بانوراما

ادريس الروخ يكتب عن: شكيب البطل.. شكيب الانسان

بقلم : ادريس الروخ (ممثل ومخرج) الجمعة 10 يونيو 2022
FB_IMG_1654886118318
FB_IMG_1654886118318

Ahdath.info

كنت تائها بالرباط اطوي المسافات وابحث عن قبس ينير طريقي المظلم انذاك ، كنت حديث التخرج من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي ، ادور في فلك الفن بلا مرشد ولا دليل فقط لدي عزيمة و إصرار ، وحب لمهنة كان يؤمن بها من له شجاعة الابطال ..

كنت كذلك بين مخرج وآخر اقدم نفسي طاقاتي ومواهبي لمن يرغب في إضرام فتيل الابداع بها ، قليلا ماهم من كانت لديهم جرأة الاختيار ونظرة الكبار ، كان جالسا بمقهى الفن السابع وهو العاشق للغة السينما ، هو القادم من وسط النجوم مشرقا بجائزة كان هو صانعها هو سيدها هو من فتح باب جوائز أخرى دخلت خزائننا كان أول مغربي يتوج بجائزة أحسن مخرج في مهرجان التلفزيون بالقاهرة سنة 1998 عن مسلسله "ذئاب في دائرة"…

هو القادم من المعهد الوطني للسمعي البصري في باريس عام 1971..هو الجريء المتفتح ، المؤمن بروح الفن في تقدم المجتمع ..هو بطل من ابطالي بل هو الفارس الذي انتشلني من ألمي ويأسي ..هو من نظر الى عيني مقتنعا بموهبتي هو من احتضنني فنا وابداعا وصداقة ومعلما ..( لازلت أذكر يومها عندما اقتربت منه - كان بجانبه المبدع عبد الحق الزروالي -) وقدمت له صورتين .

كان انذاك يهيىء لمسلسله حب المزاح .. والحقيقة لم يكن كلامه معي مزاحا حينما قال لي انت خريج المعهد سنحتاج اليك قريبا وسنشتغل معا..ابدا لم يكن الشامخ شكيب بنعمر يمزح فهو صاحب كلمة ً..صاحب قول وفعل ..صاحب مبدأ ..

من هنا من عملنا هذا تكونت صداقتنا ..ونمت وكبرت ؛ ففي قلبه يشع نور الفنان ونور الانسان ، هو الانسان هو الفنان هو الاخ والصديق والاب الروحي ..هو من فتح لي ابواب التلفزيون وفتح ابواب الامل وفتح ابواب المستقبل لجيل بأكمله ..لشباب أصبحوا نجوما في التمثيل او الاخراج او هما معا ..هو من قادني لاكتشاف اسرار البلاطوهات ..

ففي كل تجربة اكتشف فيه المايسترو القادر على تنظيم فرقته وترتيب آلياته وعزف نغمات موسيقاه بلحن شجي ..تجده ينفعل مع حركات الممثلين ..يتكلم بلسانهم ولسان شخصياتهم ..تجده يتألم ..يحزن ..يبكي ..يبتسم يتلون مع أحاسيسهم وهو خلف الكاميرا ..يصرخ مثل طفل عندما ينجح في مشهد ويثور كمصارع الكوريدا عندما تتوقف احاسيس ممثل ..

إنه مخرج بارع يقرأ ما بين السطور ..ويفتت السيناريو بشكل دقيق ..يغطس في عمق الحوار ..وينبش جسد الشخصيات ليهدمها ثم يبنيها من جديد ، مسكون بلغة الحركة ( الاكشن) ولا يهدأ له بال حتى يشاهد جمهوره ما ابدع وكم هي الاعمال التي قدمها ،، كانت جميلة ورائعة ..كانت تعزف بطريقة مختلفة ..يسكب فيها من روحه وتضحيته وقدرته على مغازلة شريط او سلسلة او مسلسل .. ينظم وقته ببراعة ..ويكره الارتجالية وعدم احترام الآخر ..

سافرت وارتحلت بجانبه الى أماكن كثيرة وفضاءات متعددة اشتغلت بجانبه ممثلا ومساعدا للمخرج ، ومحافظا ..كنت ابنا له وكان ابا لي ..عشت زمنا رائعا برفقة مخرج لم تنصفه الحياة ، كان يحلم بإخراج فيلم سينمائي هو العاشق للسينما ، كان يحلم بأن تتحول الدراما التلفزيوني للغة بصرية تنشر قيم الحب والسلام بين الجميع ، كان يحلم بأشياء كثيرة منها ما تحقق ومنها ما سيتحقق ومنها ما لا ندري نحن هل سيتحقق ام لا ..لكنه كان صائبا في الكثير من أسئلة الحياة بمنطقها الفلسفي والاجتماعي والفني ..كان متناغما مع أفكاره ..مؤمنا بقدره ..معتزا بمغربيته..محبا لعائلته ..وفيًا لأصدقائه..

اليوم سأقولها بكل فخر انت معلمي وانت صديقي وانت عائلتي. . رحمك الله وادخلك فسيح جنانه وستبقى في قلبي ماحييت..

هكذا هم الابطال يتركون بداخلك مساحة حب ومساحة احترام .. ومساحة ذكرى . يعيشون معك زمنا طويلا هم لا يموتون ..فقط يغيرون وجهتهم ..يتكلمون بداخلك وينتشلونك من تيهك..هم بيننا يساعدوننا على الفهم ..يقدموننا لأنفسنا ويعبرون بلساننا عنا في قلوبهم ..هم الذين يتكلمون ..هم الذين يحبون ..هم الذين يعيشون..