ثقافة وفن

عودة إلى الندوة الجهوية الموضوعاتية حول " تنمية المناطق القروية والجبلية ...جهة بني ملال\خنيفرة نموذجا " *

* إبراهيم زياني، أستاذ باحث، رئيس المرصد المغربي للإدارة العمومية. الأربعاء 29 يونيو 2022
41FD9941-CD3E-4665-AA96-4DF80C76FC26
41FD9941-CD3E-4665-AA96-4DF80C76FC26

AHDATH.INFO

احتضن مقر جهة بني ملالخنيفرة، يوم السبت 18 يونيو 2022، يوما دراسيا خصص للتباحث في إشكالية تنمية المناطق القروية والجبلية. ويرجع الفضل في تنظيم هذه التظاهرة إلى مجلس المستشارين الذي بادر إلى عقد هذه الندوة الجهوية الموضوعاتية تمهيدا للدورة الرابعة للملتقى البرلماني للجهات التي يستعد المجلس المذكور لاحتضانها في 20 يوليو المقبل، كما جاء في الكلمة الافتتاحية للندوة لرئيسه، تحت عنوان " مأسسة النهج التعاقدي: دعامة أساسية لتسريع تنزيل الجهوية المتقدمة".

والحقيقة أن اختيار موضوع الندوة ومكان عقدها كانا موفقين للغاية. وساهم في نجاحها عاملان أساسيان : أهمية وغنى المداخلات المقدمة من ثلة من الفعاليات الجامعية والجمعوية والإدارية المشاركة فيها، من جهة، ومن جهة أخرى، المتابعة والاهتمام البالغين الذين أولتهما الهيئات المنظمة لأشغالها حيث كان للحضور الوازن لأعضاء من مجلس المستشارين، وفي مقدمتهم رئيس المجلس، ولرئيس جهة بني ملال خنيفرة وأعضاء المجلس المذكور، ولوالي الجهة والكتاب العامين للأقاليم المنضوية في الجهة، وحرصهم على تتبع المداخلات والاستماع لتساؤلات المشاركين وملاحظاتهم واقتراحاتهم وتجاوبهم معها، كان لكل هذا أثره البالغ في نجاح هذه التظاهرة وتحقق الهدف من انعقادها.

ترى ماهي الخلاصات الرئيسية التي تستحق الوقوف عندها في هذه القراءة التركيبية ؟ وما هي الدروس المفيدة التي يمكننا أن نستخرجها من ذلك الزخم من الأوراق والتحليلات والأفكار والمعطيات، ذات الصلة بإشكالية تنمية المناطق القروية والجبلية، التي قدمت في إطار هذه الندوة ؟

ثمة خمس (5) حقائق مشتركة نجد صداها، بشكل أو بآخر، في مجمل الأوراق المقدمة.

أول هذه الحقائق أن المجالات القروية عموما، والجبلية على الخصوص، تتوفر في الغالب على إمكانيات وطاقات طبيعية وإنتاجية مهمة للغاية، لكنها في المقابل تسجل مؤشرات متدنية ومستويات منخفضة في المرافق العامة الحيوية ذات الارتباط الشديد بحاجيات السكان كالصحة والتعليم والتكوين المهني وخلق فرص الشغل، مما ينعكس سلبا على أسباب العيش والحياة بهذه المجالات. وهذا بالضبط ما ينطبق على حالة جهة بني ملالخنيفرة التي تعاني ساكنتها من الفقر والهشاشة وتستفحل فيها بطالة الشباب ويقل فيها الإقبال على الاستثمار المنتج.

ثانيا، إن هذه المفارقة المتمثلة في التعايش الملحوظ بين وفرة الطاقات والمؤهلات الطبيعية والخيرات المنجمية على الخصوص وتدني مؤشرات التنمية البشرية والاجتماعية لا تنفرد بها جهة بني ملال خنيفرة وحدها، بل تكاد تعتبر سمة هيكلية تطبع جهات المملكة برمتها. والسؤال المطروح لماذا لم تتمكن البلاد، على امتداد عقود متتالية من الجهود، تجاوز وضعية اللاتنمية هاتهّ ؟ جوابا على هذا التساؤل، طرحت الندوة فرضية عدم ملاءمة المقاربة التنموية المتبعة لحد الآن على مستوى القرى والبوادي والجبال، بسبب هيمنة النهج المركزي العمودي في مسألة التعاطي مع احتياجات هذه المجالات وتغييب المقاربة الاندماجية الصاعدة التي تساعد على ايجاد حلول واقعية للمشاكل المطروحة.

