آراء وأعمدة

ما السر وراء هذا الهيجان الديني الذي سيقتلنا ?..

أسامة خيي السبت 04 يوليو 2015
ما السر وراء هذا الهيجان الديني الذي سيقتلنا ?..
Benki Khalfi

AHDATH.INFO خاص

لنبدأ من حادث مدينة فاس الذي نقل للعالم كيف أن الدولة المغربية غائبة تماما و تترك لهمج متوحشين بث الرعب في المجتمع و فرض ما يرغبون فيه من أفكار بالقوة.

السؤال هنا، لماذا تصرف ذلك الحشد بتلك الطريقة?، و كيف تسرب التطرف و التعصب الى المغاربة بهذا الشكل المتزايد منذ ثلاث أو أربع سنوات?

نذكر جميعا في طفولتنا، كما في مراهقتنا، كيف أنه في كل حي أو مجموعة أحياء متقاربة، أو حتى في مدينة صغيرة، كان هناك دائما شخص معروف بميولاته المثلية، و كنا نطلق عليه أسماء أو أوصاف في غيابه أو في حضوره، و كان يرد علينا اما بالتجاهل أو بالعتاب، و لم يكن أحد يعتدي عليه لأننا كنا نرى أنه "مريض" أو "ماشي لخاطرو"، و لا يمكن أن نقول أن الجد أو الجدة، و الأب أو الأم في هذه الأحياء الشعبية منها و المتوسطة، لم يكونوا يعرفون الدين أو التقاليد، و مع ذلك فأقصى ما كنا نسمعه منهم حول هذا الأمر هو "الله يعفو عليه مسكين"..

أين اختفت هذه الانسانية? أين ذهب هذا الرفق في كل الأمور? أين فقدنا أنفسنا المطمئنة و أصبحنا وحوشا ضارية?

هناك في نظري ثلاثة أسباب تفسر هذه الحالة من الهيجان الجماعي:

 أولها: سلوك الحكومة و رئيسها و حزبها المهيمن

 لن يكذب علينا أحد بالقول ان حزب رئيس الحكومة هو حزب غير ديني، أو أن أعضاءه عندما يكونون مع التوحيد و الاصلاح، فرع الاخوان في المغرب، تكون لهم قناعات دينية و برنامج ديني سطرته أممية الاخوان، و بمجرد انتقالهم لاجتماعات حزب العدالة و التنمية تتبدل القناعات.. هذا اسمه "الدجل" و التقية و اللعب على الحبلين..

برنامج رئيس الحكومة الحقيقي هو جعل النقاشات كلها تصب حول الدين، ووزير حركة التوحيد و الاصلاح في الاتصال، قد يكون شجعه، حسب مقربين، في تأطير النقاشات في مواقع التواصل الاجتماعي بهذه الأجندة، حتى تكون هذه هي وسيلتهم للي أذرع الدولة و المزايدة عليها و احراجها و ابتزازها في المستقبل، عندما يصبح الجميع في الفضاء الأزرق المغربي اما داعية، أو خطيب، أو واعظ، أو مرشد ديني، ينظم الى الجيش الالكتروني للحزب الحاكم، أو يختار أن يشتغل لحساب أصحاب البرنامج الاخواني كFree Lance.

حركة الاخوان ما دخلت بلدا الا و أدخلته فتنا دينية، و من يظن أن الاخوان في المغرب رغم انكارهم التبعية التنظيمية للحركة الأم، سيكونون استثناء، فهو واهم، سيجرون المغرب الى النقاشات الدينية ليزرعوا الفتن في هذا البلد، فبرنامجهم واحد سواء كانوا في مصر أو في السودان أو في ليبيا أو في المغرب.

قد ينطلي علينا أيضا تصريح رئيس الحكومة بأنه ضد أن يتولى أحد مهام الدولة في تطبيق القانون، لكن هو نفسه من قال لرئيس مؤسسة دستورية في قلة احترام لزوجته، "الا ليقيتي مراتك مع واحد ما تقتلهاش?"، و هذا يعني أن الأصل في السلوك عند رئيس الحكومة هو "شرع اليد".

فلماذا نستغرب من سلوك الدهماء و قد تلقوا الاشارة الخضراء?

 ثاني الأسباب: الجيش الالكتروني للحزب الحاكم و المواقع التابعة له أو التي يشتغل فيها أعضاؤه أو المتعاطفين معه

الأجندة الأخلاقية هي الخط التحريري لمواقع عديدة، كما لو أنه يسيرها رئيس اوركسترا واحد.

 في أحد المرات دخلت لأطالع موضوعا حول النقاب، و التعاليق المصاحبة له في موقع معروف، تلقى عتابا شخصيا من رئيس الحكومة عندما أحس أنه لم يعد كما كان، المهم، قرأت الموضوع و انتقلت للتعليقات، فوجدت تعليقا يقول ان النقاب هو ما يجب أن يكون في لباس المغربيات، طبعا، لابأس، حرية رأي، لكن ما أدهشني هو أن التعليق كسب التصويت الايجابي للمئات، و هنا أدركت اللعبة..

