمد البريني في مكتبه بالمقر الاول لجريدة " الاحداث المغربية " ، في شارع الزرقطوني بالدارالبيضاء  ، وهو في الأسابيع الاولى لإصدارها ، وسلمته جزءا من الارشيف الشخصي الذي كان بحوزتي من الصور الصحفية ، عربون دعم وتعاطف مع تجربته الجديدة٠ 

 

ورغم أن هذه المرحلة من حياتي ، جاءت إثر فترة صعبة اجتزتها في مساري المهني ، إلا أنها كانت مفيدة وغنية بالدروس ،  حافلة بصداقات عميقة ، وإن كنت لا أزعم أن صلاتي بالاستاذ محمد البريني ، بلغت حد الصداقة الحميمية ، إلا أنها كانت علاقة مطبوعة بكثير من الود والاحترام ،  والتعاطف والانسجام الفكري ، لاسيما بعد أن تركت منصبي في ديوان وزاري ، والتحقت سنة 1999، للعمل في إدارة الشركة العربية الافريقية للصحافة والنشر والتوزيع ( سبريس ) ، بمبادرة كريمة من رئيسها ومديرها العام الاستاذ محمد برادة ، الذي أوكل إليّ مهمة الإشراف على شؤون مؤسسة "سبريس " ، في مدينة مراكش والمدن والمراكز الحضرية القريبة منها ، وكان عددها فيما أذكر  ، ثمانية أو يزيد قليلا . 

وقد صادف تكليفي بهذه المسؤولية ، وجود جريدة "الاحداث المغربية" في عامها الاول ، أو مطلع عامها الثاني ،  حيث كان المحتفى به قد أشرف على تأسيسها ، مسنودا من شخصيات وازنة كانت تتعاطف معه ، وتثق في كفاءته ونزاهته ، وجمعته بها روابط تجاوزت المستوى الحزبي ، لتتخذ أبعادا إنسانية عميقة . أذكر من هذه الشخصيات :  الكاتب الصحفي والقيادي البارز المرحوم مصطفى القرشاوي ، والكاتب والشاعر الاستاذ عبدالرفيع جواهري ، والمحامي والقيادي والحقوقي البارز الاستاذ محمد كرم ، والكاتب الصحفي عبداللطيف جبرو ، والمهندس الاتحادي يوسف بنجلون ، والأستاذ السبتي ، ورجل الاعمال الاتحادي طارق القباج،  الذي كان وقتها يرأس بلدية أغادير ، وأسماء أخرى شكلت قاءمة المساهمين في رأسمال المقاولة ، التي ستصدر عنها جريدة "الاحداث المغربية " ، بقيادة محمد البريني .

 في هذه الفترة ، وأنا أشرف على إدارة مؤسسة "سبريس " في مراكش ، توطدت صلتي بالمحتفى به . 

وأذكر أنه كان كثير الاتصال بي بكيفية شبه يومية ، ليأخذ مني بنفسه ، مؤشرات حول خريطة التوزيع ونسب المبيعات المسجلة ، في كل المدن والمراكز الحضرية التي كان التوزيع الصحفي فيها ، يتم تحت مسؤوليتي.

وأذكر أن تواضعه الشديد ، كان يدفعه كي يستطلع رأيي في محتوى الجريدة ، مرحبا بأية اقتراحات تبدو لي مفيدة،  لاغناء وتطوير مضمونها.  

وعلى الرغم من أن الجريدة كانت ماتزال في بداياتها،  إلا أنها باتت تحقق في كل يوم ، توسعا في الانتشار ، وارتفاعا في المبيعات . 

وأتذكر فرحه وارتياحه الكبير ، وأنا أزف إليه يوميا ، حصيلة التصاعد المستمر في أرقام مبيعات صحيفته في مراكش والمدن المجاورة ، وكيف كان يتلقى تلك الأرقام بتأثر شديد ، وهو الذي مازال يحمل في مشاعره، آثار الجرح المعنوي الناتج عن مغادرته الاضطرارية لجريدة حزبه، بكيفية لم يقو على تحملها.

 وحين غادرت مؤسسة "سبريس"،لأبدأ مسارا آخر، كمكلف بالإعلام والاتصال في عدد من الدواوين الوزارية ، بقي التواصل قائما بيننا ، وساهمت بكتابة بعض المواد في جريدة "الاحداث المغربية" ، كنت أفضل أن تنشر باسم مستعار ، ووافق هو على ذلك . 

وبعد أن تشرفت بتعييني من طرف جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، مديرا للاتصال والعلاقات العامة بوزارة الاتصال في فبراير من سنة 2009، لم يخف سروره بهذا التعيين ، وبقي تواصلنا على تلك الحال من المودة والاحترام والتعاطف ، مع تبادل الرأي والمشورة ، في حدود ما كانت تسمح به مهامي وصلاحياتي في الوزارة .

 

ومازلت أحتفظ عن هذا الرجل ، في ذاكرتي وفِي مشاعري، بالصورة الطيبة التي رسخها بأخلاقه وخصاله ، في قلوب الأصدقاء والزملاء ، ولدى من خبروه عن قرب، صورة إنسان شهم وصادق ومتواضع ، قليل الكلام ، كثير العمل ..

ورغم شجاعته ، وصبره على المحن والشدائد ، إلا أن بداخله إنسانا يتأثر كثيرا ، وقد يبكي بعفوية وتلقاءية ، وهو يحكي عن مظلمة أوغدر أو خذلان .

وقد روى بنفسه ما جرى ، وكيف جرى . 

وإني أحييه وأكبر فيه ، ما أعطى وما بذل من أجل مهنة الصحافة في وطنه ، رغم ما قد يكون هناك من رأي أو نظر أو نقد ، بشأن بعض اجتهاداته الصحفية .

و له اليوم أن يهنأ ويسعد بهذا التكريم ، من مؤسسة ثقافية كبيرة ووازنة  ، راسخة البنيان ، ومشعة المنار ، اسمها " موسم أصيلة الثقافي " ، برعاية وعناية من مؤسسها ورئيسها ، معالي الاستاذ محمد بن عيسى، الذي سيظل عمله ومنجزه الريادي ، مخلدا في الذاكرة الثقافية ،مغربيا وعربيا وعالميا ، لما أسداه ومازال يسديه للثقافة وأهلها، من جليل الاعمال.