السياسة

انقلاب بوركينا فاسو يزيد من عزلة فرنسا في إفريقيا

متابعة الاثنين 03 أكتوبر 2022
Capture d’écran 2022-10-03 à 09.12.46
Capture d’écran 2022-10-03 à 09.12.46

AHDATH.INFO

يعمق الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو عزلة فرنسا في أفريقيا بعد خروج مظاهرات مؤيدة للانقلابيين تنادي برحيلها على غرار ما وقع في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى. لكن الانقلاب يخدم المصالح الروسية في وقت تعرض فيه موسكو خدماتها على دول القارة حيث تلقى ترحيبا في بعض الأحيان.

 ويؤكد الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو بشكل أكبر تقلص النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا، لاسيما لمصلحة روسيا التي تحاول ركوب موجة عداء لباريس من جانب الرأي العام.

ولم يعد المشهد ضبابيا في البلاد بعد رفض رئيس الدولة المخلوع التنازل عن الحكم، لكن التوجهات المناهضة لفرنسا ليست جديدة ولا عشوائية وتكتسب زخما متزايدا، بينما يتوسع نشاط الجماعات الجهادية في منطقة الساحل ويتمدد باتجاه خليج غينيا.

وبعد نحو أربع وعشرين ساعة من بدء الانقلاب على بول هنري سانداوغو داميبا الذي وصل هو نفسه إلى السلطة إثر انقلاب في يناير، اتهم الانقلابيون فرنسا بدعمه لاستعادة السلطة ما أربك المشهد في ظل نفي قاطع من باريس للاتهام.

كما أكد الانقلابيون الجمعة “عزمهم التوجه إلى شركاء آخرين على استعداد للمساعدة في مكافحة الإرهاب”. وعُدّت تلك إشارة ضمنية إلى روسيا التي رفعت أعلامها خلال تظاهرات تشهدها بوركينا فاسو منذ يومين.

واعتبر الخبير في شؤون المنطقة بجامعة كينت في بروكسل إيفان غويشاوا السبت أن “الانقلابيين يدرجون خطوتهم بوضوح شديد ضمن الاستقطاب الحاصل بين روسيا وفرنسا”.

وأضاف عبر تويتر “من المدهش أن نرى الانقلابيين يعلنون تحمسهم بهذه السرعة لـ’شريكهم الإستراتيجي’ المتميز. كنا نتخيل أنهم سيأخذون السلطة أولا ثم يصعّدون الموقف”.

وطرح الخبير فرضيتين “إما أن العمل مع الروس كان مشروعهم منذ البداية وبالتالي نحن أمام خطة مدروسة بعناية لزعزعة الاستقرار، أو أنهم يستغلون بشكل انتهازي الاستقطاب الفرنسي – الروسي لحشد الدعم لمشروعهم المترنّح”.

وتعرضت السفارة الفرنسية في واغادوغو لاعتداءين السبت والأحد اللذين شهدا إضرام النار في حواجز حماية ورشقها بالحجارة، ما يمثل الصفعة الأكثر قسوة لباريس لأنها تندرج ضمن نزوع خطير.

وفي مالي المجاورة نشرت فرنسا قوة برخان المناهضة للجهاديين لمدة تسع سنوات لمكافحة الجماعات المحسوبة على تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، قبل أن يشهد البلد انقلابين عام 2020 أوصلا إلى السلطة عسكريين معادين لحضورها ما قاد الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إعلان سحب القوات الفرنسية وإعادة نشرها في دول أخرى بالإقليم.

وبموازاة ذلك، انتشر عناصر من مجموعة فاغنر في مالي التي تتحدث فقط عن الاستعانة بـ”مدربين من روسيا”. وزاد مذّاك نفوذ موسكو في باماكو، لاسيما عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الروسية.

وتحدث تقرير حديث صادر عن معهد البحوث الإستراتيجية التابع لوزارة الدفاع الفرنسية عن “انتشار محتوى مضلل عبر الإنترنت يهدف غالبا إلى تشويه الوجود الفرنسي وتبرير حضور روسيا”.

كما أشار إلى انتشار هذه الظاهرة في الدولة المجاورة. وقال إن “أرض الرجال النزيهين (بوركينا فاسو) هي اليوم واحدة من البلدان الأفريقية التي تستهدفها فاغنر”. وأشار التقرير إلى الزيادة الكبيرة في عدد قرّاء النسختين الفرنسيتين من موقعي “آر.تي” و”سبوتنيك” الإعلاميين الروسيين خلال عام واحد.

وخارج منطقة الساحل، يتراجع أيضا نفوذ فرنسا بوضوح في غرب أفريقيا الذي كان ذات يوم “الفناء الخلفي” لها. وأضاف التقرير الفرنسي أن “المطالبة بالديمقراطية تضعنا في خلاف مع الأنظمة التي بصدد التراجع في هذا الصدد ولا تتردد في الإشارة إلى المنافسين الذين لا يربطون دعمها بأي معيار داخلي”، مشيرا خصوصا إلى “العرض الروسي”.

وبعد انسحابها من مالي، تعهدت باريس بعدم التراجع عن مكافحة الجهاديين الذين يهددون علانية دول خليج غينيا. ويفترض أن هناك نقاشات جارية بين باريس والدول الأفريقية المعنية، لكن فرنسا تبدي رغبة في التكتم على الموضوع.

وأكد نائب رئيس عمليات برخان في نيامي الكولونيل أوبير بودوين “نحن نغير نموذجنا (…) لم يعد التدخل بأسطول حربي متماشيا مع العصر”.

وتسعى فرنسا بعد طردها من مالي لإعادة بناء إستراتيجية جديدة لها في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وتهدف بالأساس إلى محاصرة النفوذ الروسي

وتسعى باريس حاليا لإعادة ابتكار جهاز عسكري وأمني فرنسي، خصوصا في منطقة الساحل، على حد قول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد أن أدت سياستها السابقة إلى انتشار الجماعات الإرهابية على نطاق واسع في وسط أفريقيا وغربها، رغم أنها أجهضت مشروع إقامة إمارات للقاعدة وداعش في شمال مالي.

وتسعى الإستراتيجية الفرنسية لإعادة نشر جزئي أو كلي لـ2400 عسكري من جنودها الموجودين في مالي ببلدان الساحل الأربعة وخاصة النيجر وتشاد وبدرجة أقل بوركينا فاسو وموريتانيا، لكن أدوراهم ستكون مختلفة، إذ تعتمد على تدريب إضافي للجيوش المحلية وتعاون استخباراتي.

ويرى مراقبون أن هذا الانتشار الفرنسي لا يلقى ترحيبا من شعوب دول الساحل، حيث شهدت النيجر وتشاد احتجاجات شعبية للمطالبة برحيل القوات الفرنسية من بلدانهم، ومن شأن ذلك التأثير على خطط باريس للتوسع نحو بحيرة تشاد وخليج غينيا.

وبالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجهها فرنسا بسبب وباء كورونا ثم الحرب الروسية في أوكرانيا، فإنه من الصعب على باريس الذهاب بعيدا في مواجهة دول أقوى منها عسكريا مثل روسيا، واقتصاديا بحجم الصين، فضلا عن أن شعوب المنطقة ما زالت لم تشف ذاكرتها من جراح الاستعمار الفرنسي لبلدانها وما خلفه من مآسٍ وأزمات ولا تزال تعاني إلى اليوم من آثار التبعية السياسية والاقتصادية لباريس. وليس من المستبعد أن يُنظر إلى الإستراتيجية الفرنسية في وسط أفريقيا وغربها على أنها وجه آخر من أوجه الاستعمار الجديد.