ثالثا، نتج عن اعتماد المقاربة التنموية من أعلى إلى أسفل تضخم في السياسات العمومية وسوء التقائية البرامج والمشاريع المنبثقة عن هذه السياسات على أرض الواقع، وهو الأمر الذي يفسر البطء الشديد في التنمية المجالية والانتقال أو التغيير الاجتماعي، وذلك على الرغم من الجهود التي تقوم بها السلطات الإدارية والمنتخبة التي تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الحركات الاحتجاجية الجماعية المتنامية التي تتخذ أشكالا متنوعة على صعيد المجالات القروية والجبلية، والتي تستهدف في مجملها التعبير عن رفضها للسياسات المركزية المتبعة التي فشلت في التقليص من الفوارق الاجتماعية والمجالية وعجزت على مراعاة خصوصيات هذه المجالات وتنوع حاجياتها.

رابعا، كشفت الندوة بالملموس عن التأثير الايجابي للجهوية في التسريع شيئا ما من وتيرة تطوير البنيات التحتية للمناطق القروية والجبلية، وذلك من خلال حالة جهة بني ملال خنيفرة التي تمكنت من حشد امكانيات مالية مهمة للغاية استعملت لدعم الجهود التنموية للجماعات القروية في عدة ميادين لها علاقة مباشرة باحتياجات السكان. وقد لجأت الجهة إلى استعمال آلية التعاقد على نطاق واسع مع عدة قطاعات وزارية ( التربية الوطنية، والصحة، والتعمير وسياسة المدينة) كما صممت برامج تنموية موجهة خصيصا لمساندة الجهود التنموية في المناطق الجبلية والقروية النائية التي تعاني من العزلة والنقص في المرافق العمومية الحيوية. وبذلك اضطلعت الجهة إلى حد كبير بدورها كرافعة تنموية وساهمت في التقليص من الفوارق الاجتماعية والمجالية داخل حيزها الترابي من خلال توجيه الاستثمار العمومي نحو مناطق ودواوير كانت في أمس الحاجة للتجهيزات والمرافق المنجزة فيها.

خامسا، وأخيرا، شكل استمرار الفراغ القانوني الذي تعاني منه المناطق الجبلية على الخصوص، والذي يجسده إخفاق المحاولات البرلمانية المتكررة الرامية إلى تزويد هذه المناطق بتشريع خاص، إسوة بما عليه الأمر في العديد من البلدان الأجنبية، مصدر قلق جماعي للعديد من المتدخلين في الندوة والمشاركين فيها. وفي هذا الصدد ذكر أحد المتدخلين الحاضرين بما كتبه الأستاذ محمد الناصري سنة 2003 في شأن المناطق الجبلية المغربية " لئن كان وادي النيل هبة مصر، فإن الجبال المغربية هي الهبة التي أدت إلى هيكلة التراب الوطني وأضفت خصوصية على المغرب". وبالفعل، فإن إفراد تشريع خاص بالمناطق الجبلية أضحى مطلبا حيويا، وهو ما لا ينبغي مع ذلك اعتباره هدفا في حد ذاته، بقدر ما هو وسيلة وإطار لتمكين هذه المناطق من نظام للحكامة يقوم على التدبير العقلاني والأمثل للموارد الشحيحة المتاحة وعلى تحديد وإبراز طبيعة وخصائص الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية التي ينبغي السماح بها في هذه المناطق للحيلولة دون تعرضها "للتصحر الفيزيائي"، الذي يشكل الخطر القادم الذي يتهددها.

وختاما، فإن هذه المبادرة الميدانية التي قام بها مجلس المستشارين تكتسي أهمية كبيرة من حيث أنها أتاحت للعديد من المؤسسات الترابية في جهة بني ملالخنيفرة للتعبير عن رؤيتها وتصورها لإشكالية تنموية مركزية تأتي في مقدمة انشغالات سكان المنطقة. كما أن المبادرة المذكورة كانت فرصة للمستشارين للاحتكاك أكثر بالواقع والوقوف على رغبات وحاجيات المواطنين بالجهة المذكورة. وبالتالي، فإنه لا يسعنا هنا سوى التنويه مرة أخرى بهذا التمرين التواصلي المؤسساتي والميداني، مع الدعوة إلى تكثيف مثل هذه اللقاءات لتشمل باقي جهات المملكة.