ثقافة وفن

أحمد الشرعي يكتب: تونس.. إلى أين ؟

أحمد الشرعي ​ الثلاثاء 18 يناير 2022
DEAEEA81-1926-44E1-AC65-86CF38BEC6E1
DEAEEA81-1926-44E1-AC65-86CF38BEC6E1

AHDATH.INFO

لم أتخذ موقفا سلبيا من الوضع التونسي منذ 25 يوليوز الماضي، تاريخ اتخاذ الرئيس قيس سعيد للقرارات الأحادية التي شلت العمل السياسي في البلاد. قبله، كان حزب النهضة ذو التوجه الإسلامي قد أوقف حركة دواليب الدولة، وكان يتحرك وفق إيديولوجيا تتماشى مع التيار المحافظ الذي ينتمي إليه بعيدا عن منطق تدبير الدولة. في غضون ذلك، ربطت فئات واسعة من الشعب التونسي بين الصراعات السياسية للأحزاب التونسية والتدني اليومي لمستوى معيشتها منذ الثورة، وهو الشعور الذي استغله قيس سعيد جيدا.

غير أن الأحداث التي شهدتها البلاد خلال الأيام القليلة الماضية مقلقة للغاية وتضرب في مقتل صيرورة الانتقال التونسي نحو الديمقراطية. احتكر الرئيس قيد سعيد كل السلطات في يده، وألغى المحكمة الدستورية التي يفترض أنها تؤطر قرارات الرئاسة التونسية حسب مضمون الدستور التونسي، ثم أسقط الاحترام الواجب لاستقلال مؤسسة القضاء، ليترك فقط مؤسستي الأمن والجيش ينعمان بالحرية في ممارسة وظائفهما. المقلق في كل هذا الذي يجري اليوم في تونس هو عودة ظاهرة الاختفاء القسري، حيث برزت من جديد الممارسات القديمة كاختطاف المواطنين واحتجازهم في معتقلات سرية، دون محاكمات أو تهم واضحة صادرة عن المؤسسة القضائية، والمعارضون لهم كامل الحق في التوجس من بروز ممارسات الماضي المظلم مجددا.

هذا الاحتقان في الحياة السياسية التونسية عقد مهمة الوصول إلى الحل، لدرجة أن الطبقة السياسية رفضت كل اقتراحات الرئيس للخروج من الأزمة، وتحديدا خرجته الأخيرة التي يقترح فيها نوعا من الديمقراطية المباشرة، لصياغة دستور جديد عبر مساهمات المواطنين في الانترنيت. الاتحاد العام للعمال التونسيون، المركزية النقابية الوحيدة، استنكرت بدورها ما تسميه بالانزلاق نحو الديكتاتورية، وتقترح بدورها نقاشا وطنيا شاملا تشارك فيه مختلف تشكيلات الطيف السياسي التونسي.

كلها عوامل تؤجج الوضع الداخلي التونسي، حيث بلغت الانشقاقات في طبقات المجتمع مداها، وحيث الأزمة السياسية والاجتماعي الخانقة تغذي كل أسباب التفرقة. في هذه الظروف، لا يمكن للحكم الشمولي أن يقدم الإجابة، بل لن يشكل سوى عنصرا إضافيا من عناصر الأزمة.

كل متتبع للشأن السياسي في المنطقة، لا يسعه إلا أن يتمنى غلبة منطق العقل والحوار، في هذا البلد الذي قدم نموذج الثورة السلمية في 2011. العودة إلى الديكتاتورية، ولو بشكل مقنع، تحمل في طياتها خطر النكوص إلى القلاقل الاجتماعية، إذ لا بد لكل بناء ديمقراطي من مؤسسات ديمقراطية، وأستاذ القانون الدستوري السيد قيس سعيد يعي ذلك جيدا.