 تسائلت أولا ، اذا كان هذا هو رأي المغاربة كما يريد أن يقنعنا بذلك الموقع، فالمفروض أنني عندما سأخرج للشارع، سأرى على الأقل 90 بالمائة من المغربيات منقبات، فخرجت فعلا لأرى، لأن بعض المواقع تقدم لك المغرب على أنه باكستان، و المغاربة مجموعة شبيهة بطالبان، و ما هي سوى لعبة لابتزاز صاحب الشأن و دفعه لاتخاد قرارات معينة تصب لصالح التيار الديني المقرب من الموقع، بدعوى أن هؤلاء هم المغاربة.

عندما خرجت، قررت أن أبقى في الشارع و أنا أتجول لمدة ساعتين على الأقل، فلم أصادف منقبات سوى مرتين.

اللعبة في هذه المواقع، هي جمع جميع الحساسيات الدينية بمواضيع أخلاقية من حجاب و نقاب و تنورات و تحرش و عري و قس على ذلك.

بعدها يأتي الاخواني و السلفي و التبليغي و المتطرف و المعتدل و الوهابي و التوحيدي و العدلي، من الداخل و الخارج، و هم بالالاف، ليقرؤوا المقال و يعلقوا عليه بالمئات، و التصويت عليه بالالاف، و في غمرة هذا الأمر، يدخل المواطن العادي، فتلعب عليه سيكلوجية الجموع، فينخرط هو كذلك في الجوقة، و هو لا يعلم المسكين أن الموقع يدس له السم في العسل.

الخط التحريري قد يجعل موقعا ما عبارة عن تكتل لكل أتباع التيارات الرجعية، فيعطيك ذلك انطباعا أن هؤلاء هم المغاربة، في حين أنهم حينما لا يجتمعون في الموقع، فانهم لا يشكلون سوى أقلية و سط ال 35 مليون مغربي، أقلية نشطة نعم، لكنها أقلية، و لا تظهر كأغلبية الا عندما يتم استدعاؤها بالمواضيع الأخلاقية، في رقعة ضيقة، مثل رقعة اضافة تعليق.

مواقع التواصل الاجتماعي أيضا تعج بالنقاشات الأخلاقية لنفس الأسباب، الخواء الفكري، و الهشاشة التي يعانيها المراهقون لضعف التعليم و غياب مشروع ثقافي تنويري، و اعلام مستقيل.

رئيس الحكومة انضم الى كتائبه الالكترونية، و ما يعضد قولنا، هو الفيديو الأخير لرئيس حكومة المغاربة، بكل تنوعاتهم و مشاربهم الفكرية، يحدثهم فيه عن معركة بدر و انتشار الاسلام، بالله عليكم، هل لدينا رئيس حكومة، أو خطيب جمعة? في الوقت الذي ساهم رئيس حكومتنا في اغراقنا بالديون، حتى وصلت المديونية الخارجية لأول مرة في تاريخ المغرب الى 28 مليار دولار، يترك كل مشاغل البلاد و تحدياتها و ينزل فيديو عن معركة بدر?!

مع كل احترامنا لمعركة بدر و زمانها و رجالها، الا أن معركتنا مع الفقر و البطالة و المديونية، و انتماءنا لأمة هي في قعر مزبلة الأمم، هي تحدياتنا اليوم.

هنا يبرز ما نقوله ، حول البرنامج الحقيقي لرئيس الحكومة و حزبه المهيمن، برنامج فرض الخطاب الديني بمناسبة و بغير مناسبة، و اذا لم يوقفه أحد أو ينبهه أو ينهيه، فاننا سائرون الى منحدر خطير.

 ثالث الأسباب: النيابة العامة و وزير العدل الذي يفرض رؤية الاسلام السياسي للقانون

في حادث انزكان (سنعود للموضوع في مقال آخر)، النيابة العامة التي هي تحت اشراف وزير العدل، عوض أن تتحرك لحماية الطرف الضعيف، نزلت عند رغبة الغوغاء، و اعتقلت الضحايا.

لماذا اذن?

لأنها في نظرنا تعرف أن الوزير المشرف يفتخر بالرعاع، بل و يفاخر أنهم سيقتلون من أفطر رمضان من المغاربة.

الوزير بلسانه يرهب المغاربة الذين لا يوافقهم الدين أو القناعات، و يقول لهم انزلوا للشارع لتلقوا مصيركم على يد الدهماء و البهماء.

وزير يفتخر أن في بلاده جهلة، و يباهي بوحشية مواطنيه، لا نظن أنه هو من سنأتمنه على أرواحنا و سلامتنا، فلا لوم على النيابة العامة، لا لوم على المرؤوس، دون الانتباه للرئيس، دون الانتباه لمن يريد أن يفرض علينا..  كل هذا الجو البئيس.

 

 

شادي عبد الحميد الحجوجي